نشر موقع «ويكيليكس» رسائل إلكترونية تعود لضابط الاستخبارات الأميركية، جون برينان، الذي عُيّن مديراً للـ«سي آي إي» عام 2013، يتحدث في إحداها عن حتمية تفاهم واشنطن وطهران، ويثمّن تعاون الأخيرة في أفغانستان
تظهر الوثائق المسربة، بدايةً، الفساد المتأصل في عملية تعيين المسؤولين في الإدارة الأميركية. فبرينان، وبعد عمله رسمياً لمصلحة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) من عام 1980 حتى عام 2005، أسّس شركة استخبارات «خاصة» باسم TAC، باتت في عام 2008 مساهمة في حملة باراك أوباما الرئاسية، والمستشارة الأمنية لأوباما، ولاحقاً لـ«المشروع الانتقالي» للثنائي أوباما ــ (جو) بايدن.
وعندما وصل الثنائي إلى السلطة مطلع عام 2009، بدأ برينان بالتدرج في مناصب أمنية على أعلى المستويات. وفي رسالة بتاريخ 18 تشرين الثاني 2007، يقترح فيها على الرئيس المقبل (أوباما) سياسة الإدارة تجاه طهران، يتوقع برينان أن تكون الأخيرة «لاعباً أساسياً على المسرح الدولي لعقود مقبلة، وسيكون لسلوكها تأثير قوي وطويل الأمد على المصالح القصيرة والطويلة الأجل للولايات المتحدة»، ويرى بالتالي أن واشنطن «ليس لها خيار إلا أن تجد طريقاً للتعايش والتفاهم مع أي حكومة في طهران»، وأن «قدرة الأخيرة على تطوير مصالحها السياسية والاقتصادية تعتمد على علاقة غير عدائية مع الولايات المتحدة والغرب».
وبعد عرض تاريخي وجيز، يقرّ فيه بأن الـ«سي آي إي هندست الانقلاب» على حكومة مصدق في طهران عام 1953، لتعيد إلى السلطة «شاه إيران الموالي لواشنطن، ليحكم بقبضة حديدية للسنوات الـ25 التالية»، يقول برينان إن الثورة الإسلامية التي أطاحت الشاه عام 1979 «سعت لاستعادة ما تعتقد أنه حقها»، وهو نفوذ الإمبراطورية الفارسية الذي امتد إلى وسط آسيا، مروراً بمصر وسائر شمال أفريقيا. ويرى برينان أن هذا الطموح شكل «أساس عقلية» النظام الديني في طهران. وفيما يبدي برينان تفهّماً، بل قبولاً واعترافاً بهذا الطموح، يشير إلى استخدام إيران لمواردها الواسعة لدعم «الإرهاب» حول العالم، كعائق أمام حالة «التعايش والتفاهم» مع الولايات المتحدة، ويرى أن التوصل إليها أمر حتمي.
في هذا السياق، يأسف برينان «للهوة المتسعة بين واشنطن وطهران، والتي طبعت علاقات الطرفين منذ عام 2001، والتي ميّزتها الخطابية الحادة والفارغة»، الناجمة عن ردّ فعل واشنطن على أحداث الحادي عشر من أيلول من ذلك العام. ويرى برينان أن وضع الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، لإيران في «محور الشر»، وانتقاد الإدارة الأميركية للبرنامج النووي الإيراني، كما للتدخل في العراق، «قادا طهران إلى الاعتقاد بأن واشنطن انطلقت في مسار تصادمي سيتركز قريباً على إيران».
ويبدي برينان، على وجه الخصوص، الأسف لـ«تجاهل واشنطن الدور الإيراني الإيجابي» في إنشاء نظام أفغاني جديد، بعد اجتياح البلاد وإطاحة حكم حركة طالبان. وينقل برينان عن المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، جايمس دوبنس، تثمينه «المساهمة المهمة من طرف الدبلوماسيين الإيرانيين» في تنصيب حكومة حميد قرضاي في كابول (تحت حراب الاحتلال الأميركي)، وملاحظته أن هؤلاء الدبلوماسيين، خلافاً لنظرائهم، «لم يتلقوا رسالة شكر» أميركية، «رغم أنهم كانوا الأكثر مساعدة» في إرساء حكم قرضاي. ويختم برينان رسالته بالتوصية «بخفض لهجة الخطاب» تجاه طهران، و«إرساء قناة حوار مباشرة» معها، بتعيين مبعوث رئاسي لهذا الغرض، وأخيراً، «إظهار جزرات (حوافز) ذات قيمة، وكذلك عصي».
وفي سياق آخر، في رسالة حول «الإصلاحات» المتعلقة بعمل أجهزة الاستخبارات المختلفة للولايات المتحدة، والتي أقرّت عام 2004، واستحدثت «مكتب مدير الاستخبارات الوطنية»، يرى برينان أن «التطبيق غير الفعال للإصلاحات أدى إلى الارتباك والمنافسة بين وكالات الاستخبارات»، شاكياً غياب إطار عام يجمع هذه الأجهزة وينسّق عملها، ويشكو غياب الإطار القانوني الذي يحدد صلاحيات ومسؤوليات هذه الأجهزة، ومعايير عملها وحدوده في الداخل الأميركي.