2024-11-24 09:28 م

أكثر رجل يخافه عزمي بشارة يفضحه ويقلب صورته

2016-04-13
أثار كتاب «تحت خط48.. عزمي بشارة وتخريب دور النخبة الثقافية» لمؤلفه الفلسطيني عادل سمارة نقاشات حادة، وخاصة لما تضمنه من تصويب من قبل رجل يعرف بشارة جيداً، درس التقلبات (أو لانقلابات كما يسميها) في مسيرة عزمي بشارة من أزقة فلسطين إلى الكنيست، ومن دمشق إلى الدوحة.
ونشر موقع «كنعان» الفلسطيني مطالعة عن الكتاب بقلم ليث مسعود. جاء فيها:

هذا الكتاب عبارة عن سلسلة مقالات كتبت على امتداد 20 عام (1994-2014)، هي مرتبة بتسلسلٍ زمني من ناحية تاريخ النشر، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود تكرارٍ لبعض الأمور المذكورة، أو تتابع في التسلسل الزمني؛ فتجد أن الكاتب كان على معرفة شخصية بعزمي بدءاً من العام 1987م، وفي العام 1993-1994م، عملا معاً في لجنة مناهضة التطبيع؛ فقد اشتركا في إصدار العدد صفر من مجلة "فصل المقال"...وكان آخر لقاء بينهما قد ختم بما قاله بشارة "لا يهمني إذا هاجمني كل الناس، إلا إذا هاجمتني أنت"، متعهداً بتفسير ما قاله في لقاء آخر، إلا أن التفسير وصل لاحقاً؛ د.عزمي بشارة قرر الترشح للكنيست...ليس من المألوف أن تجد كتاباً يحمل صورة مقلوبة لشخصية معروفة...هذا الكتاب لا يسمح لك بقراءته إلا إذا وافقت على أنه لا بد من قلب بشارة رأساً على عقب قبل قراءته، وذلك لتتمكن من فهم الإنقلاب الفكري الذي وصله...أما العنوان فهو الأهم، فالمثقفون هم عنوان الثورات ومحركوها...وهم أيضاً غاسلوا الأدمغة ومسيروا سياسات الدولة أو المستعمر؛ وفي هذه الحالة كان بشارة له الدور الثاني، ألا وهو غسل الأدمغة وتسيير سياسات المستعمر، ليس على الفلسطينيين فقط؛ بل على الشعب العربي ككل، وهذا الكتاب يوضح نشأة هذا الرجل وتحولاته الفكرية التي كانت على ما يبدو مقسّمة على ثلاث مراحل؛ أولاها نشأته داخل الحزب الشيوعي الإسرائيلي (راكاح)، والذي يعترف "بإسرائيل" ويعتبر العرب الفلسطينيين (فلسطينيون إسرائيليون)، ثم الخروج عن الحزب وأفكاره وتبني الفكر القومي العروبي ومناهضة التطبيع، والخاتمة كانت بإنقلابٍ تام مع الحفاظ على الشعار القومي، فدخل الكنيست "الإسرائيلي" وأيّد أوسلو التي كان قد نقدها وعارضها، وتهكّم على من يطالب بفلسطين من النهر إلى البحر.
يحتاج المشروع الإستعماري لطبقة مثقفة تسوّغ أفعاله ولكن في الحالة الإسرائيلية هو إستعمار إقتلاعي في قلب الوطن العربي، وهذا ما يضعه في قلق مستمر من أي وعي وصحوة للشعب...ومن هنا تكون الحاجة لطبقة مثقفة على المستوى العربي لا على مستوى فلسطين وحدها، ومن يقوم بهذا الدور عليه إثبات الجدارة، فكان بالفعل جديرا به، فقد تمكن وهو عضوٌ في الكنيست أن يقنع العرب بمساعدة من قناة الجزيرة بأنه قومي الفكر وأنه يصارع لأجل "الأقلية العربية" في إسرائيل، ووصلت قدرته بالإقناع أن يصل إلى سوريا وحزب الله ويعمل كمخبر للموساد الإسرائيلي بإعتراف من قيادات إسرائيلية، لم تلقَ أي نفي من بشارة، وكان هذا الدور كفيلا بكسب الثقة للحصول على عوامل القوة التي تمكّن من بناء طبقة مثقفة على مستوى الوطن العربي، فكان أن غادر إلى قطر، ومن هناك حصل على المال والإعلام والقوة السياسية؛ فكان أن انتقل من الدور الذي لعبه في فلسطين من تشجيع على المشاركة في الكنيست والإعتراف بإسرائيل، والقبول بالعيش تحت ظلها والإكتفاء بمطالبة المساواة مع المحتل نافياً القوميةالفلسطينية وكافة الحقوق على رأسها حق العودة...أما الدور الجديد لا يبتعد عن فلسطين فهو يعمل مع "المعارضة" السورية والمصرية والليبية...الخ، أي أنه يقوم بدورِ مكمل لدور قطر في تخريب وتفتيت الوطن العربي، وهو الدور الذي تقوم به بالأساس أمريكا وحاشيتها.

