القاهرة/ مصطفى بسيوني
الطائرة الروسية التي سقطت في شمال سيناء في نهاية تشرين الأول الماضي تحوّلت الى لعنة تلاحق قطاع السياحة في مصر.
وما إن بدأ قطاع السياحة المصري في التعافي، حتى هوت به الطائرة الروسية.
وبرغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية، إلى جانب الجهود الشعبية، للتقليل من أثر الحادث، إلا أن قرارات منع الرحلات الجوية إلى مطارات مصر من قبل العديد من الدول حالت دون تحسن الوضع على مدار الشهرين الماضيين.
وقد جاء توقيت الحادث الذي أودى بحياة أكثر من 220 من السياح الروس، قاتلاً، إذ جاء عشية بدء الموسم الشتوي الذي تنتعش فيه السياحة الأوروبية، وبخاصة الروسية للمنتجعات المصرية في سيناء وساحل البحر الأحمر وأقصى جنوب مصر، في الأقصر وأسوان. وبدد الحادث الموسم بالكامل. فكان تأثيره مضاعفاً والآثار المترتبة عليه أسوأ.
ومعروف ان قطاع السياحة يعد من أكثر القطاعات حساسية للأوضاع الأمنية والسياسية، ومن أكثر القطاعات أيضاً تاثيراً في الاقتصاد المصري.
ومن ناحية، يضم قطاع السياحة ملايين عدة من العاملين مباشرة في السياحة، ومثلهم ممن تعتمد أعمالهم على السياحة بشكل غير مباشر، مثل العاملين في الخدمات والصناعات المغذية للسياحة.
ومن ناحية أخرى، يعد النشاط السياحي في مصر أهم موارد العملة الأجنبية، حيث تفوق إيرادات هذا القطاع من العملة الصعبة ضعف إيرادات قناة السويس.
وفي الوقت الذي يتراجع فيه احتياطي النقد الأجنبي في مصر بشدة، من أكثر من 36 مليار دولار في العام 2010، إلى أقل من 16.5 مليار دولار حالياً، وتعاني قناة السويس من انخفاض إيراداتها السنوية بسبب تباطؤ التجارة العالمية، يمثل انخفاض إيرادات السياحة أزمة حقيقية للاقتصاد المصري وخطط التنمية.
وتتمثل السمة الأصعب لقطاع السياحة في مصر في كونه شديد الحساسية تجاه التقلبات الأمنية والسياسية، كما انه بطيء التعافي عندما تتحسن الأوضاع، فالتراجع الذي شهده قطاع السياحة عقب «ثورة 25 يناير» في العام 2011، لم تبدأ مصر في التعافي منه إلا العام الماضي، ولكن هذا التعافي الذي يكتمل كان بطيئاً وانتكس فور وقوع حادث الطائرة الروسية.
وبالرغم من أن حادث الطائرة وقع في سيناء، إلا أن تأثيره ضرب السياحة في أنحاء مصر كافة، كما يؤكد مجدي سليم مدير العلاقات الدولية في هيئة تنشيط السياحة خلال حديثه الى «السفير». ويوضح سليم «لا يزال الوضع مأزوم جداً، ويمكن القول إنه ازداد تأزماً مؤخراً. الكثير من الفنادق والمنتجعات بدأت تتخذ إجراءات الغلق نتيجة انخفاض نسب الإشغال حتى وصلت إلى 18 في المئة في أفضل الأحوال، برغم أنه في مثل هذا التوقيت من العام تكون الفنادق والمنتجعات السياحية كاملة العدد».
ويضيف سليم «لا أستطيع تحديد نسبة الانخفاض في السياحة حالياً، لأن النسبة أصبحت شبه منعدمة. نحن نتحدث عن انهيار في أعداد السياح وليس مجرد تراجع. وللأسف التراجع لا يقتصر عل منتجعات سيناء والبحر الأحمرـ بل يمتد الى كل محافظات مصر، وحتى القاهرة، فهناك فنادق في القاهرة اضطرت للإغلاق، وأخرى تدرس الإغلاق لحين تحسن الأوضاع، والمنشآت السياحية لم تعد قادرة على تحمل أجور العاملين، ولا باقي تكلفة البقاء مفتوحة من دون نزلاء... وفنادق في مرسى علم أيضا أغلقت الى حين تحسن الأوضاع».
ويؤكد سليم أن «الأزمة كبيرة بالفعل، فعدد السياح وصل الى 14.7 مليوناً في العام 2010، وكان هذا أفضل رقم تحققه للسياحة المصرية، وحدث التراجع مع بداية العام 2011. وبدأ التعافي مؤخراً حيث وصل عدد السياح من سبعة إلى ثمانية ملايين، وكانت إيرادات السياحة قد وصلت إلى 12.5 مليار دولار في العام 2010، أي أكثر من ضعف إيرادات قناة السويس، وهذا ما يجعل تأثير التراجع في السياحة على الاقتصاد سيئاً للغاية».
وكان وزير السياحة هشام زعزوع قد أشار في تصريحات صحافية، قبل أيام، إلى أن خسائر قطاع السياحة في مصر بلغت 2.2 مليار جنيه شهرياً، ما يعادل حولي 280 مليون دولار.
ويقول مجدي سليم «هناك أزمة حقيقية للعمالة السياحية، وبحسب المعايير الدولية، فإنّ كل مليون سائح يوفّرون 200 ألف فرصة عمل للعاملين في القطاع، وتعداد العاملين في السياحة حوالي أربعة ملايين، بالإضافة الى قطاع واسع من العمال الذين تعتمد أعمالهم على السياحة بشكل غير مباشر. وهذه الأزمة تؤدي الى نتيجتين. أولها تسريح أعداد ضخمة من العمال بما يزيد من نسبة البطالة، ويفاقم الأزمات الاجتماعية. والأثر الثاني هو فقدان الخبرات المهمة في صناعة السياحة. ومع امتداد الأزمة تهجر الخبرات العمل وتغير مهنتها أو تهاجر الى الخارج، وهو ما يزيد من صعوبة التعافي مرة أخرى».
ويرى سليم أن هناك أهمية لتحرك واع ومحترف ومهني لاستعادة السياحة وإنقاذ القطاع السياحي، خاصة أن بارقة أمل تلوح مع الوعود بعودة رحلات الطيران المتوقفة في مطلع العام 2016.
بينما يتصاعد الجدل حول أسباب سقوط الطائرة الروسية في سيناء قبل شهرين، كانت الأزمة تضرب قطاع السياحة بقوة. وبينما اتجهت الدولة للأداء الشعبوي والأنشطة الدعائية والإعلامية، لمواجهة الأزمة، كان السياح يغادرون مصر، وكانت أعداد ضخمة من العمال تفقد وظائفها، وفنادق وقرى سياحية تغلق أبوابها. وفي وقت تتعمق الأزمة لتتحول إلى كابوس، فإن الحلول الإعلامية والدعائية تفقد أي مفعول، ولا يبقى سوى التعامل معها باحتراف ومهنية.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية