"الدولة" و"القبائل" مفهومان لمصاديق غير متجانسة في البنية والتركيب والأدوات والهدف ، ما يجعل المواءمة بينهما ضربٌ من محال ، رغم إعتراف الفلاسفة بإن الإمكان أوسع العوالم ، لكن الإمكان برحابته ووسعته لم يتمكن من حل عقدة القبائل الواقعة على خط ديوراند الفاصل بين باكستان وأفغانستان ، ليثبت لنا ذلك مجدداً كحقيقة صارخة أمام كل تلك المقولات "المتنورة" بنور "العم سام" الرافضة لفكرة المؤامرة ، أن كيد المحتل والمستعمر أوسع بكثير من عالم الإمكان نفسه ، الذي ما يزال قابعاً في عجز الجمع بين ثنائيات "فقه المستعمر السياسي" ، كما في حالتنا بين " الدولة " و" القبائل ".
لا نبالغ إذا قلنا إن منطقة القبائل الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، استعصت على أعتى جيوش العالم، فتلك البقعة جثت جيوش المغول على ركبتيها أمام عناد جغرافيتها وشراسة قاطنيها مرتين، وخسرت نحو 20 الف مقاتل خلال محاولة المغول إخضاع منطقة القبائل للسيطرة المغولية .
كذلك بريطانيا - العظمى بإستعمارها طبعاً - قبل إنسحابها من جنوب آسيا خسرت ما يزيد عن 15 الفاً من جنودها وضباطها في هذه المنطقة التي أعلنت قبائلها تفضيلها الإنضمام سنة 1947 لباكستان الناشئة حديثاً بدلاً من الهند ، لتفتح بذلك منطقة القبائل فصلاً جديداً من فصول تمردها على كيان لا تستسيغه القبائل إسمه " الدولة " .
وقد جاءت خطة دعم ما يُسمى "بمجاهدي أفغانستان" الذين اتخذوا من القبائل قاعدة لهم إستكمالاً لعملية رسم خط ديوراند الفاصل بين باكستان وأفغانستان بسبعة مناطق أساسية أبرزها: شمال وزيرستان ،جنوب وزيرستان، اوركزي، كرم ايجنسي .
وتُطلق الحكومة الباكستانية على مناطق القبائل تسمية "FATA" أي "الإدارة الفيدرالية لمناطق القبائل"، وبالتالي فهي ليست إلا إدارة ، فلا هي تابعة لإقليم بختون خواه حتى تخضع لبرلمانه ومؤسساته ، ولا هي إقليم مستقل منفصل لديه مؤسساته وإدارته المسؤولة عنه، وهذا حسب المراقبين، الغلطة الأكبر للقيادة الباكستانية في هذه المنطقة ، فهي من جهة ، لم تسو أمور القبائل وتركتها على حالها كما كانت خلال الإحتلال الإنكليزي ، ومن جهة أخرى ، دفعوا القبائل للتدحرج في لعبة ما يسمى بجهاد أفغانستان فطالبان باكستان ، وهي لعبة أكبر من منطقة القبائل بل ومن باكستان وأفغانستان أيضاً .
يرى خبراء، أن باكستان ساهمت من حيث تشعر أو لا، بخدمة المخططات الإستعمارية في هذه المنطقة من خلال :
1-إهمال منطقة القبائل خدماتياً .
2-عدم تسوية أمور المنطقة إدارياً وسياسياً .
3-تقوية القبائل المتطرفة كقبيلة محسود ووزير .
4-ترك منطقة القبائل لمصيرها المُخطط له من قبل دول الإستعمار الكبرى .
5-تحويل منطقة القبائل لورقة ضغط وإبتزاز مع الأمريكي .
6-السماح للنفوذ الطالباني بالتصاعد .
في الخلاصة، يُخشى من أن تضطر باكستان لتقديم تنازلات كبيرة وجسيمة لحركة طالبان باكستان قد تدفع ثمنها غالياً في المستقبل ، فمن المتوقع عودة محتملة قوية لطالبان أفغانستان ؛ ولذا فمن الممكن إرضاء طالبان بالسماح لها بتطبيق الشريعة في الإقليم، أو بتقديم تنازلات ترضيها إلى حين دمجها بالنظام السياسي الجديد في المستقبل، وإن غداً لناظره قريب.
المصدر / العهد الاخباري