2024-11-30 08:29 ص

هجمات بروكسل.. قراءة أولية

2016-03-25
محمد محمود مرتضى 

عادت أوروبا الى الواجهة لكن هذه المرة من باب العاصمة البلجيكية بروكسل بعد ان كانت باريس هي الواجهة. تفجيرات في مطارها وفي مترو الانفاق. عشرات الضحايا بين قتيل وجريح سقطوا في أعمال إرهابية متزامنة أعادت الى الأذهان هجمات باريس التي وقعت في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. وبغض النظر عمن يقف خلف هذه الهجمات هل هو تنظيم داعش او القاعدة، وان كان الارجح أنه الأول، فإننا يمكن ان نسجل الملاحظات الاولية التالية:


1- إنها جاءت بعد أربعة أيام فقط على اعتقال صلاح عبد السلام في بلجيكا وهو الذي يقال انه العقل المدبر لهجمات باريس، وكانت القوى الأمنية البلجيكية اعتقلت عبد السلام في الثامن عشر من الشهر الجاري في منطقة مولينبيك في ضواحي العاصمة بروكسل. فوقوع الهجمات بعد اربعة ايام فقط من الاعتقال يدخلنا الى النقطة التالية.


2- إن الشبكات التي تخطط للهجمات تعتمد الطريقة العنقودية، فلا ترتبط بعضها ببعض، بل يعتمد المخططون على شبكات منفصلة كليًّا لا يقود بعضها الى بعض، الا اذا اعتبرنا ان المسارعة الى تنفيذ هذه الهجمات بعيد اعتقال عبد السلام دليلًا على وجود رابط ما معه، فسارع المنفذون للقيام بهجماتهم قبل انكشاف امرهم. وان كان البعض يعتبر ان مثل هذه الهجمات تحتاج الى وقت في التحضير لناحية المراقبة والتخطيط وتأمين الحاجيات اللوجستية، فأقول إن ذلك لا يمنع ان تكون هذه العمليات قد خطط لها قبل اعتقال عبد السلام وان كنا نرجح عدم الترابط لأن عبد السلام بدأت ملاحقته بعد هجمات باريس ومن المستبعد ان يستطيع التخطيط لهكذا هجمات اضافة الى ان خبرة هذه التنظيمات الارهابية تحتم عليها عدم العمل بشكل شبكات كبيرة.

3- إن بروكسل باتت تشكل معقلا اساسيا لهذه الجماعات ليس بسبب وقوعها، بل لأن هجمات باريس انطلق منفذوها من بلجيكا أيضًا، ومن استطاع الفرار قد اتخذ بلجيكا وجهة له ايضا ومنهم صلاح عبد السلام نفسه.


4- إن هذه الهجمات جاءت في ذروة الاستنفار الامني الاوروبي، لا سيما اجهزة مكافحة الارهاب، وهذا يعني ان ثمة ثغرات كبيرة في العمل الامني الاوروبي خاصة في المعلومات عن هذه الشبكات الارهابية واهدافها وعملها. ما يحتم اعادة النظر واعادة تقييم الاجراءات الامنية وتحديد موارد التهديد والطبقات التي ينبغي مراقبتها.


5- إن الهجمات لم تعد تنفذ ضمن اطار ما يصطلح عليه اسم الذئاب المنفردة بل تعدته الى العمل ضمن شبكات وان كانت صغيرة لكنها قادرة على شن هجمات متزامنة وفي مواقع متعددة وهذا من شأنه أن يرفع من درجة التهديد.
6- تأتي هذه الهجمات قبل اقل من ثلاثة اشهر على موعد انطلاق بطولة كأس الامم الاوروبية بكرة القدم، والتي ستقام في فرنسا من العاشر من حزيران/ يونيو الى العاشر من تموز/ يوليو المقبلين، ما يضع على السلطات الأمنية الأوروبية اعباء امنية كبيرة ربما تؤدي الى تعطيل بعض المباريات اذا ما وقعت تهديدات جدية خلال البطولة، هذا ما لم تتصاعد التهديدات بحيث تؤدي الى إلغائها.


7- تأتي هذه الهجمات في وقت تسعى فيه المملكة السعودية لصرف الأنظار عن موطن الارهاب الاصلي مع انجرار بعض الدول الاوروبية خلف هذه الرغبات السعودية طمعًا بصفقات اقتصادية غالبا ما تأتي على حساب أمن المواطن الاوروبي. على ان مساعي المملكة بمساعدة بعض الدول الاوروبية بحرف الارهاب عن مصادره ومنابته ومواطنه وداعميه الحقيقيين سوف يفضي بلا شك الى تمكن هذا الارهاب من الضرب من جديد مع توسع دائرة عمله واستقطابه.


8-  إن هذه الاعمال تأتي كنتائج للسياسات الامنية الاوروبية في التعاطي مع ازمات المنطقة لا سيما الازمة السورية والازمة الليبية. وان هذه السياسات لا تزال تتسم بالكيدية رغم انقلابها على الامن الاوروبي نفسه.


9-  ان السياسات الاوروبية لا تزال دون الحد الادنى المطلوب في التعامل مع الفكر الوهابي الحاكم رسميا في المملكة السعودية والمنتشر في المراكز الاسلامية الاوروبية الكبرى بفضل الدعم المالي السعودي الهائل له، ولم يرقَ التعامل الاوروبي معه الى المستوى المطلوب، على الاقل لناحية تجريمه وتصنيفه كفكر منتج للإرهاب، وبالتالي منع التداول بالكتب الرئيسية التي تغذي هذا الفكر ككتب ابن تيميه وغيره.


10-  مكابرة الدول الاوروبية في مد يد التعاون الى الجهات الاكثر محاربة للإرهاب والتي تمتلك خبرة عملية في محاربته وتمتلك خزان من المعلومات عنه وعن اساليب عمله كروسيا وايران وسوريا والعراق وحزب الله.
وعلى اي حال، فان اوروبا ما لم تتخذ اجراءات اكثر فاعلية تجاه هذا الارهاب وحاضنيه وداعميه ومنتجيه، فانه من المرجح ان تزداد هذه الهجمات شراسة وايذاء وعنفا وتوسعا.
المصدر: موقع "العهد" الالكتروني