2024-11-27 05:56 م

السعودية: حكاية إفلاس مالي وسياسي غير معلن!!

2016-03-17
جمال محمد تقي
أعلن صندوق النقد الدولي بأن استمرار العجز في ميزانيات دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، سيؤدي إلى تآكل أغلب احتياطياتها النقدية. فالاحتياطي النقدي السعودي والبالغ الآن حوالي 654 مليار دولار، سيتبخر خلال خمس سنوات إذا استمر الحال على ما هو عليه، أي على فرض استقرار معدل سعر برميل النفط على 50 دولاراً، وبقاء معدلات الإنتاج بدرجاتها المرتفعة البالغة حوالي 5. 10 مليون برميل يومياً. وجاء هذا الإعلان ضمن التقرير الدوري لصندوق النقد الدولي حول مؤشرات الاقتصاد العالمي ومعوقات النمو، وتضمن بعض المعالجات الممكنة لتجاوز تلك النتائج الكارثية على اقتصاديات الدول الريعية عموماً، وخاصة السعودية، كونها أكبر دولة ريعية مؤثرة على عموم أسواق الطاقة العالمية استهلاكاً وإنتاجاً وبالتالي نمواً وتسعيراً كاملاً.

عجز متصاعد
وعلى الرغم من كل البذخ الملَكي والإسراف والإهدار المليوني لمعشر الأمراء والأميرات وخاصتهم، وبرغم كل العطايا والهبات السخية لشراء المواقف وانتزاع الولاءات من المنظمات الإقليمية والدولية، الصديقة والشقيقة، وكذلك وسائل الإعلام والشخصيات المؤثرة، وبرغم كل مسكنات مكافحة العوز والفقر داخل المملكة، فإنّ آخر موازنة سنوية في عهد الملك عبد الله (2014) تُبين تساوي الإيرادات مع النفقات. ومع حساب فائض ميزانية عام 2013، فإنّ مجموع تقدير الإيرادات قد بلغ وقتها حوالي 246 مليار دولار، أما إجمالي متوقع النفقات بنوعيها التشغيلي والاستثماري فبلغت حدود 218 مليار دولار. وحينها بعث الملك برسالة إلى مجلس الوزراء يحثهم فيها على إقرارها قائلاً بأنها تخدم الدين والوطن والشعب وكل من يطلب يد العون. وبعد مرور شهرين من تولي الملك سلمان للحكم (آذار/ مارس 2015)، انقلبت الأرقام. ليس فقط أرقام أسعار النفط التي بلغت مستويات تصل لأقل من نصف أسعاره السابقة، وانقلبت أيضا أرقام التسلّح وأرقام تمويل التدخلات السعودية غير المعلَنة في سوريا ولبنان والمعلنة في اليمن، حتى توالت أرقام العجز لتصل في عام 2015 لحدود 98 مليار دولار، لأن مجموع الإيرادات للعام نفسه كانت بحدود 168 مليار دولار، أما الإنفاق فبلغ 260 مليار دولار. وسيتضخم العجز بعشرة مليارات أخرى إذا استمرت حالة التورط الحربي المباشر وغير المباشر، إضافة لحالة البذخ الفاحش في تبديد الثروة في وقت تزداد فيه نسب البطالة والفقر بين فئات واسعة من مواطني المملكة!

الأمير الصغير ملك غير متوج
الأمير محمد بن سلمان من مواليد 1985، عيّنه والده الملك سلمان ولي ولي العهد بعد أن أزاح ولي العهد الأول الأمير مقرن بن عبد العزيز (وهو يمنيّ الأم) وجعل من الأمير محمد بن نايف وليّاً أول للعهد، وكل هذا مقدمة منه أولاً لحسم التنافس بين أجنحة العائلة المالكة لصالح جناح السديريين الذي ينحدر منه الملك سلمان وابن أخيه وولي عهده الأمير محمد بن نايف ومن ثم ابنه كولي ثانٍ للعهد، وثانياً لتهيئة الظروف ليكون ابنه ربما الملك القادم حتى ولو على حساب ولي العهد الأول الأمير محمد بن نايف. وعليه نجد أغلب قرارات الملك سلمان التوظيفية تصب مباشرة بهذا الاتجاه، فحصر بيد ابنه أهم الصلاحيات والمناصب، بينما لا يتمتع بخبرات سابقة وهناك من الأمراء من هو أجدر منه خبرة ودراية وتحصيلاً علمياً: وزير الدفاع، نائب ثان لرئيس الوزراء، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس المجلس الأعلى لشركة الزيت العربية السعودية المسؤولة عن أرامكو وتوابعها، وهو عملياً المشرف الأعلى على صندوق الاستثمارات العامة.. لقد سيطر الأمير محمد بن سلمان عملياً على القوة والمال، فمن يتولى وزارة الدفاع يكون ملكاً لأنه سيجعل ولاء الوزارة له، وبالتالي القوة الضاربة بيده إلى جانب الدجاجة التي تبيض ذهباً، على حد قول أحمد زكي يماني وزير النفط الأسبق، أي حرية التصرف بالريع النفطي ومشتقاته، خاصة وأن أرامكو لا تخضع لإشراف وزارة المالية ولا وزارة البترول والمعادن، وإنما هي مؤسسة شبه مستقلة، لا رقابة مباشرة على مردودات ريعها.. والأمير نفسه يرأس أهم مجلس جامع لكل هذه التشكيلات وبشخصه فقط يتم الربط بينها أو تشبيكها: مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية والذي تتبع له وزارات البترول والمالية والتخطيط، إضافة إلى مؤسسة النقد العربي السعودي، وصندوق الاستثمارات العامة المشرف أساسا على تمويل المشاريع الكبرى والإستراتيجية في المملكة، كمد الأنابيب ومعامل البتروكيمياويات والمدن الصناعية والموانئ النفطية ومشاريع توسعة الحرمين الشريفين.. أي أنه يملك أن يمول حروباً من ريوع غير مرئية، وهو لوحده من يملك حق البتّ بصرفها، وهكذا بالنسبة للعمولات التسليحية أو الإنشائية. وليس بمستغرَب أن يكون الأمير بعد سنتين أو ثلاث أغنى أغنياء العالم، وإن دخلت المملكة بجلالة قدرها مرحلة الإفلاس غير المعلن!

من أخوات أرامكو: البنك المركزي السعودي
أرامكو هي دولة داخل دولة، وهي أهم مركز فعلي لصنع القرار في السعودية. من خلال أرامكو يتم وضع السياسات النفطية واستثماراتها الداخلية والخارجية، وهي عبارة عن مجموعة شركات أخطبوطية يجمعها بقاء الحال على ما هو عليه في المملكة لأنه مثالي لجني الأرباح الفلكية والتحكم بالسيولة النقدية والنفطية، ويسعى لاستبقاء التسيد الدولاري عالمياً بكفالة النفط السعودي. ليست أرامكو مختصة فقط بالاستثمارات النفطية والغازية، التي لا تعطى الأفضلية فيها إلّا للشركات الأمريكية مثلما حصل مع شركة ستاندر أويل أوف كاليفورنيا، والتي تستثمر بحدود 8.5 مليار دولار بحقول الغاز المصاحب. فهناك مشاريع إنشائية كبرى، وهناك 20 في المئة من المستوردات المدنية أمريكية الصنع، وهناك ما يزيد عن 250 شركة أمريكية تتقاسم العقود في معظم المجالات الحيوية، كالدفاع والكهرباء والبترول والحديد والبتروكيمياويات.
عام 1952 تم إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما ــ «البنك المركزي السعودي») في عهد الملك عبد العزيز مؤسس المملكة القائمة حالياً، وبأمر منه، بعد أن اطلع على نصائح وإرشادات ومشورة القائمين على بيع النفط وطرق تسديد حصة المملكة من ريعه. جرى تبنّي فكرة البنك السعودي. وكان يغلب على هذا التطور الاستشاري تكامل فكرة تسييد طابع البترودولار كمعادل مضمون يلبي كل الاحتياجات التبادلية والاستعمالية، وإن كان الريال هو النقد المحلي الرسمي فلا ضير ما دام النفط لا يباع للمستهلكين على اختلاف عملاتهم إلّا بالدولار. وعليه تم احتواء ميول الملك عبد العزيز الراغبة بالعملات التي تحمل قيمها بذاتها، أي العملات الذهبية والفضية، لأن الناس في المملكة تعودوا على المسكوكات وهي لا تبور وغير معرضة للتلف كالأوراق النقدية.. وكانت فكرة الريال الورقي وعشرية تقسيماته التي تحمل صورة الملك ومسكوكاته المعدنية التي ستوحد التعاملات التجارية داخل المملكة وتركز هيبة الدولة وملكها بين الرعية، مقنعة، خاصة وأن فترة الخمسينيات شهدت تمايزاً وتباهياً بشعارات ورسوم الدول المحيطة والمنعكسة في عملاتها المحلية، فالدينار العراقي حل محل الليرة العثمانية والجنيه الاسترليني والليرة السورية وكذلك الجنيه المصري.. وهكذا بدأت السعودية مشوارها مع العملة المحلية الموحدة التي تحمل صور الملك المؤسس. أول محافظ لمؤسسة النقد العربي السعودي هو جورج بلوارز، وهو مهني اقتصادي أمريكي الجنسية استمر بمنصبه حتى عام 1954، حيث تولى المنصب موظف أمريكي آخر (رالف ستاندش) وكان نائبا للأول، واستمر بمنصبه كمحافظ لـ «ساما» حتى عام 1958. وفي 1974 عين عبد العزيز القريشي كأول سعودي لمنصب محافظ البنك المركزي السعودي.
لا بيع سندات «ساما» بمقدار 15 مليار دولار ستكفي، ولا السحب الشهري لعشرات المليارات من دولارات الاحتياطي النقدي ستكفي، ولا بيع المطارات وخصخصتها يكفي، ولا رفع الدعم الحكومي عن أسعار الكهرباء والبنزين، ولا فرض ضرائب دخل على الأفراد.. لان متطلبات الإنفاق الفاسد لا تنتهي إلا بانتهاء العمر الافتراضي للقائمين عليه.

باحث من العراق مختض بشؤون الخليج العربي