صحيح أن الصورة والعنوان يتحدثان عن شخص، وهذا ما ظننته في البداية، إلا أن الخيار بيد القارئ؛ إذا ما وسع النظرة لوجد في هذه المقالات وبحكم أنها بدأت في العام ،1994 أن المجتمع العربي في الداخل المحتل قد تعرض لهزة وصدمة كبيرة جراء أحداث عدة خاتمتها كانت اتفاقيات أوسلو التي اعتبرت تنازلا من المنظمة عن العرب الفلسطينيين في المحتل عام 1948، وهذا ليس تبريراً بل هو واقع ما حدث، وكان سببه ما هو موضح في الكتاب من الضعف الفكري وضعف التحليل للتحول السياسي القائم، فكان من أثر هذا الضعف وهذه الأحداث المختتمة بالتنازل أن تحولت حركة أبناء البلد المعارضة* للكنيست وللإعتراف بإسرائيل إلى المشاركة مع عزمي بشارة في تشكيل حزب التجمع الديمقراطي الذي يضم أطراً مختلفة، وذلك بهدف المشاركة في إنتخابات الكنيست عام 1996م، وهذا ما حصل؛ فكان مرشح الحزب الأبرز هو بشارة الذي أًصبح منذ ذلك الحين عضواً في الكنيست، وبدأ منذ ذلك الحين ينظّر في القومية المبتكرة أو المجمّعة من هنا وهناك...هو أبدع في التنظير المتناقض فكرياً لدرجة أن يقول الفكرة وينفيها في جملة واحدة، ولهذا على ما يبدو أثر كبير على أعضاء الحزب؛ حيث أن أفراد الحزب لم يتمكنوا من مواكبة التلوّن والتقلب المتناقض لدى بشارة، فكانت النتيجة أن ضاعوا فكرياً، واختلط عليهم مفهوم القومية العربية والإسلام، فأدى التداخل والخلط أن توصلوا لنتيجة اعتبار الاحتفال بالأصول الكنعانية تنكّراً للعروبة!، مع أن الكنعانيين في الأصل مهاجرون من جزيرة العرب!... أما حركة أبناء البلد- وهذه إضافة لما ذكرناه من نقاط الضعف الواردة في الكتاب- قال رجا إغبارية في ردِ على هذه القضية: كانت الحركة تتبنى ميثاق منظمة التحرير ومواقفها، ومع تنكر المنظمة لميثاقها وانسحابها من دورها السابق إنهارت الأرضية التي وقفت عليها الحركة في بناء مواقفها وتطلعاتها ما أدى إلى تخلخلها وإضعافها بشكل كبير...تعرضت الحركة وقيادتها لضغوطات من الخارج بأن أخفضوا سقفكم فقد بدأت مرحلة جديدة انتهت مرحلة التحرير، وكان لهذه الضغوط إضافة لما سبق ذكره الأثر الكبير على تغيّر موقف الحركة التي عادت إلى رُشدها واعتذرت رسمياً عن هذا التحوّل، وعادت لموقفها حيث هي اليوم وإلى جانبها حركة كفاح تدعوان لمقاطعة الانتخابات.

مهما أسهبت في الحديث عن الكتاب لن أوفي 20 عاما من الكتابة حقها، لكني أختم القول بأن هذا الكتاب هو رحلة لا بد لكل عربي أن يخوضها، ليس لفهم بشارة فقط، بل للتعرف على الطريقة التي يصنع فيها مثقفون يعادون قوميتهم، والأهم من هذا هي طريقة هؤلاء في إيصال الرسالة المغلفة، كما لو أنها حلوى محشوّة بالسُّم.
المصدر: "شام تايمز"