عبدالله سليمان علي
يبدو أن تنظيم «القاعدة» استشعر أن البساط يُسحب من تحت قدميه، وأنه لن يكون أكثر من كبش فداء يُضحَّى به على مذبح التسويات السياسية، أسوةً بالتجربة الأفغانية، فقرّر بناء على ذلك التصعيد على أكثر من جبهة، في محاولة منه لخلط الأوراق وعرقلة مسار الحلول. فها هو يعلن رفضه لكلٍّ من مخرجات حوار الصخيرات لحل الأزمة الليبية، ونتائج مؤتمر المعارضة السورية في الرياض باعتباره من مقدمات حل الأزمة السورية.
وفي الوقت ذاته، صعّد التنظيم تهديداته ضد السعودية، متوعداً إياها بالرد على إعدام أكثر من 40 من قادته. كما صعّد خطابه ضد جماعات كان يعتبرها حتى وقت قصير نموذجاً ناجحاً للعمل «الجهادي».
وفي تزامن، يرجح أنه محسوب، خرج زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري ورئيس «مجلس الأعيان في قاعدة المغرب» أبو عبيدة العنابي، ليعلنا صراحةً رفضهما للعملية السياسية الجارية في كل من سوريا وليبيا.
لكن الظواهري لم يكتف بكلمته الصوتية، التي حملت عنوان «الشام أمانة في أعناقكم» والتي ضمّنها موقفه من العملية السياسية، بل أصدر كلمة ثانية بعنوان «آل سعود قتلة المجاهدين» دعا فيها السعوديين للثورة ضد نظامهم «المرتد والمتعفن»، وتوعد باستهداف مصالح الدول المنضمة إلى ما اسماه «التحالف الصليبي الصهيوني».
ووصف العنابي، وهو جزائري الجنسية، حوار الصخيرات بخصوص الأزمة الليبية بأنه «مؤامرة» غايتها تسليم ليبيا إلى إيطاليا. ودعا الليبيين إلى رفض الاتفاق، محذراً الغرب من التدخل في ليبيا.
واعتبر، في تسجيل صوتي بعنوان «بين يدي العدوان فالحذر الحذر»، أن «ليبيا اليوم يحكمها جنرال إيطالي»، مشيراً إلى أن الأمر «لا يختلف عن تعيين (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش لحاكم أميركي في العراق بعد سقوط بغداد، وليس أوجب بعد الإسلام سوى طرد هؤلاء الغزاة». وشدد على «أننا لن نرضى بنتائج مؤتمراتكم، ولن نسكت عن مؤامراتكم، ولن تمروا لأهلنا وثرواتنا في ليبيا إلا على أشلائنا، فنحن قوم لا نستسلم، ننتصر أو نموت».
بدوره، حذّر الظواهري «المجاهدين» من «مؤتمر الرياض، وما تبعه من إعلان السعودية عن إنشاء تحالف لمحاربة ما تسميه الإرهاب لخدمة مصالح أميركا». واعتبر أن هاتين الخطوتين ما هما «سوى حلقتين في سلسلة محاولات سعودية لحرف مسار الجهاد عامة، وفي الشام خاصةً عن صراطه المستقيم»، طالباً منهم «أن يحذروا من هذه الحكومة الخبيثة، وألا ينسوا تاريخها الأسود في خدمة أعداء الإسلام». واسترسل الظواهري في الحديث عن العديد من محطات هذا التاريخ، مشدداً على أن «هذا الدور الخبيث ما زالت السعودية تمارسه حتى اليوم ضد الجهاد والمجاهدين».
وأشار الظواهري إلى أن «السعودية تسعى اليوم لإثارة الفتنة بين المجاهدين، وتكرار دورها الخبيث نفسه في أفغانستان، خدمة لمصالح أميركا وحفاظاً على أمن إسرائيل»، ولذا طالب «المجاهدين» بشدة أن «يحذروا من مؤامراتها ومؤتمراتها»، لافتاً إلى أن «أحداً لن يقدم للسعودية وأميركا أكثر مما قدم (الرئيس المصري السابق) محمد مرسي ومع ذلك أطاحوه».
ولا يمكن الفصل بين استياء الظواهري من مساعي الرياض، التي وصفها بالفتنة، وبين تهديده بالرد على إعدامها أكثر من 40 من قادة «القاعدة»، حيث دعا السعوديين إلى التخلص من «نظامهم المرتد والمتعفن»، مشيراً إلى أن «خير ثأر لإخوانكم أن تُنْكوا في مصالح الصليبي الصهيوني، فتتبعوا مصالحه أينما استطعتم، فان أكثر ما يؤلم آل سعود أن يضرب أسيادهم فيبحثوا عن خادم جديد غيرهم».
