2024-11-30 08:50 ص

تركيا.. غموض سياسي ومخاوف من انتكاسة اقتصادية!!

2016-05-07
أنقرة/ دخلت تركيا، مرحلةً من الغموض السياسي، إثر إعلان رئيس وزرائها أحمد داود أوغلو تنحيه عن رئاسة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، وبالتالي عن منصبه كرئيس للحكومة، إفساحاً في المجال أمام طموح الرئيس رجب طيب أردوغان لإقامة نظام رئاسي قوي.
وفي توقيت دقيق بالنسبة لتركيا التي تواجه خطر «داعش» وتراجع اقتصادها وسياحتها، يغادر داود أوغلو، الذي يرى فيه الغرب «الوجه الليبرالي» لـ«العدالة والتنمية»، بعدما تمكن من «هندسة» عدد كبير من مشاريع أردوغان وصفقاته، آخرها صفقة اللاجئين مع الاتحاد الاوروبي، من دون تحقيق أهداف الحزب الحاكم التركي في سوريا.
وفيما يرى مقربون من أردوغان أن اقتصاد البلاد سيستقر بدرجة أكبر عندما يتولى رئاسة الوزراء شخصٌ أكثر توافقاً مع الرئيس، يرى مراقبون أن تركيا ستواجه إجراء انتخابات عامة مبكرة للمرة الثالثة في أقل من 18 شهراً، وأن أجندة البلاد الوحيدة حالياً هي الانتخابات المبكرة والنظام الرئاسي الذي لم يرحب داود أوغلو كثيراً به. كما يرون أن الاستثمار في البلاد سيتعرض لضربة نظراً لـ«سطوة الرجل الواحد الذي غالباً ما يفرض توجيهاته».
وفي توقيت حساس كذلك بالنسبة إلى أوروبا والغرب الذي يعول على أنقرة لمساعدته في كبح تدفق اللاجئين ومحاربة الإرهاب، مغمضاً العين عن سجل إدارة أردوغان في قمع المعارضين السياسيين وخنق الحريات الإعلامية، وعن الحرب التي يشنها جنوب شرق البلاد، تمكن الرئيس التركي من إزاحة رئيس وزرائه، مثبتاً مرة أخرى أنه «الرجل الأقوى» في البلاد، واستعداده للمضي في أي خطوة ممكنة لتقريبه من ترسيخ سلطته عبر تحويل تركيا إلى النظام الرئاسي الذي يرى فيه ضمانة ضد الائتلافات الحكومية، فيما ترى المعارضة أنه استئثار شخصي بالسلطة.

وفي خطاب دافع فيه عن سجله، مع تجديد ولائه لـ «أخيه» أردوغان، أكد داود أوغلو أمس أنه حافظ على الحكومة والحزب «خلال فترة مضطربة»، متعهداً باستمرار الحكومة «القوية» بقيادة «العدالة والتنمية».

وخلال مؤتمر صحافي كان متوقعاً، أعقب اجتماعاً للهيئة التنفيذية للحزب بكى فيه بعض أعضائها، أعلن داود أوغلو أنّه «وفق الظروف الحالية» لن يرشح نفسه لزعامة الحزب في مؤتمره العام الطارئ في 22 أيار الحالي. وتوجه إلى أعضاء الحزب قائلاً: «حتى اليوم كنت أقودكم، ومن الآن فصاعداً أنا واحد منكم».

وأكد داود أوغلو أن اختصار فترة رئاسته للحكومة لم تكن باختياره، بل «بحكم الضرورة»، مضيفاً أنه لا يحمل «أي أحقاد»، داعياً حزب «العدالة والتنمية» الذي يحكم تركيا منذ العام 2002 إلى البقاء «متحداً».

ويأتي تنحي داود أوغلو بعد أسابيع من توتر العلاقة مع أردوغان، ومحاولة الأخير الحد من صلاحيات رئيس وزرائه داخل الحزب.

وبتنحيه أمس، يفقد داود أوغلو (57 عاماً) تلقائياً منصبه كرئيس للوزراء، لأن النظام الداخلي للحزب ينص على أن يتولى رئيس الحزب رئاسة الحكومة. ومن المرجح أن يكون خلفه أكثر استعداداً لتأييد مسعى أردوغان لتغيير الدستور بغية إقامة نظام رئاسي.

وفور إعلان داود أوغلو تنحيه، ندد زعيم حزب الشعب الجمهوري، وهو حزب المعارضة الرئيسي، كمال كليجدار أوغلو، بما وصفه بـ «انقلاب القصر»، رافضاً محاولات مسؤولي «العدالة والتنمية» لنفي هذا الوصف باعتباره شأناً داخلياً. ولطالما وصفت المعارضة التركية داود أوغلو، الذي عينه أردوغان رئيساً للحكومة خلفاً له في آب 2014، بـ «الدمية».

من جهته، قال محمد علي كولات رئيس مؤسسة «ماك دانيسمانليك» لاستطلاعات الرأي التي تعتبر مقربة من أردوغان إنه «من الآن فصاعداً، جدول الأعمال الوحيد لتركيا هو النظام الرئاسي والانتخابات المبكرة»، متوقعاً إجراء هذه الانتخابات في تشرين الأول أو تشرين الثاني المقبلين.

وأوضح عضوان في المجلس التنفيذي لحزب العدالة والتنمية ومصدرٌ ثانٍ قريبٌ من الحزب لوكالة «رويترز» أن «أرجح الاحتمالات الآن هو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في الخريف»، مضيفين أن «الهدف سيكون الفوز بثلثي مقاعد البرلمان البالغة 550 مقعداً للسماح للحزب بتغيير الدستور دون حاجة لإجراء استفتاء». وسيمثل ذلك زيادة في عدد مقاعد الحزب بمقدار 50 مقعداً عن العدد الحالي البالغ 317 مقعداً.

ولفت المصدر الثاني إلى أن «أردوغان سيتحرك بسرعة، وسيحاول الوصول إلى أغلبية كافية لتحقيق الرئاسة التنفيذية. وسيتم تشكيل هيكل حزبي واختيار قيادة لتحقيق ذلك»، مشدداً على أن «أردوغان لا يريد خسارة المزيد من الوقت».

بدوره، اعرب تيموثي آش، المخطط الاستراتيجي لدى «نومورا» وأحد المخضرمين في متابعة الشأن التركي، عن اعتقاده بأن هذه تطورات «ذات أهمية بالغة في تركيا، وسوف ترسم على الأرجح مسار البلاد على المدى الطويل، سواء من حيث الديموقراطية أو السياسة الاقتصادية والاجتماعية والتوجه الجيوسياسي»، مشيراً إلى أن «تركيا ستتغير نتيجة لذلك إلى النموذج الآسيوي، حيث ستوجد سيطرة مركزية قوية من الرئاسة، وتتخذ القرارات الرئيسية على الأرجح مؤسسة الرئاسة ومجموعة محدودة من المستشارين غير المنتخبين».
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية