2024-11-27 04:43 م

الإتفاق الإسرائيلي - التركي : الغاز يعبر على جسد حماس

2015-12-24
وجدت تركيا نفسها امام مأزق التحالفات الجديدة التي رسمتها ازمات المنطقة. ففي ظل التقارب الروسي – الأميركي، وانكفاء الطرف المصري عن المشاركة بشكلٍ مباشر على خطوط الصراع القائم، الى جانب انشغال السعودية بهزائمها في اليمن، وعدم وضوح نطاق عمل "التحالف الإسلامي" وتأثيره، والذي تم الإعلان عن انضمام تركيا له من قبل الجانب السعودي. فكان لا بد ان تُعلن تركيا بشكلٍ علني عودة العلاقات بينها وبين الكيان الصهيوني، لشعورها ان التحالفات الجديدة لا تصب في مصلحتها التوسعية، ولا تضمن تواجد لها في التسويات القادمة.
وفي السياق نفسه، يُظهر إعلان عودة العلاقات انه ليس لتركيا برئاسة رجب الطيب اردوغان خطوط حمراء لا يمكنها تجاوزها، والكلام التركي عن أنّ سبب قطع العلاقات هو الموقف من القضية الفلسطينية وخاصةً في ما يتعلق بالحصار المفروض من قبل قوات الإحتلال على قطاع غزة، ليس له واقعًا عمليًا، وبالرغم من أنّ العلاقات توقفت لو بشكلٍ علني أقلّه، بعد حادثة سفينة "مرمرة" والتي قتل خلالها الجيش "الإسرائيلي" ناشطين أتراك كانوا متوجهين على متن السفينة لكسر الحصار عن قطاع غزة، فذلك الموقف لم يكن إلّا حجج تركية وشماعة أوهمت من خلالها ادارة اردوغان انها مهتمة بفلسطين، ليفرض نفسه الرئيس التركي زعيمًا إسلاميًا في المنطقة من بوابة الإتجار بالقضية الفلسطينية.
وفي غضون ذلك، تمّ الإعلان عن عودة العلاقات، بالرغم من بقاء فلسطين محتلة، وبقاء الإجراءات التعسفية "الإسرائيلية" بحق الشعب الفلسطيني، الى جانب استمرار قوات الإحتلال بحصار قطاع غزة، ما ينفي بشكلٍ قاطع المزاعم التركية، بأنّ علاقاتها مع "اسرائيل" مقطوعة بسبب اجراءات قوات الإحتلال بحق الشعب الفلسطيني. وفي السياق نفسه، وبما انه ليس لتركيا بعد اي مصلحة في تبني القضية الفلسطينية خطابيًا، كونها لم تتعدَّ ذلك في ما مضى، قامت ادارة اردوغان بتقديم علاقاتها مع "حماس" على مذبح الإتفاق الجديد، بما أنّ الاتفاق يشمل منع قيادات حركة "حماس" من زيارة الأراضي التركية، وطرد القيادي بالجناح العسكري للحركة "صالح عروري" من تركيا وتحديد نشاط الحركة فيها. وهذا ما جاء على لسان المسؤولين "الإسرائيليين" الذين رحبوا بالإتفاق وعودة العلاقات، لكنهم قالوا إنّ ""إسرائيل" يجب أن تتمسك بحق التحرك عندما يتعلق الأمر بأمنها وبالحد من نشاط بعض أعضاء حركة "حماس" المقيمين في تركيا". واعتبر الوزير في الحكومة الإسرائيلية زئيف إلكين إنّ "الاتفاق المتوقع الذي لم يتم وضع اللمسات النهائية عليه بعد يعطينا ما طالبنا به اي تقييد شديد لنشاط "حماس" في تركيا".
