كتب سمير الفزاع
في عاصمة "الضباب" المناخي، والدهاء الاستعماري، والبرود العاطفي، لندن، وبالتصريحات المنسوبة لوزير الخارجية الأمريكي كيري في 6/2/2016، والمسربة من شخصيات "سورية معارضة" بدأت الصدمة السياسية تمهيداً للإنعطافة الكبرى: سيتم اقتلاع المعارضة السورية خلال ثلاثة أشهر... علينا توقع ثلاثة أشهر من الجحيم... وأضاف كيري بالحرف الواحد: لا تلوموني... اذهبوا ولوموا المعارضة... إن المعارضة لم ترغب في التفاوض، ولم ترغب في وقف إطلاق النار، وأدارت ظهرها وانسحبت... ماذا تريدان مني أن أفعل؟ أن أخوض حربا ضد روسيا؟! هل هذا ما تريدانه مني؟". لقد سقط مؤتمر جنيف -2/2/2016- وكل الجهد الذي بذله والخطط التي أعدها حلف الحرب على سورية لأخذ المؤتمر إلى حيث أرادوا، بضربة بارعة وقاضية بفك الحصار عن نبل والزهراء، وإتمام بناء رؤوس الجسور الثلاثة لإتمام معركة وسط وشمال سورية (نبل والزهراء،كويرس،كنسبه) من جهة، وإغلاق الحدود بوجه اردوغان لتبدأ رحلة تحول جنون العظمة إلى هستيريا البقاء، وأحلام الإمبراطورية إلى كوابيس الحفاظ على خريطة صارت تغص بالألغام... ومن جهة ثالثة، وضع المحرك الرئيسي لإستراتيجية الغزو، أمريكا، أمام خيار الحرب العالمية أو الانخراط في تفاهمات: تحفظ ماء الوجه، وتحقق بعض المكاسب، وتحد من أثر الانهيار على ساحات أخرى مهددة في الصميم يقف في مقدمتها: الكيان الصهيوني ومملكة آل سعود.
منذ أيام، ظهرت وثيقة روسية-أمريكية، تدعوا إلى وقف العمليات القتالية في سورية... كيف "افهمها"، وما هي أهم دلالاتها؟:
* معادلة نهاية العالم:
إلى جانب التحذيرات هنري كيسنجر وزبينغو بريجنسكي المتكررة عقب التدخل الروسي في 30/9/2015، من حادث عرضي أو خطأ في الحساب، قد يأخذ العالم إلى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر... جاء التحرك الميداني المدروس والخطير لمعسكر سورية وحلفائها، ليضع "العالم" وجهاً لوجه أمام هذا التحذير: إما التسليم بإنهيار المشروع الغربي للقرن الواحد والعشرين –الربيع العربي- لإعادة الإمساك بالمنطقة بإنتاج هياكل جيوسياسية وديموغرافية "جديدة" تتيح تسيّد واشنطن لهذا القرن، وحسم الصراع الحقيقي في منطقتنا مع الكيان الصهيوني؛ بل وفتح صراعات "مضبوطة" بين مخرجات هذه الهياكل بعضها البعض –طائفية،مذهبية،عرقية...- وبينها وبين بعض دول الإقليم والعالم، مثل إيران وروسيا والصين... أو الذهاب إلى مواجهة عسكرية يصعب التنبؤ بميدانها وأطرافها ونتائجها... وهذه الخلاصة تؤكدها عدة تصريحات "قاطعة" تدفقت في الأيام الأخيرة، منها:
15/02/2016، في كلمة له أمام مجلس نقابة المحامين، قال الرئيس بشار حافظ الأسد: الحقيقة عندما نناقش إذا كانت "تركيا" أو "السعودية" ستهاجم، فهذا يعني أننا نعطيهما حجماً كبيراً، وكأنهما دولتان تمتلكان قراراً وتمتلكان إرادة وتستطيعان أن تغيّرا الخريطة... هما مجرد تابعَين منفّذين. حالياً، تقومان بدور "البوق" بهدف الابتزاز... لو كان مسموحاً لهم لبدأوه منذ زمن طويل، على الأقل منذ أشهر... فإذاً علينا أن ننظر للسيد، لسيّد هؤلاء... إذا كانت هناك رغبة في الدخول في مثل هذه الحرب بين القوى الكبرى أم لا، وليس بين قوى هامشية لم يكن لها دور سوى تنفيذ أجندة الأسياد.
6/02/2016 - وزير الخارجية السوري وليد المعلم يقول في مؤتمر صحفي من دمشق اليوم السبت إن كل من يعتدي على سوريا سواء كان سعودياً أم تركياً سيعاد في صناديق خشبية... إن أي تدخل من السعودية في سورية يعني "إعادة جنودها إلى بلادهم في توابيت".
14/2/2016، دميتري مدفيديف رئيس الوزراء الروسي، يقول: "لا أحد يريد حربا جديدة، لكن التدخل العسكري البري لن يسفر إلا عن حرب حقيقية طويلة الأمد".
16/02/2016، الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى القادة الشهداء قال: أتريدون أن أقولها أنا من الآخر؟ إذا جاؤوا "منيح" وإذا لم يأتوا "منيح"، لا يوجد مشكلة... في حال لم يأتوا، إن شاء الله "تخلص قصة سورية" ولكن بحاجة إلى الوقت، وفي حال أتوا، إن شاء الله "تخلص قصة المنطقة كلها" ولكن بحاجة إلى الوقت... .
2016-02-20 في مقابلة مع صحيفة "البايس" الإسبانية، ورداً على سؤال عن مزاعم التدخل البري، قال الأسد: "كما قلت.. فإن ذلك مجرد زعم. لكن إذا حدث ذلك، فإننا سنتعامل معهم كما نتعامل مع الإرهابيين. سندافع عن بلدنا. هذا عدوان. إنهم لا يملكون أي حق للتدخل في سورية سياسياً ولا عسكرياً. هذا انتهاك للقانون الدولي… وبالنسبة لنا كمواطنين سوريين فإن خيارنا الوحيد هو أن نقاتل وأن ندافع عن بلدنا".
تلك هي المعادلة الأساسية في الحرب على سورية؛ أي عدوان خارجي سيجابه بحرب كبرى، قد تفضي إلى نهاية العالم... وكل ما تبقى من "مفاهيم ومصطلحات" –فدرالية،حكم ذاتي موسع...- أو خطط تحت أي مسمى –ب أو ي- محض خداع وتضليل وتشويه وحرب إشاعات... لا تسمعوا لها، وتكفي نظرة متأنية واحدة لكلام السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة قبل أيام، مربوط بما قاله وأوردته في هذا المقال، لنعرف أن سورية وحلفائها باتوا على بعد خطوة من نقل الحرب إلى خلف الحدود... إلى عقر "دارهم" وعلى مرمى حجر من عروشهم.
نتائج وقف العمليات القتالية:
منذ عملت سورية وحلفائها على إغلاق الحدود مع تركيا و الأردن بأقصى سرعة ممكنة ولأبعد مدى يمكن بلوغه، تمهيدا لقطع شرايين حياة الجماعات الإرهابية: فأغلق ريف اللاذقية الشمالي، وتقدم الجيش حتى الباب ليحاصر خلفه داعش في الجزيرة، وذهب إلى نبل و الزهراء ليحاصر ما يمكن أن يعتبروه "معارضة معتدلة" في حلب ليكمل إغلاق الحدود مع تركيا... كما نجحوا بتقطيع أوصال أدوات الغزو الإرهابي داخل سورية بعزلها عن بعضها البعض، وتحويلها إلى جزر متباعدة يائسة تقع تحت الضغط الدائم، كما في داريا والمعضمية وداعل الرستن وتلبيسة... لإجبارها على لفظ الإرهابيين، والعودة إلى حياض الدولة... ما يخدم أهداف كبرى عدة يقف على رأسها، تهيئة الميدان لمعارك إستراتيجية مع داعش والنصرة في الكثير من المواقع، الباب والرقة تدمر القريتين ادلب... وهذا ما دفع كيري لقول ما قاله عن سحق "المعارضة" وإستجداء وقف العمليات القتالية. وما كانت سورية لتقبل هذا الإعلان لولا تحقيقه جملة من الأهداف السياسية والميدانية دفعة واحدة، منها:
1- تسخير جهد ميداني معتبر وقادر على خوض معارك حاسمة ضد داعش و النصرة تسحق فيها عتادها وعديدها وتطهر الأرض من دنسها.
