2024-11-30 06:28 م

بنو سعود ومشكلتهم الدائمة مع أصحاب الكرامة

2016-04-09
كتب شارل أبي نادر*
لا يمكن لأي متابع لتاريخ المملكة العربية السعودية الحديث فقط؛ لانها لا تملك تاريخًا قديمًا او عريقًا، إلا أن يضع دائما مشاكلها مع الدول المحيطة أو مع الأحزاب والمنظمات في خانة عدائها لأصحاب الكرامة، فهي تكره من لديه عزة وشموخ، وتحقد على من لديه عنفوان ورفعة، وتقاتل وتعاقب من ينشد حقه ويسعى وراء حريته...

من يلاحظ كيف تمارس المملكة حربها وضغطها على الدولة اللبنانية في هذه الأيام، يجدها تضغط بطريقة جنونية مسعورة، فهي مع الإعلام اللبناني تتابع وتلاحق كل من ينتقد سياستها ومواقفها، حيث تضغط على الصحف والمطبوعات وعلى وسائل الاعلام المسموعة والمرئية الارضية منها أو الفضائية، لدرجة أنها تعتبر كل ملاحظة إعلامية عادية تندرج في خانة النقد أو التحليل الاعلامي الطبيعي والذي تتطلبه وتسمح به المهنة بشكل عام، هي جريمة كبيرة في حق نظامها وحكامها، والذين يبدو أنهم لم يتعودوا إلا على رسائل الاشادة والتفخيم والتبجيل، وما عدا ذلك ممنوع ومدان ويستوجب الملاحقة والمقاضاة والتوقيف المؤقت أو الدائم عن العمل او الحرمان من وسائل النشر والتوزيع، أو من إمكانية البث عبر الاقمار الاصطناعية وحيث تملك وتحتكر أغلب شركات البث الفضائي.

بالاضافة إلى ضغوطها على الاعلام في لبنان، تتابع ضغوطها على الدولة والمواطنين لناحية التهديد بلقمة العيش وبإبعاد العاملين اللبنانيين في المملكة بإنهاء عقود عملهم واشغالهم ووظائفهم، متناسية ان لهؤلاء فضلًا كبيرًا على ما اصاب مجتمعها من تطور علمي واداري وبانهم عملوا باخلاصهم وبعرق جبينهم، وذلك بفرضها الشروط القاسية التي تتعارض مع ما تسمح به القوانين العالمية ومع ما تضمنه حرية المعتقد والرأي الحر، والتي هي مقدسة واساسية في شرعة حقوق الانسان، على من يثبت انه تواصل مع احد له علاقة بطريقة او باخرى مع حزب الله او حتى اذا فكر بصمت وفي قرارة نفسه بتأييد الحزب ومناصرته.

كما ان الامر وصل بها للاستعداد لوضع الدولة اللبنانية بكاملها على لائحة الارهاب بعد ان رأت احتضان اغلب المكونات الداخلية لحزب الله وقناعتهم بانه يمثل المقاومة الشريفة الصادقة التي ضحت في سبيل لبنان وقضايا فلسطين والعرب، وبانه يلعب دورا رائدا وفاعلا في مساعدة الشعوب المقهورة والمظلومة في سوريا واليمن والعراق، والذين اصيبوا في امنهم وسلامهم وحياتهم بسبب تدخلاتها الدموية المجنونة، وذلك على خلفية تمريرها لقرارات ملغومة ومدسوسة في المحافل الرسمية العربية غير المتوازنة أصلا، حول اعتبار حزب الله منظمة ارهابية غير آبهة بأنها تتمتع بتاريخ وسمعة وصيت لا يُبعد عنها صفة الإرهاب أبدا.

من ناحية أخرى، ترى الدولة اللبنانية تقف موقفًا عاجزًا وضعيفًا في ظل صراع المملكة العدائي تجاه فئة لبنانية اساسية وممثلة بشكل وازن في المؤسسات الشرعية الرسمية، فهي (الدولة اللبنانية) تنأى بنفسها عن حماية الاعلام اللبناني بشكل عام، وإعلام المقاومة التي يحضنها بيان الحكومة الوزاري وقناة المنار الفضائية بشكل خاص، وتتهرب من مسؤوليتها في إظهار حق المؤسسة المذكورة بممارسة عملها من خلال ايصال رسالتها الصادقة والتي لا يمكن الا ان تكون معبّرة عن سياسة المقاومة في صراعها الشرس ضد العدو الاسرائيلي وضد الارهاب والتكفير، وعاكسة لسياسة المقاومة الوطنية والعربية والاسلامية في حماية المقدسات والحقوق في فلسطين المحتلة، او في الوقوف مع الشعب المظلوم في اليمن او في مساندة سوريا والعراق المعتدى عليهما.

وايضا.. ترى الدولة اللبنانية وفي موقف غريب وغير مفهوم، تمارس ازدواجية واضحة في موضوع التعامل مع اهانة صحيفة الشرق الاوسط السعودية شبه الرسمية للعلم اللبناني، والذي يمثل رمزا وطنيا يحميه الدستور باحدى مواده صراحة، لتطبق القانون وباجراءات وأصول غير واضحة في موضوع تعرّض بعض الشبان اللبنانيين وكردة فعل عفوية وطبيعية لعَلم المملكة او للصحيفة المذكورة، والتي تمنعت عن الاعتذار وعن تطبيق الاصول المهنية والقانونية على خلفية اهانتها للعلم البناني كرمز وطني.

إن المملكة تعتبر ان ما تقوم به، ليس في لبنان فقط بل فيى أغلب الدول التي تربطها بها علاقة معينة، هو تصرف صحيح، وانها تعتبر نفسها غير مخطئة، وذلك لأنها تدفع اموالا باهظة تشتري بها نفوسا ورؤوسا ومؤسسات، ويجب ان تقابل بالخضوع التام تحت شعار " ما يخالف"، انها ثقافتها وعقيدتها وتاريخها، فلا معنى للكرامة في قاموسها، حيث ان الاموال تتكلم، وبها يمكن شراء الذمم والاصوات والمنابر الاعلامية والدول والحكومات، وما يبرّر لها هذا الاعتقاد هو انها تجد وتتعامل مع حفنة ليست بسيطة من هؤلاء الصغار بكرامتهم وبعنفوانهم، تدفع لهم دائما وتشتريهم باموالها وبتقدماتها، فتعتبر ان الجميع هكذا.

ان صراع المملكة هذا مع أصحاب الكرامة والعنفوان لا يمكن ان ينتهي الاّ بنهايتها، ليس لأنها لا تريد أو لا ترغب بإنهائه، او بالسيطرة عليه، بل لانها غير قادرة على ضبط نفسها كونها خُلقت هكذا، مملكة للظلام وللحقد، وحيث ان الغرب والانكليز خاصة ومن ورائهم اليهود نجحوا في اختيار هذه الزمرة الطاغية الحاكمة (آل سعود)،  وكان اختيارهم صائبًا لانه يمثل الافضل والانسب لمن لعب ويلعب وسيلعب دائما دورا مشبوها وهدّاما في سبيل ضرب وحدة العرب والمسلمين وإضعافهم، وذلك لمنعهم من الوقوف بوجه اسياد المملكة الحقيقيين، مجرمي العصر، الصهاينة المحتلين.
*عميد متقاعد
المصدر: موقع "العهد" الالكتروني