2024-11-25 08:44 م

ماياكوفسكي لإيلزا تريولي

2015-11-14
ماياكوفسكي أحد كبار الشعراء الروس ومن تكتب عنه إيلزا (أو إلسا) تريولي التي عرفته مذ كانا شابين وكان حتى نهاية حياته الفاجعة عشيق اختها ليلي بريك. إلسا بدورها غادرت روسيا، التي تحولت بفضل الثورة البلشفية إلى الاتحاد السوفياتي، إلى فرنسا حيث صارت زوجة لويس أراغون الشاعر الفرنسي الذي كان من زعماء السيريالية، المدرسة التي سادت الأدب والفن.
ما تكتبه إيلزا تريولي عن ماياكوفسكي مستقى في معظمه من حياتها معه، ونعلم منه أن الشاعر انتمى باكراً إلى البلاشفة وأُوقف أول مرة وهو في الرابعة عشرة وسُجن وهو في الخامسة عشرة أحد عشر شهراً وعكف خلال سجنه على قراءة المعاصرين والكلاسيكيين، وقال لدى خروجه من السجن إنه يريد أن يضع فناً اشتراكياً.
لم يكن هذا محض ادّعاء، فالشاعر العملاق الجسم، الذي يرتدي بحسب إيلزا قميصاً أصفر، كان بالغ الثقة بنفسه وقبل أن يكتب سطراً عُرف بأنه «شاعر عبقري» وكان يسجل على بطاقة باسمه «فلاديمير ماياكوفسكي رائد المستقبل».
كان ماياكوفسكي في بداياته الأولى يشكو من العوز ويتردد قبل أن يضع كوبيكا (عملة روسية) في يد البواب الذي يوقظه من نومه ليفتح له الباب.
حين علمت إيلزا أن أمها تبكي لأنها تعاشر ماياكوفسكي أخذت تقابله خفية، حينذاك كان يقرأ لها من شعره الذي استفز المثقفين وعلماء الجمال الذين كانوا يقولون بحقد «إنهم لا يفهمون شيئاً من شعره الذي كانوا يشعرون أنه، بطريقة ما، ضدهم. في هذا الشعر الذي يزعم فيه ماياكوفسكي أنه «غيمة في بنطلون» وأنه «يتخذ من الشمس نظارات لعينيه» كان النقاد يشعرون أنه وقح وأنه يزدريهم، ويتذمرون مما يعتبرونه غموضاً في شعره، معتبرين أن على الشعر أن يكون مفهوماً من الجماهير. ماياكوفسكي يعتقد أن الشعر لا يكون منذ ولادته للجماهير، إنه يصبح للجماهير نتيجة جهود كثيرة. لم يكن بوشكين مفهوماً من الجماهير لأنها لا تحسن القراءة.
على كل حال بقي ماياكوفسكي يقرأ شعره «البروليتاري» أمام الفلاحين وفي المصانع، وقد أنشد شعراً في «تفليس» على هدير الآلات، وبعد أن قرأ أجرى استفتاءً بين العمال، أقروا بعده جميعهم بأنهم فهموا كل ما ألقي عليهم.
كان فن ماياكوفسكي الشعري قائماً على الإلقاء وعلى السماع، فالثورة في نظره «أعطتنا الشعر الذي نسمعه».
كان ماياكوفسكي من التيار المستقبلي الذي ضمّ شعراء وفنانين، كان له تكنيكه الخاص في تقطيع الشعر لكنه أيضاً انتمى قبل شهرين من موته إلى اتحاد الكتّاب البروليتاريين، وكان يود أن يضمّن الشعر كل ما يتصل بالحياة المباشرة وبالنضال السياسي، هذا لم يمنع من أن يقابله الجمهور في البداية بصخب وضجيج، الأمر الذي واجهه باستمتاع بإخفاقه. كان هذا قبل أن يصبح نجماً ويجعله شعره وقامته العملاقة وصوته المدوّي حاضراً لدى الجميع.
غادرت إيلزا روسيا وعادت إليها في العام 1925، أي بعد ثماني سنوات على قيام الثورة وكانت موسكو قد تغيّرت فقد عادت نظيفة. كانت ليلي أخت إيلزا وحبيبة ماياكوفسكي تقيم في الضواحي فيما كانت لماياكوفسكي غرفة في موسكو، يتخذ فيها من المقعد الأسود سريراً ولا يغطيه بالمفارش.
كان ينفق المال من دون حساب وخاصة على اللعب ولم يكن يأبه لحياة الترف لكنه يحب الأشياء المتقنة الصنع كقلم حبر ويخيط ثيابه عند أشهر الخياطين.
أنا لا أملك فلساً
لقد جعلتني أشعاري صفر اليدين
صار ماياكوفسكي نجماً معروفاً حتى من الحوذيين والمارة الذين كانوا يوشوشون اسمه ما إن يطل بقامته. كان النقاد يتهمونه بالتفاوت في شعره فهو يكتب قصائد عصماء وينحدر إلى أخرى لا تضارعها قيمة. كان يكتب جميع قصائده في رأسه قبل أن يخطها بالقلم ويطبخها في رأسه وينقح فيها قبل أن يكتبها، وإذا شئنا أن نراجع كتابه «صناعة الشعر» الذي يعرض فيه تجربته الشعرية وجدنا أنه يصر على اللامتوقع والمفاجئ ويقيم وزناً كبيراً للقافية التي هي العنصر الرئيسي، غير أنه لا يلتزم بأن تكون القافية آخر البيت فقد تكون في وسطه وفي أوله. ويقيم وزناً كبيراً لما يسميه الطلب الاجتماعي كملهم له في شعره، شعر ماياكوفسكي على حد إيلزا متعذر الترجمة.
كان ماياكوفسكي متعالياً لا يمانع في أن يقول لشخص شهير «اذهب واحضر لي السجائر» وللعجب فإن هذا الشخص يذهب فوراً. كان بارعاً في جميع الألعاب كالورق والبليارد، وكان لصيقاً بموسكو يغادرها بحزن. وإزاء أصدقائه هو قلق وغيور، وكان مهووساً بالصحة، يغسل يديه عدة مرات ولا يغادر إلا وهو يحمل صابوناً في جيبه.
في 14 نيسان 1030 انتحر بطلق ناري في رأسه وترك رسالة «إنني أموت فلا تتهموا أحداً. أيتها الأم وشقيقاتي ورفاقي اغفروا لي فعلتي، إنها طريقة غير مقبولة ولا أنصح بها أحداً. ليلي أمحضيني حبك».
عن صحيفة "السفير" اللبنانية