2- القضاء على القوة الحقيقية لأدوات الغزو الإرهابية، داعش والنصرة، ما يجعل مشروع الغزو عنوان بلا "عضلات" و"أسنان".
3- خلق شرخ لا يمكن رابه بين داعش والنصرة وبقية الجماعات الإرهابية... وهذا الامر بات اوضح من التدليل عليه.
4- قال الرئيس بشار حافظ الأسد: لن نحاور الإرهابيين وكل من يحمل السلاح بوجه الجيش إرهابي... أُنجز الطلب السوري، إنما بالنار وليس بالمفاوضات أو عبر اللائحة التي كلف الأردن انجازها... وهكذا كل جماعة لا تعلن التزامها بوقف العمليات العدائية ستصنف إرهابية وفق البيان الروسي-الأمريكي وقرار مجلس الأمن الأخير.
5- خلق لغم سياسي-امني وعسكري داخل هذه الجماعات الإرهابية قاطبة عنوانه "المقاتلون الاجانب" حيث أصبح هؤلاء ورفاق "الأمس" أمام خيارات ضيقة للغاية.
6- دخل خلال الأيام الماضية أكثر من مئة فصيل مسلح حالة وقف العمليات القتالية، وهذا يعني تحولها –مبدئياً- من جماعات تقاتل ضد الدولة إلى قوى "معتدلة" مجبرة على اخذ احد موقفين: إما تسليم السلاح وتسوية أوضاع عناصرها أو الانخراط مع الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب... .
7- "يقول" بعض اعدائنا، أن الجيش العربي السوري وحلفائه إستفادوا من وقف العمليات القتالية بشكل قياسي، لقد نجحوا بتفكيك بيئات حاضنة، وزرع عيون وآذان في صفوف الجماعات الإرهابية... كما نجحوا بإقناع العالم أن هناك جماعات ارهابية ترفض التسوية السياسية مدعومة بشكل علني تركياً وسعودياً... كما استغل الفترة الهدوء بصيانة آلياته المدرعة، وتحصين وتذخير مواقعه... ورسم لوحة استخبارية غاية في الدقة لمجمل قدرات ونشاط هذه الجماعات... .
* كلمة أخيرة:
وقف العمليات القتالية جاء رغماً عنهم، ونحن من يستفيد منه إلى ابعد الحدود... همروجة الفدرالية التي أُلحقت زورا بسيرغي ريابكوف، ظهرت منذ اللحظة الأولى للحرب على سورية، ولمن نسي أذكره بجمهورية درعا العربية... ولمن يستل سيفها اليوم: تجاوزك الصراع وحقائق الميدان... الحرب وإن كان غبارها في دمشق الشام إلا أن أوارها يشتد خلف الحدود... والفدرالية التي يدور الحديث عنها –من ناحيتنا على الأقل- تضم الشقيقة بغداد وعواصم بلاد الشام وصولاً إلى مكة المكرمة... ليس جنوناً، الجنون أن لم نفعلها.
كابوسكم قادم... والردّ خلف الحدود!!
2016-03-07