نينار الخطيب
شكَّلت وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها موقع «فايسبوك»، منذ بداية الحرب في سوريا، مجتمعاً افتراضياً للسوريين ومنبراً سياسياً واجتماعياً يعبّرون فيه عن آرائهم ويقيمون عليه الصفحات والمجموعات المتنوعة بما يناسب جميع الأفكار على اختلافها. كما نجح البعض في نقل أفكار صفحاته ومجموعاته من العالم الافتراضي وتطبيقها على أرض الواقع، إلَّا أنَّ حالة فريدة مثل تجمّع أنثوي بحت يمكن الوقوف عنده.
«بدأنا كمجموعة مغلقة على موقع فايسبوك، تضمّ فتيات وسيدات سوريات من داخل وخارج سوريا تحت اسم (صبايا)، اجتمعنا بعيداً عن الدين والسياسة، على المحبة والأخوة. في البداية كنّا نساعد بعضنا على تأمين فرص عمل للمحتاجات، بالإضافة إلى تقديم بعض المساعدات الفردية لمختلف الحالات»، تقول مؤسسة ورئيسة التجمع عليا خيربيك، وتضيف: «عندما تجاوز عدد المشتركات في المجموعة ثلاثين ألف صبية، قرَّرنا أن نوسّع نشاطنا ونوظف عددنا الكبير لخدمة المجتمع السوري».
قبل حوالي ثلاثة أشهر، اختار تجمّع «صبايا العطاء» أن ينطلق من بين الأطفال، خصوصاً الأيتام من (أبناء الشهداء، المهجرين، والنازحين)، فشهد دار الأيتام في اللاذقية ولادة نشاطهنّ الأول حيث نظمن حملة باسم «صبايا بدّي أتعلم»، قمن من خلالها بتأمين مستلزمات الدراسة للأطفال. تقول خرّيجة قسم علم الاجتماع عليا خيربيك لـ «السفير»: «وجّهنا معظم أنشطتنا إلى الأطفال، فهم رجال ونساء سوريا في المستقبل، وأردنا أن نكون بداية كأمهات لأطفال فقدوا أهلهم، وكمأوى، ولو نفسي، لمن فقد بيته ومحيطه الاجتماعي، فمن الأيتام انطلقنا لتقديم ما نستطيع من مساعدة للأطفال المهجّرين من ريف اللاذقية، فكانت حملة (نحنا لبعض)»، وتوضح أنَّه «بعد نجاح تجربتنا، نستعدّ اليوم لحملة أخرى تحمل اسم (صبايا الدفا) وتُعنى بأبناء الشهداء».
وخلال حديثها، تشيد خير بيك بنجاح تجربتها، وترى أنَّ الأنثى استطاعت أن تصدّر نفسها، برغم الحرب، كعنصر فاعل في المجتمع، وتوضّح: «نستعد أيضاً لحملة تُعنى بأطفال حلب المهجرين»، ما يعني توسيع نشاط التجمع الأنثوي الخيري.
تضم مجموعة «صبايا» السريّة والخاصة بالأعضاء المشتركين فيها وجميعهنّ من الفتيات والنساء على موقع «فايسبوك»، حوالي 47 ألف صبية وسيدة من مختلف الشرائح يتبادلن الخبرات ويشكلن مجتمعاً متكاملاً، وكثيرات منهنّ يتقنّ الأعمال اليدوية، ما دفع إدارة المجموعة إلى البدء بتنظيم بازار لدعم أعمالهنّ اليدوية وتسويقها في محافظتي دمشق واللاذقية. وعلى الرغم من النشاط الخيري الفاعل الذي أخذته المجموعة على عاتقها، لم يقتصر عمل «صبايا العطاء» على الجوانب الخيرية، بل امتدّ إلى الجوانب الثقافية، إذ يتمّ التحضير لإقامة ندوات شهرية دوريّة في المراكز الثقافية لتوعية الصبايا اجتماعياً، طبياً وثقافياً بمشاركة طبيبات ومختصات.
وبالرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها التجمّع الأنثوي السوري، إلَّا أنَّه لا يتمتّع بمواكبة إعلاميّة، مقارنةً بالنشاطات الخيريّة الأخرى التي تنفّذها جماعات أخرى في سوريا، وهو ما يفسّره تجمّع «صبايا العطاء» بالقول إنَّ «الاهتمام بالعمل وتنفيذه هو الهدف، وليس الشهرة».
يشكّل التجمّع الأنثوي الافتراضي - الواقعي، مجتمعاً متكاملاً، تتبادل فيه الفتيات الخبرات والتجارب، كذلك تنشط في المجموعة مرشدة نفسية تقدّم الدعم النفسي لمن ترغب في ذلك، ما حوّل هذه المجموعة، وعلى الرغم من العدد الكبير لأعضائها (47 ألفا) إلى ما يشبه الأسرة الواحدة، وفق وصف إحدى أعضاء التجمع.
ولا يقتصر عمل مجموعة «صبايا العطاء» على الحملات فقط، إذ تعمل فتيات المجموعة على إنجاز أعمال خيرية أخرى بشكل متفاوت، بينها تأمين كراسي متحركة وأطراف اصطناعيّة لمصابي الجيش، وجمع تبرّعات لزراعة حلزون في أذن طفل فقد السمع، إلى جانب إقامة حفلات فنية يعود ريعها للنشاطات الخيرية والإنسانية.
وفي حين تشوب بعض الشبهات حول نشاط بعض الجماعات الخيرية والإنسانية ومن يقف خلفها ويمولها، تؤكّد مؤسسة المجموعة أنَّ تجمّع «صبايا العطاء» اعتمد في عمله ونشاطاته على مجموعة «صبايا» من متطوعات وتبرعات ومساهمات في كافة الأعمال الخيرية، لذا يعتبرن تمويلهن تمويلاً ذاتيّاً، كما يصررن على رفضهن لأيّ مموّل خارجي أو أن يكنّ واجهة لأحد ما. وتضيف عليا خير بيك أنّ «باب صبايا العطاء مفتوح ومشرّع لأيّ يد بيضاء ولجميع من يودّ أن يساهم معنا، فصبايا سوريا اليوم جمعتهن الحرب ولن تفرّقهن، وسنبقى دوماً ملتزمات بشعارنا أملٌ يُعطَى... مُستقبلٌ يُبنَى».
المصدر: السفير اللبنانية