ومما لا شك فيه أن موقف الظواهري من إعدام قادته كان سيكون أقل حدة من ذلك، لولا تزامنه مع ما يعتبره «دوراً مشبوهاً لآل سعود» في الأزمة السورية، لذلك من الأرجح أنه اتخذ من عملية الإعدامات ذريعة للتصعيد ضد المملكة، بهدف منعها من تكرار التجربة الأفغانية عندما انقلبت على «القاعدة» وحاربته بعد سنوات من التحالف القوي بينهما.
ويأتي تسجيل الظواهري بعد أربعة أيام على توعد التنظيم، في بيان لفرعيه في «جزيرة العرب» و «المغرب الإسلامي»، «بالثأر» لإعدام السعودية في الثاني من كانون الثاني الحالي، 47 مداناً «بالإرهاب»، غالبيتهم من المرتبطين به، حكم عليهم بالضلوع في هجمات بالمملكة قبل أعوام.
وفي استعادة لخطاب «القاعدة» القديم الذي جرى سحبه منذ بدء ما سمي بـ «الربيع العربي»، واستُبدل بخطاب مفتوح يعوم على مصطلحات مرنة وفضفاضة مثل «الإرادة الشعبية» و «الشورى» و «الثورة» وغيرها، في محاولة لجذب الشباب وشرائح المجتمع، كشف الظواهري عن حقيقة مخططه، وأن الغاية في نهاية الأمر هي فرض رؤية «القاعدة» على طبيعة الدولة وهويتها وشكل النظام السياسي في أي دولة يسيطر عليها، ويتمكن منها. فالظواهري في نسخته الأحدث يحذر من عبارات مثل «الدولة المدنية والتعددية وما أشبهها، التي يريد بها العلمانيون معاني محددة تؤدي لنبذ الدين، والاحتكام لأهواء البشر والانسياق وراء قيم اللذة والمنفعة كمرجعية للعالم المعاصر». ويشدد على أن «جهادنا وجهدنا يجب أن يكونا لإقامة الدولة المسلمة، التي تكون الشرعية فيها للشريعة، والتي لا تعترف بالحدود الوطنية ولا الفروق القومية، والتي تؤمن بوحدة ديار الإسلام وأخوة المؤمنين». ولذا، بحسب قوله، «فإن المهاجرين في الشام لا يمكن أن يوصفوا بالأجانب، بل هم إخوة الإيمان والعقيدة، وبالتالي فالحديث عن إخراجهم من الشام هو مخالفة واضحة وصريحة لأحكام الإسلام».
ولا يخفى أن الظواهري لا يخاطب بهذا الكلام «جبهة النصرة»، لأنه يعرف جيداً طبيعة موقف زعيمها أبو محمد الجولاني من «مؤتمر الرياض». ولا شك أن تخوين الجولاني للمشاركين فيه قد طرق مسامعه، كما لا يوجهه إلى فصائل «الجيش الحر» لعلمه أن هذه الفصائل لا تملك من قرارها شيئاً، بل هو يوجه الكلام بشكل خاص إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية» التي تتعرض لضغوط كبيرة من داخلها وخارجها لحسم قرارها حول «مؤتمر الرياض». ويريد الظواهري أن يصل كلامه إلى تيار لا يستهان به داخل الحركة ما زال يرفض المشاركة في أي حل سياسي للأزمة السورية، ويُعتبر أقرب فكرياً إلى تنظيم «القاعدة»، وذلك لتعزيز موقف هذا التيار مقابل موقف «الجناح السياسي» الذي أبدى في السابق العديد من المواقف التي تعارض تحذيرات الظواهري السابقة.
وكان لافتاً تحذير الظواهري من «إغراق الجهاد في مستنقع الدولة الوطنية وتحويله لهبة فاشلة»، لأنه بذلك ينسف كل مراجعات «حركة أحرار الشام» التي تخلت بموجبها عن «السلفية الجهادية» برؤيتها المعولمة واستبدلتها برؤية أقرب إلى رؤية حركة «طالبان».
وختم الظواهري بتحذير ضاعت فيه الحدود بين «تعاليم الجهاد» التي عمّمها منذ سنوات وحثّ فيها على عدم استهداف عموم المسلمين وبين خطاب «داعش» الصريح بتكفيره لجميع الأقليات، حيث خاطب أنصاره بالقول: «إخواني المجاهدين: الشام أمانة في أعناقكم، فلا تسلموها للعلمانيين ولا للرافضة الصفويين ولا للنصيريين.. ولا تتوقفوا عن جهادكم حتى تقوم دولة الإسلام وحكم الشريعة».
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية