الياس سحاب
تبدو الأزمة السورية، أو الحرب السورية، وقد مرّت عليها سنوات خمس، بهذا التداخل المعقد للقوى الدولية والإقليمية، وبهذا العدد الهائل من المدنيين النازحين بالملايين، إما داخل سوريا أو في دول الجوار، أو باتجاه أوروبا، إضافة الى عشرات آلاف القتلى والجرحى والمصابين، تبدو شبيهة بالحروب الدولية الفرعية، مثل حرب كوريا في منتصف القرن العشرين، أو أنها أشبه بتمارين صغيرة ومحدودة، أي «بروفا» لما يمكن أن تكون عليه حرب عالمية شاملة.
أما الهدنة المؤقتة والمحدودة التي اتفقت عليها في الساحة السورية، كل من روسيا وأميركا، فتبدو كأنها محطة تسعى، بعد جهود مضيئة قادمة، إلى استخراج ملامح نظام دولي جديد من رحم هذه الأزمة. وقد شاء حظ سوريا العاثر أن تكون الساحة التي تعمل فيها كل التناقضات الدولية، على شكل حرب صغرى عالمياً (وكبرى سورياً وعربياً)، استكشافاً لآفاق صراع القوى الدولية، وتمهيداً للوصول إلى شكل جديد مستخرج بكامله من الواقع الملموس في المنطقة العربية، أو الشرق الاوسط، بحسب التعبير الرائج في السياسة الدولية.
أغرب ما في هذا السيناريو الذي بدأت ملامحه تظهر على استحياء، في ساحة القتال السورية، أن الأمور بدأت من نقاط تضاد وتناقض كامل بين القوى الدولية والقوى الإقليمية، المشاركة علناً في الحرب السورية.
فالولايات المتحدة تجرب مفاعيل ما نبت تحت أجنحتها من تنظيمات إرهابية، ابتداء من حربها ضد الوجود السوفياتي في أفغانستان، لمحاولة صياغة منطقة عربية «جديدة» تحيط بالكيان الإسرائيلي، كدول مجزأة الى دويلات مفتتة، تقوم على جذور عرقية وطائفية.
أما روسيا، ومن ورائها مجموعة الدول التي بدأت تتخذ لنفسها مواقع متقدمة في السياسة الدولية (مثل مجموعة «البريكس»)، فمن مصلحتها التعامل مع منطقة عربية متماسكة، على الأقل كما أنتجتها اتفاقية «سايكس ـ بيكو». السنوات الخمس الدامية المنصرمة كانت استعراضاً واقعياً للقوى المتنازعة، حتى تكتشف كل قوة فيها المدى الاقصى الذي يمكن أن تذهب اليه.
طبعاً، في مثل هذه السياقات في السياسة الدولية، تهون كل الأثمان الباهظة وتبدو زهيدة، طالما أن الذي يدفع الثمن هي الدول الصغرى وشعوب تلك الدول.
وقد بدأ يظهر جلياً في الفترة الأخيرة أن تجربة صراع القوى الدولية والإقليمية على الساحة السورية، قد وصلت الى منتهاها، أو ما يقارب ذلك، على الأقل بالنسبة للقوتين الكبريين: روسيا وأميركا.
وما يبدو من قرب للتوصل إلى خاتمة لهذه التجارب، يعود إلى ذلك التضارب بين رغبة القوتين الكبريين بوضع حد سياسي لهذه التجربة المريرة، وبرغبة بعض القوى الإقليمية المنخرطة في التجربة (كتركيا مثلاً)، بتحقيق إنجازات خاصة بها، هي أقرب إلى أضغاث الأحلام التي يسمح بها أحياناً التحاقها بركب هذه القوة الكبرى أو تلك.
من الواضح برغم كل ذلك أن الأزمة السورية ما زال أمامها طريق طويل ومعقد. لكن ملامح اتفاق الكبار على وضع نهاية سياسية للأزمة المضرّجة بالدماء والقتلى والنازحين، قد تبدو في الأفق غير البعيد، الذي بدأت تظهر فيه ملامح أولية لنظام دولي جديد.
المصدر: السفير اللبنانية