جوزيت ابي تامر
تحوّل مشروع صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية «فنانون على الصفحة الأولى»، من مزاد علني يعود ريعه إلى منظمة «مراسلون بلا حدود» بهدف الدفاع عن حرية التعبير حول العالم، إلى مناسبة لقمع تلك الحريّة. دعت الصحيفة الفرنسية مجموعة من الفنانين بينهم اللبنانيان جوانا حاجي توما وخليل جريج، لإجراء تعديلات فنية على عدد من صفحات «ليبراسيون» الأولى، وعيّنت موعد المزاد العلني في السابع والعشرين من الشهر الحالي، في غاليري «آر كوريال Artcurial « في العاصمة الفرنسية.
لكنّ السفارة الإسرائيليّة في فرنسا، انزعجت من إضافات الفنان الفرنسي إرنست بينيون إرنست على الصفحة الأولى لـ «ليبراسيون» المنشورة يوم دفن ياسر عرفات في العام 2004. في الصفحة الأولى الأصليّة، كوفية فلسطينيّة، بجانبها عنوان «والآن؟». في تعديلاته، أضاف بينيون إرنست على الغلاف رسمًا بالفحم للأسير الفلسطيني مروان البرغوثي مقيّد اليدين، مرفقاً بعبارة «عندما رسمت مانديلا في العام 1980، قيل لي إنّه إرهابي».
السفارة المستفزّة من تشبيه البرغوثي بمناديلا، سارعت عبر بريد إلكتروني، إلى الطلب من غاليري «آر كوريال»، سحب العمل من المزاد «لأنّه يخلق بلبلة ويلحق الأذى بسمعة إسرائيل (...) ويسوّق لإرهابيّ على أنّه رجل سلام، عبر مقارنته بشخصيّة معروفة عالمياً هي نلسون مانديلا». وتضيف السفارة أنّ «البرغوثي محكوم بالسجن المؤبد في إسرائيل لكونه العقل المدبّر للانتفاضة الثانية، والمسؤول عن موت المئات من اليهود وغير اليهود». إذاً، وبحسب رسالة سفارته في باريس، فإنّ الاحتلال لم يرتكب أيّ جريمة، والعالم يتآمر لتشويه صورته الإنسانية، أمّا مجازره فمبادرات سلام، ومقاومة الشعب الفلسطيني «مشروع إرهابيّ».تمنيّات السفارة الإسرائيلية ترجمت أوامر في العاصمة الفرنسيّة، فأعلن المسؤول عن الغاليري سحب عمل بينيون إرنست من المزاد، بسبب «حال الطوارئ في البلاد واحتمال أن يسبب الأمر اضطرابات في الانتظام العام». وترجمت خطوة المنع الأولى عبر سحب العمل عن الموقع الإلكتروني. وبعد اعتراض صحيفة «ليبراسيون» و «مراسلون بلا حدود» على الخطوة، ألغي المزاد بأكمله، وسحبت كلّ الأعمال عن موقع «آر كوريال».
صاحب العمل إرنست بينيون إرنست (74 عاماً) أكّد لصحيفة «لوموند» أنه لم يكن يبحث عن الاستفزاز: «أعتقد أنّنا لا نتكلّم بشكلٍ كافٍ عن بؤس الشعب الفلسطيني ويأسه، لقد ذهبتُ إلى رام الله ورأيت العنف الذي يتعرّض له الفلسطينيون، ذكّرتني الحال هناك بنظام الأبرتهايد». وعن الجملة التي أضافها على الرسم يقول الفنان: «ما كتبته إلى جانب الرسم صحيح، فعندما رسمت مانديلا في السجن، قالوا لي إنني أرسم إرهابياً، واليوم ليس من المستبعد أن يصبح البرغوثي رئيسًا، كما حدث مع مانديلا».
من جهته، أرسل مدير تحرير «ليبراسيون» لوران جوفران بريداً الكترونياً إلى «آر كوريال» يتمنّى فيه بشّدة عدم سحب العمل من المزاد، خصوصاً أنّ الهدف من الحدث في الأساس، هو دعم حرية التعبير في العالم، و «السير بعكس هذا المبدأ والسماح بالتصرف تحت تأثير سفارة أجنبية، مهما علا شأنها، يعدّ إدانة لمنظّمي المزاد». بعد الإصرار على سحب اللوحة أعلنت «مراسلون بلا حدود» و «ليبراسيون» عن إقامة المزاد في مكانٍ آخر «حفاظاً على مبدأ الحريّة». وقبل إعلان القرار انسحب الفنان كريستيان غيمي، المشارك في المشروع، تضامناً مع بينيون إرنست وقال في حديث لـ «ليبراسيون»: «يصدمني أن تقرّر سفارة أجنبية ما يجب أن نعرضه، وأن تقبل الغاليري بذلك».
السفارة الآمرة هي سفارة «إسرائيل» الكيان العنصري وصاحبة السجلّ الحافل بالجرائم ضدّ الشعب الفلسطيني، والممتثل للأوامر جهة ثقافية في فرنسا، قد تسوّق للحريّة والأخوّة والعدالة في أقطار العالم... لكن يبدو أنّ حرية التعبير قيمة فرنسيّة مقدّسة، إن استثنينا كلّ ما يتعلّق بـ «إسرائيل».
عن صحيفة "السفير" اللبنانية