الى ذلك، فإنّ متغيرات كبيرة دفعت تركيا و"اسرائيل" الى الإعلان عن عودة العلاقات بينهما، فتلك العودة لا يمكن فصلها عن الازمات الحاصلة في المنطقة، ولا سيما المواجهة المباشرة بين تركيا وروسيا، بعد اسقاط الجانب التركي للطائرة الحربية الروسية داخل الأراضي السورية، وما تبع ذلك من عقوبات اقتصادية فرضتها روسيا على تركيا، كان اهمها موضوع الغاز الروسي، الذي يعبر تركيا باتجاه القارة الأوروبية، ولتعويض هذا الأمر، ذهبت ادارة اردوغان تحت ضغط الحاجة الى الغاز، بإتجاه "اسرائيل"، لتلاقي الحاجة "الإسرائيلية" لخط عبور الغاز "الإسرائيلي" الى قارة اوروبا. والجدير ذكره، انه من الرغم من الخطاب التركي ضد "اسرائيل" في بعض الأحيان، فإنّ هذا الخطاب العلني لم يؤثر على العلاقات الإقتصادية والسياسية بين تركيا والكيان، فعلى الصعيد الاقتصادي بلغ حجم التبادل التجاري ذروته هذا العام، بأكثر من ستة مليارات دولار بزيادة سنوية عما قبلها بـ35 في المئة. ولم تتوقف السفن التركية من الوصول إلى موانئ فلسطين المحتلة، لبيع النفط المهرب من مناطق سيطرة "داعش" ومن إقليم كردستان في العراق الى "اسرائيل".
وفي هذا السياق، اشار وزير الطاقة "الإسرائيلي" يوفال شتاينتز الى أن "تطبيع العلاقات مع تركيا له أهمية كبيرة سواء لتطوير حقل "لوثيان" للغاز أو إعادة شركات الطاقة العالمية إلى "إسرائيل" للبحث عن حقول غاز جديدة". مضيفًا "هناك فرصة جادة ومفيدة لتحسين وتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وتركيا، أعتقد أيضًا أنّ هذا دليل على القيمة الدبلوماسية للغاز ومشروع الغاز". وفي هذا الشأن، تولي "اسرائيل" اهمية كبيرة لتصدير الغاز الى تركيا، لعدة اسباب، منها تلبية احتياجاتها، ورغبتها بالتصدير الى اوروبا بأقل تكلفة مادية وزمنية، وخصوصًا أنّ الطريق اليوناني مرورًا بقبرص سيجعل الغاز القادم من الكيان الصهيوني ينتظر طويلًا. الى جانب ذلك، فإنّ التوجه "الإسرائيلي" نحو تركيا، لا يتعلق فقط بقصر الأنبوب البحري إليها، وإنما بالأموال التركية التي يمكنها أن تمول المشروع بأسره، لحاجتها هي الأخرى لذلك، اكثر من حاجة "اسرائيل".
أما من الناحية السياسية والعسكرية، فإنّ عودة العلاقات بين "اسرائيل" وتركيا، يتمحور حول موقف كلاهما من الأحداث في سوريا والمنطقة. فإنّ سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" التي تنبتها ادارة اردوغان، اصبحت صفر تقارب مع الجيران. فالتخبط الحاصل من قبل تركيا في سياساتها الخارجية واضح، في العداء الذي انتجته سياساتها مع جيرانها، في سوريا، العراق، وروسيا الى جانب العداء التاريخي مع ارمينيا، حيث أنّ تركيا مؤخرًا تبدو وحيدةً في تبنيها خيار اسقاط الرئيس بشار الاسد، فبعد بدء المباحثات بين الأطراف الدولية المعنية بالأزمة السورية، والتي افضت الى العمل على حل للأزمة بالطرق السياسية، وترك خيار بقاء الرئيس الأسد للشعب السوري، وما رافق ذلك من رفضٍ اميركي للمنطقة العازلة التي طالبت بها تركيا داخل الأراضي السورية، والدخول الروسي العسكري المباشر الذي جعل الأحلام التركية بالمنطقة العازلة صعبة التحقيق، توافق الموقف التركي مع الموقف "الإسرائيلي" بما يخص الأزمة السورية. مما يعطي انطباعًا أنّ الإتفاق بين "اسرائيل" وتركيا هدفه بالدرجة الأولى الى جانب المصالح الإقتصادية والسياسية، العمل بعكس التوجهات الدولية الحالية، وهو ما اكده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي زعم ان "التقارب التركي "الاسرائيلي" سيعجّل من اسقاط الرئيس السوري".
المصدر: "سوريا الان"