اسرائيل من جانبها مرتاحة لمواقف رام الله وعمان وكل العواصم، وهي اعتادت على حدة التصريحات واجترار البيانات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ما دمات تواصل مخططات وبرامج التهويد وتغيير المعالم، وتهزأ من فرسان طواحين الهواء، وفي ظل هذا الحال الذي تعيشه القدس لم تعد تل أبيب تكترث بهذه المبادرة عن المقدسات والاماكن الدينية، أو هذا الاقتراح، جاء من الشرق ام الغرب. فهي ماضية في مخطط التقسيم الزماني والمكاني في الحرم، وهي خطوات تسبق التهويد الكامل، فسياسة اسرائيل اتجاه الكثير من القضايا، سياسة الخطوات المرحلية، وصولا الى الانجاز الأبدي لما ترنو اليه.
قبل أشهر، سمعنا عن اقتراح اردني بتركيب كاميرات في ساحات الحرم، والهدف كما أعلن وقيل، هو مراقبة الجماعات اليهودية التي تقتحم هذه الساحات، وسمعنا أيضا عن ساعات محددة يسمح خلالها بدخول اليهود الى الحرم القدسي الشريف، لكن، الاقتحامات لم تتوقف وباتت يومية، وتقام الطقوس في باحات الحرم تحت حراسة جنود الاحتلال، والتقسيم الزماني والمكاني بات معمولا به، على مرأى ومسمع من الأردن والسلطة الفلسطينية، ومدينة القدس بالكامل "يتيمة" والكل مشغول عنها، احترابا وتجميع منافع، وتعزيز حراسات، وأحاديث لم تتوقف عن الترفيعات والترميجات وحوارات المصالحة والتصارع على قمة المشهد السياسي، بينما "الهرطقة" و "التصريحات النارية" مستمرة، والجميع يتحدث "بريان عتب" عن القدس.
ان المواقف من القدس مجرد "فقاعات" وكاذبة، وكل العواصم مقصرة ومدانة وبعضها متآمر على المدينة والمقدسات، مما شجع الاحتلال الاسرائيلي على مواصلة برامج تغيير المعالم والتهويد، ضاربة عرض الحائط كل بيانات الشجب والاستنكار، فقط، هم مواطنو المدينة الذين يتصدون بصدورهم العارية للاحتلال، وما غير ذلك مجرد هراء، ولا صحة اطلاقا لما يطلق من تصريحات عن دعم المدينة ومواطنيها.
وعندما رفض مواطنو المدينة تركيب كاميرات في ساحات الحرم، فانه من منطلق الدفاع عن المقدسات، فالكاميرات في حال تركيبها، هي في صالح الاحتلال الذي سيتحكم بكل ما تبثه من صور وربما تسجيلات، وغيرها، بمعنى أن الكاميرات ستكون اداة في يد الاحتلال لمراقبة المصلين وحملات الدفاع عن الاقصى، وتفتج الأبواب واسعة لحملات الاعتقال نهارا وليلا، فالدفاع عن المقدسات لن يكون بتركيب الكاميرات أو لقاءات التوسل والتنسيق، والمساعدة في تحاشي الاحراج أمام الشعوب، من هنا، جاء الرفض الشعبي للعبة تركيب الكاميرات التي رحب بها الاحتلال.
وحسنا، فعلت الاردن عندما عادت عن فكرة الكاميرات وتثبيتها في ساحات الحرم، لأنها سلاح ضد الفلسطينيين ولا يحمي المقدسات من اقتحامات اليهود التي تتم يوميا تحت مراب الاحتلال، فحماية المقدسات بحاجة الى مواقف جريئة جادة، ومواجهة حازمة وحاسمة، بعيدا عن لغة الاستجداء والترجي، ومثل هذه المواقف لم تتخذ من أي من الدول العربية، بل بعضها، يتآمر على القدس والمقدسات طلبا لمساندة اسرائيل لأنظمتها المهتزة في الساحات القريبة جدا والقريبة والبعيدة، ويبقى أهل القدس وحدهم في ميدان المواجهة.