2024-11-25 09:52 م

فساد المنح الدراسية: الضفة أولاً وغزة ثانياً... والواسطة قبلهما

2015-08-17
أمجد ياغي
غزة | تكاد نتائج الفساد في توزيع المنح على الطلاب الفلسطينيين، الذين يبتعثون إلى دول كثيرة تعطي للفلسطينيين حصة جيدة من المنح، لا تظهر إلا بعد عام أو اثنين من بدء دراستهم، أو حتى بعد تخرج الطلاب في بعض التخصصات الحساسة، كالطب البشري، حينما ينظر مشغلوه في معدله في الثانوية العامة.

تكفي استبانة واحدة، عمل معد التحقيق على توزيعها على نحو 850 طالباً من خريجي الثانوية العامة وطلاب الجامعات، لتظهر أن نسبة كبيرة (85%) تؤكد أنها لا تشعر بالنزاهة في طريقة توزيع المنح الدراسية على من يستحقها. وتبيّن الاستبانة نفسها أن «استخدام أشخاص ذوي نفوذ» هو المسهل الأساسي لأي منحة دراسية، وذلك بنسبة 78% من الذين صوتوا بـ«نعم»، فيما كانت الواسطة بنسبة 22%.
ومن المعروف في العمل الحكومي الفلسطيني، أن للمنح الدراسية عدة شروط، أهمها معدل دراسي عالٍ يمكن الطالب من دخول التخصص الذي يطمح إليه، وهي نسب تعلنها وزارة التربية والتعليم عبر موقعها الإلكتروني، لكن، بالنظر إلى واقع الابتعاث الدراسي، من الضفة أو غزة، فهناك معدلات منخفضة دخل أصحابها تخصصات تتطلب معدلات عالية، حتى إن بعض من دخلوا الطب كان معدلهم 58% (الفرع العلمي)، برغم أن شروط المنحة كانت تتطلب معدلاً ما فوق 95%.
في خضم التحقيق، رفضت شخصيات كثيرة من وزارة التعليم في غزة والضفة الحديث في الموضوع لعدة أسباب، وبعد عناء استطاع المعد التواصل مع «مصدر متقاعد» كان يعمل مديراً في إحدى دوائر «التربية والتعليم العالي» في الضفة. يؤكد المصدر أن الوزارة لا تعطي اهتماماً للرقابة على ملف المنح، ما يسمح بـ«انتشار الخارجين عن نمط المهنية ممن يشرفوا على عملية توزيع المنح بناء على معارفهم». ويضيف أن «الهيئة الفلسطينية لمكافحة الفساد» طلبت على مدار السنوات الأخيرة تقارير متعلقة بالمنح الممنوحة داخلياً وخارجياً للطلاب في الضفة وغزة، لأن ثمة شكوكاً وشكاوى كثيرة بهذا الشأن».
ويشير المصدر، في قضية متصلة، إلى أنه كان على خلاف كبير مع مسؤولين في الوزارة بسبب الأسلوب المتبع في القروض الجامعية (قرض حكومي يمنح للطلاب في الجامعات الفلسطينية)، والسعي إلى تقليص المنح برغم أنها تحظى بميزانية خاصة وشبه ثابتة. ويشرح المصدر، الذي رمّز لاسمه بـ«ن.أ»، أن النظام المتبع منذ أعوام في تقسيم المنح، وخصوصاً الخارجية منها، ما بين غزة والضفة، هو نسبة 60% لطلاب الضفة، و40% لطلاب غزة، مستدركاً: «الواقع هو أقل من 25% تذهب إلى غزة».
ويبدو وفق حديث هذا المصدر وآخرين، أن الانقسام السياسي هو من أبرز أسباب «هضم حق الغزيين»، لأن القائمين على عمل السفارات الفلسطينية الخارجية ينظرون إلى غزة على أنها خارجة على الشرعية، كما أن عدداً كبيراً منهم هم من سكان الضفة ويسعون إلى إعطاء المنح لمعارفهم، فضلاً عن تدخل أشخاص لهم نفوذهم في السلطة، وبالتحديد من لهم علاقة قوية بمنظمة التحرير.
المصدر نفسه يؤكد، أيضاً، أن عدداً من «هيئات المكافحة والفساد» طلبت ملفات من «التربية والتعليم» عن الطلاب الذين خرجوا للمنح الدراسية في الأعوام الخمسة الأخيرة، أي من 2010 إلى العام الجاري، لفحص مدى النزاهة في إتمام الشروط. ويتابع: «هناك فساد واضح ولا يمكن إنكاره، وجميع القائمين على الوزارات يعلمون ذلك، بل ثمة شخصيات وزارية كثيرة تتدخل في ما لا يعنيها في التعليم العالي لتتوسط لطلاب من غزة أو الضفة».
بالعودة عامين إلى وراء، تحديداً في 2013، فقد تقدم عدد من الطلاب لمنحة أعلنتها «التعليم العالي» في رام الله لطلاب الضفة والقطاع من أجل دراسة الطب في المملكة المغربية. أحد هؤلاء، ويدعى أحمد عودة (حصل على معدل 96% في الفرع العلمي)، توقع قبوله لأن شروط المنحة تتوافق مع ظروفه كما ان معدله أكثر من المطلوب، لكنه بعد شهرين فوجئ بأن لا اسم له ضمن قائمة المقبولين للمنحة. في الوقت نفسه، اكتشف عودة أن زميله ــ الذي حصل على 62% ــ حاز المنحة نفسها وسافر مباشرة.
يقول الشاب: «حاولت التواصل مع وزارة التعليم في الضفة، لكنهم أكدوا لي أن الجامعة في المغرب هي التي تختار الأسماء... خلال البحث أكثر، اتضح لي أن الوزارة نفسها هي من تقرر». وبرغم مرور سنتين، فإن أحمد، الذي يندب حظه، يجد من حوله مقتنعين بأنه هو المخطئ، لأنه لم يستعن بواسطة قبل التقدم بالطريقة الرسمية.
بالتدقيق أكثر، يظهر أن عدداً من الحاصلين على المنح الدراسية تربط عائلاتهم علاقات بشخصيات ذات نفوذ أو لها معارف في سفارات البلدان التي تقدم منحا للفلسطينيين. مثلاً، الطالب «ع. ي»، وهو خريج ثانوية عامة 2013، حصل على منحة في بلغاريا ويدرس الطب العام. وعندما سألناه عبر «فايسبوك»، أكد لنا أنه عبر معرفة لوالده في «سفارة بلغاريا» حصل على المنحة الدراسية، برغم أن معدله 69.8%. وعند سؤاله مرة أخرى عن أن المعدل لا يسمح له بأخذ المنحة وفق شروط الوزارة، قال: «وجدت عدداً من الطلاب من الضفة في السكن الذي أنزل فيه، وهم لم يحصلوا على الدرجة العالية لدخول المنحة... فقط طالب يدرس الطب معنا وهو من طولكرم كان معدله 92%»، مستدركاً: «أصلا معدلي (69.8%) أفضل من البقية حولي».
يؤكد هذه النتيجة السيئة عدد آخر من الطلاب. أشرف صافي، وهو طالب سنة ثانية في تخصص التربية ــ رياضيات يقول: «عند تخرجنا أدركنا أن المنح بالواسطة، وكل طلاب غزة يعلمون ذلك، بل لا نجد بالمجموع التراكمي أي قوة مقابل الواسطة». كذلك مؤمن رجب، وهو خريج ثانوية عامة جديد، يقول: «غزة غائبة عن حسابات التعليم العالي في الضفة من المنح، وبسبب سياستها يلجأ الجميع إلى الواسطة عند صدور نتيجة الثانوية مباشرة».
أما الحدث الذي أثار ضجة كبرى، قبل قرابة الشهر، فهو أن فنزويلا، التي توصف بأنها أكثر الدول دعماً للقضية الفلسطينية، قررت إعادة عدد من الطلاب الفلسطينيين، معظمهم من الضفة، لكشفها أنهم لم يجتازوا شروط المنح، بل إن بعض التخصصات التي قدموا للدراسة فيها، كالطب والهندسة، كان بعض طلابها من خريجي الفرع الأدبي. أكثر من ذلك، فإن بعضهم لم يكونوا ممن أنهوا الثانوية العامة في السنة نفسها، بل منهم عمال أو موظفون أرادوا الاستفادة من العرض المقدم واستغلوها فرصة للعيش في الخارج.
يعود المصدر المتقاعد من «التعليم» ليؤكد أن أضعف دوائر الرقابة في الوزارات هي في «التعليم العالي»، نافياً ما يصرح به المسؤولون والبيانات الرسمية التي وصفها بأنها تزيف الواقع. وطالب في الوقت نفسه «الهيئة الفلسطينية لمكافحة الفساد» بأن تراقب سير المنح الخارجية والداخلية «لضمان حقوق الطلاب».
وبالعودة إلى الاستبانة، يقول 70% من الطلاب إن الأحزاب السياسية في الضفة وغزة لها دور في منح أبناء المنتمين إليها منحاً دراسية خارجية في الدول التي ترتبط مع حزب ما بعلاقات جيدة، وهذا يفسر ما لوحظ في غزة آخر ثلاث سنوات، خاصة المنح التي كانت تعطى من تركيا، وخصوصاً طلاب درجة الماجستير، بل إن إحدى المنح للعام الماضي كانت مخصصة للجامعة الإسلامية في غزة فقط، وهي إحدى جامعات حركة «حماس».
ومع استمرار الواسطة واستخدام النفوذ في هذا القطاع المهم، الذي يورّد كفاءات إلى البلد، تقع نسبة كبيرة من الطلاب الذين يستحقون المنح في حيرة كبيرة، ففي غزة والضفة وبرغم ارتفاع نسبة المتعلمين فإنهم يعانون مشكلات أكاديمية كبيرة وغياب بعض التخصصات في الوطن، ما يدفعهم إلى البحث في الخارج، لكنهم هنا يقعون إما ضحية خلافات سياسية، وإما ضحية فساد المرتشين... أو الذين يعملون بالمحسوبية في بلد تخنقه الاعتبارات الشخصية والعائلية.
المصدر: صحيفة "الاخبار" اللبنانية