حسن حيدر
طهران | مواجهة مباشرة جديدة بين البحرية الإيرانية والأميركية، بعد 12 عاماً على آخر حادثة احتجاز قامت بها إيران لأربعة بحارة أميركيين دخلوا المياه الإقليمية خطأً، في منطقة مائية مختلف على ترسيم حدودها مع العراق، وبعد البحث أُطلق البحارة الأربعة.
حصل الاحتجاز الأخير على بعد ثلاثة أميال بحرية داخل المياه الإقليمية الإيرانية في جزيرة "فارسي" المقابلة للسواحل السعودية، التي تقع بين البحرين والكويت. خرجت دورية أميركية مؤلفة من زورقين من الكويت باتجاه البحرين، البحرية الإيرانية رصدت تحركاتها، واستنفرت قواها لأن هذه الزوارق الصغيرة بحسب القيادة العسكرية لا تقوم، عادة، بمهمات بعيدة في عمق البحار. جهزت البحرية التابعة للحرس الثوري في المنطقة الثانية عديدها، واتجهت بسرعة إلى المكان تحسباً لأي اختراق ولاستكشاف مهمات الزورقين الأميركيين، بعدما أثارا ريبة الراصدين لهما، لمعرفة طبيعة عملهما في هذه المهمة.
يقود التحليل إلى أن هذه الزوارق تستخدم، عادة، في عمليات نقل أشخاص أو قوات خاصة أو لتنفيذ مهمات رصد سريعة. وهنا يمكن تفسير الانتظار الإيراني لأي خطأ أميركي للانقضاض على الدورية، ومعرفة طبيعة عملها.
اتخذ القرار بعد التوغل في المياه الإقليمية، وحاصرت قوات من البحرية الإيرانية الزورقين وأرسلت لهما تحذيرات، فلم يظهرا أي مقاومة تذكر، بل كان مستغرباً سرعة استسلام العناصر، بعدما عرفوا أن من يحاصرهم هي قوات إيرانية. في هذه الأثناء، كانت حاملة الطائرات الأميركية "ترومان" في اتجاه جنوب الجزيرة في المياه الإقليمية، وفي شمالها كانت حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول"، وفور معرفة أن القطع البحرية الأميركية محاصرة إيرانياً، قامت بالتحرك باتجاه المنطقة وأرسلت مؤشرات حربية عن إمكانية التدخل. وبحسب مصادر قيادية إيرانية، كان الحرس الثوري قد اتخذ، سريعاً، إجراءات مضادة وأوصل رسائل بأن أي فتح للنيران سيكون بمثابة الضوء الأخضر لإطلاق صواريخ مضادة للسفن، من على متن بوارج حربية إيرانية، والأخطر من ذلك صواريخ بر ــ بحر البعيدة المدى، التي تنشر منها إيران الآلاف على طول سواحلها الجنوبية، فكان التلميح بأن الحراك العسكري لإنقاذ السفن سيؤدي إلى اشتباك. وبحسب قول قائد بحري كبير، فقد "كان سيمثل الاشتباك أكبر خسارة عسكرية للولايات المتحدة الأميركية، عبر ضرب قطعها البحرية بالصواريخ"، ما يعني أن إيران هددت بالإمطار الصاروخي للقطع المهاجمة.
وفور وصول البحارة إلى اليابسة في جزيرة "فارسي"، اتصلت قيادة الحرس الثوري بوزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي تلقى مباشرة اتصالات مكررة من نظيره الأميركي جون كيري، أكد فيها أن الخرق جرى عن طريق الخطأ. فما كان من إيران إلا الإعلان أنها بانتظار التحقيق، وبالفعل أثبت التحقيق دخول الزورقين بالخطأ، وأن عدم الخبرة لدى البحارة دفعتهم إلى التوجه عميقاً في البحر، ما قطع اتصالهم بمركز القيادة لأن الأجهزة الموجودة على متن الزوارق غير مخصصة لمهمات بعيدة، إضافة إلى خلل في جهاز الملاحة أوصل الزوارق إلى المياه الإيرانية. أُطلق البحارة بعدها بساعات، لم يستقلوا طائرة بل أعيدو إلى أقرب نقطة قطعة بحرية أميركية في مياه الخليج، وأطلقوا في المياه الدولية.
مثّلت هذه الحادثة معركة صامتة من العيار الثقيل، فقد وقعت قبالة الشواطئ السعودية، وأوقعت بقوة أميركية، مستدرجة تمنيات أميركية تشبه الاعتذار لإيران. واشنطن لم تهدد بالحرب ولم ترفع سقفها في الحديث، تلقت وعوداً بمتابعة الموضوع، عبر الرد الإيراني الذي قال لهم "إذا ثبت دخولهم عن طريق الخطأ، فسنطلقهم فوراً".
يشتهر الحرس الثوري الإيراني، المكلف حماية الخليج، بعبارة أطلقها قائد البحرية في الحرس، العميد علي فدوي، "ما هستيم ولي نيستم"، وهي تعني "نحن موجودون ولكن غير موجودين". ما يريد قوله إنهم يرصدون الخليج، من دون أن يراهم أحد، وفي حال الطوارئ يظهرون بشكل مفاجئ.
ربما أراد الحرس الثوري أن يوصل رسالة إلى من يعنيه الأمر، مفادها أن إيران جاهزة لأي مواجهة، حتى مع الولايات المتحدة الأميركية، إذا شعرت بأن مصالحها وأمنها في خطر، وأن اللعب مع واشنطن بهذه الطريقة سيكون كفيلاً بإفهام من هم أصغر منها بأن طهران لن تتهاون أبداً بالرد على أي انتهاك لسيادتها وأن قواعد اللعبة قد تغيّرت ولا بد للبعض أن يعرفوا حدود قوتهم والوقوف عندها.
عن صحيفة "الاخبار" اللبنانية