لميس أندوني
عشية زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري لعمان، بعثت واشنطن برسالة «طمأنة» لم ينتبه لها الإعلام الأردني إلا بعد انتهاء المباحثات الأردنية ـ الأميركية، ألا وهي تصديق الرئيس باراك أوباما يوم الخميس الماضي على قرار يضع الأردن ضمن قائمة الحلفاء «الموثوقين»، أي السماح بتزويده بكل المعدات العسكرية اللازمة بسرعة غير متوفرة إلا «للمحظيين» من حلفاء أميركا «لمواجهة تنظيم داعش».
طبيعي، لن يكون الأردن في وضع الحليف الإسرائيلي الاستراتيجي، لا من ناحية قائمة ترسانة الأسلحة المتاحة، ولا من ناحية الدعم المالي أو السياسي. لكن توقيع أوباما على مشروع «قانون التعاون الدفاعي بين أميركا والأردن لعام 2015» يدل على تفاهم بين الحزبين «الديموقراطي» و «الجمهوري»، وبين مؤسسة الرئاسة والكونغرس بشقيه، على الحفاظ على استقرار النظام والبلد نفسها.
تورط عسكري؟
أوساط النظام تلقفت الخبر بارتياح، وسط قلق متنامٍ من موجة جديدة وكبيرة من اللاجئين السوريين وتداعيات معركة الجنوب السوري المحتدمة التي تهتز من قوتها بيوت المدن الأردنية المتاخمة للحدود. لكن «الهدية» الأميركية، وإن بَدت أنها جاءت في وقتها، ملغومة. إذ إنها لا تخلو من خطر زيادة توريط الأردن العسكري في سوريا و/أو العراق، وبما تحمله من ابتزاز واضح بين ثنياها.
بداية يجب الإشارة إلى ان مشروع القانون نفسه، الذي صوّت عليه الكونغرس في تموز الماضي، قام بكتابته أربعة من الأعضاء المتنفذين في «الكابيتول هيل»، أبرزهم عضو «الحزب الجمهوري» السيدة ايلينا روس ليهنيثين، و «الديموقراطي» تيد دويتش، وهما من أكثر صهاينة الكونغرس تشدداً، وكان لهما «الفضل» في صياغة وتمرير قانون الشراكة الأميركية ـ الإسرائيلية الاستراتيجية في العام 2014، إضافة الى سجل غني لكل منهما على حدة في دعم إسرائيل ومناهضة الحقوق الفلسطينية وتجريم المقاومة خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، باستصدار قرار يدين «استعمال حماس الفلسطينيين كدروع بشرية».
لذا، فإن القانون الجديد لا يخرج عن توجه أميركي - صهيوني دائم ومتجدد في ابتزاز الأردن، وهو الذي يترجم الى سياسة أميركية رسمية في أغلب الأحيان. هذا الابتزاز قائم على نجاح هذا اللوبي من أعضاء في الكونغرس و «باحثي» «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، المرحب بهم دائماً في الأوساط الرسمية والنخبوية الأردنية، تأكيد أن استقرار النظام يعتمد على رضاهم، خاصة أن «خبراء معهد واشنطن» هم المرجــــعية المعتمدة بشكل رسمي وغير رســــمي لدى الإدارة الأميركــية ولجان الكونغرس والإعلام الأميركي على السواء.
بداية، يجب توضيح جزء مهم من خلفية القانون الجديد تمهيداً لفهم الثمن المتوقع والمحتمل لمثل هذه الهدية، والتي سبقتها قبل أشهر تصريحات لمرشحة الرئاسة هيلاري كلينتون تحمل تشكيكاً باستمرار «استقرار الأردن» في وجه تحديات الأزمة في سوريا، ومقالة للكاتب دايفيد شينكر «المختص بالشؤون الأردنية» في أكثر المعاقل تأثيراً في أميركا، أي «معهد واشنطن»، يقول فيه «إن الدعم الأمني على أهميته قد لا يكون كافياً للحفاظ على الحليف الأكثر ثقة لدى واشنطن (الأردن) من دون توفير تقديم الدعم المالي».
الاستقرار المشروط
المشكلة في المقولتين هي ما لم يُكشف عنه علانية، أي أن استقرار الأردن مشروط بالدعم الأميركي، وأن لذلك استحقاقات ترتبط بالدرجة الأولى بحماية إسرائيل، وهي الأولية المعلنة لكل من السيدة كلينتون و «معهد واشنطن». بالتالي فإن ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية عن «اقتراح» إسرائيلي قاض بتشكيل لجنة تنسيق رسمية للعمليات في سوريا تشمل الأردن إسرائيل ودولاً عربية أخرى، يعتبر مؤشراً على الضغوط التي تمارس على الأردن إيفاءً لاستحقاقات القانون الجديد.
لا يوجد شك أن المخاوف الأردنية من التطورات في سوريا حقيقية، ليس فقط نتيجة لقرار النظام باستضافة مركز قيادات العمليات العسكرية، وتدريب مقاتلي «الجيش السوري الحر» المعارض، وفشل عملية «الجبهة الجنوبية» وأخيراً نجاح قوات النظام السوري بدعم روسي باستعادة الشيخ مسكين من سيطرة فصائل معارضة، لكن أيضاً بحكم موقعه الجغرافي الذي يجعله منفذاً مباشراً للهاربين واللاجئين من ويلات الحرب والقتل.
بلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن وفقاً للإحصاء السكاني الجديد 1.280.000 شاملاً السوريين اللاجئين إضافة الى المتواجدين في الأردن قبل الأزمة، فيما ينتظر حوالي 20000 سوري على الحدود إذناً بالدخول. لكن قلق الأردن يتعدى مسؤولية اللاجئين الى حقيقة أن المعارك في درعا قد تؤدي الى موجة نزوح كبيرة وسريعة، وإلى مخاوف أمنية من أن تستغل ذلك «داعش» وتنظيمات أخرى تخشاها الدولة مثل «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وغيرها للانتقال الى الأردن.
يضاف إلى ما سبق أن العلاقة بين الأردن والفصائل السورية المسلحة أصبحت أكثر تعقيداً بعد دخول روسيا الرسمي في العمليات الحربية، وبدء التنسيق الأردني معها، ولو بحدود دنيا لحماية حدوده. إذ إن بعض الأوساط في هذه الفصائل فضلاً عن مصادر في المعارضة تلوم الأردن على سقوط الشيخ مسكين، متهمة إياه بسحب الدعم أو عدم توفير ما أمكن منه لأطراف كانت تعتمد عليه في السابق.
قلق في الأردن
الأردن أصبح أكثر حذراً بعد إلغاء أو على الأقل تجميد نشاطات «الموك»، ودخول موسكو على الخطين العسكري والسياسي بقوة، واتجاه واشنطن الى تسوية سياسية. إذ أصبح بحاجة الى خط اتصالات خاص، على خلفية وجود قلق رسمي أيضاً من وصول «حزب الله» وقوات «الحرس الثوري» الإيرانية المـقاتلة إلى جانب الجيش السوري على مقربة من حدود البلاد، وإلى تواجد لهذه القوى على طاولات المفاوضات الأميركية ـ الروسية.
لكن قد يضطر الأردن إلى التخلي عن تلكئه من اتخاذ قرار وسط تهديدات سعودية بالدخول في حرب برية في سوريا، والحديث عن ضغوط عربية وغربية للمشاركة العسكرية الأردنية في عمليات في سوريا والعراق تحت شعار مواجهة «داعش»، ما يطرح تساؤلات كبيرة عن شروط معاهدة الدفاع الأميركية ـ الأردنية الجديدة التي استدعت تعديل قانون تصدير السلاح ليشمل الأردن في قائمة الحلفاء «الموثوقين»، وهو ما يسمح بتسريع عملية تصدير السلاح إليه للدفاع عن نفسه وقتال «داعش».
أجواء القلق في الأردن، وحالة الذعر في المدن الحدودية الشمالية خصوصاً بعد مقتل الشاب الأردني عبد المنعم الحوراني نتيجة سقوط إحدى القذائف وسط سوق الرمثا خلال شهر رمضان الماضي، تعني أن النظام يستطيع كسب تأييد معظم الأردنيين بخصوص أي إجراء دفاعي للحفاظ على أمن واستقرار بلادهم. لكن تبقى أسئلة عديدة برسم الإجابة: ما هي شروط المعاهدة الجديدة مع أميركا؟ وهل تشمل دخول الأردن في حرب برية في العراق أو سوريا؟ ومن يحدد هوية العدو الذي يشكل خطراً على الأردن؟ كل هذه الأسئلة تستوجب التمحيص ومحاولة الإجابة. فالأحداث في تسارع، خاصة إذا كان رعاة المعاهدة الجديدة في الكونغرس يمينيون متحالفون مع إسرائيل يرون ان هدف حماية أمن الدولة العبرية يمثل أولية قصوى، ويعّد جزءاً لا يتجزأ من حماية الأمن القومي الأميركي.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية