2024-11-25 03:39 م

أكاديميَّة ساندهيرست العسكريَّة: معهد الانقلابات وقاعدة نفوذ بريطاني في دول الخليج

2015-07-28
ربما لا تعلم عنها كثيرًا، الأكاديميَّة العسكريَّة التي يتخرَّج فيها عدد كبير من قادة العالم، وعدد أكبر من قادة الدُّول الخليجيَّة. السعودية وحدها لديها 12 أميرًا كانوا ولا زال بعضهم في مناصب قيادية عليا، تخرجوا في الأكاديمية، بينما أمير قطر الحالي والسلطان قابوس وملك الأردن وأمير البحرين جميعهم خريجو الأكاديمية نفسها. ناهيك أنَّه من ضمن 72 ضابطًا جديدًا استقبلتهم الأكاديمية من خارج بريطانيا، 40% منهم عربًا. فما هي هذه الأكاديمية وما سرّ ارتباط زعماء وقادة دول الخليج بها؟

المعلومة الأولى التي يجب أن تعلمها، أنَّ الخليج كان واقعًا تحت الاستعمار البريطاني. أربعة من الحُكَّام الحاليين لدول خليجية تخرَّجوا في نَفس الأكاديمية: السُّلطان قابوس بن سعيد، ملك الأردن عبد الله بن الحسين، ملك البحرين حمد بن عيسى، وأمير قطر تميم بن حمد (تخرج والده كذلك في نفس الأكاديمية). كذلك فقد تخرَّج في نفس الأكاديمية عددٌ هائل من أمراء وأميرات الخليج، وهذه قائمة بأبرزهم:

من الإمارات: الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس دولة الإمارات. وولده الشيخ حمدان ولي عهد دُبيّ. وكذلك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
من السعودية: الأمير متعب بن عبدالله بن عبد العزيز، وزير الحرس الوطني السعودي في عهد والده. وقد كان أحد أهم الشخصيات في المملكة والمنطقة أثناء حكم والده. والأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الاستخبارات العامة السعودية، والأمير محمد بن نواف بن عبدالعزيز آل سعود سفير السعودية لدى بريطانيا العظمى وجمهورية أيرلندا.
من قطر: الأمير الحالي لقطر الشيخ تميم، ووالده، أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة.
كما تخرَّج في الأكاديمية كذلك الملك عبد الله بن حسين، الملك الحالي للأردن، ومن الكويت الشيخ مبارك عبدالله الجابر الصباح أول رئيس لهيئة الأركان العامة في الجيش، وملك البحرين الحالي الشيخ حمد بن عيسى، وولداه الشيخان ناصر وحمد.
الأكاديمية تعطي تدريسًا مكثَّفًا قوامه 44 أسبوعًا بتكلفة 220 ألف دولار أمريكي. تتركز مهمَّتها في تدريب ضباط الجيش البريطاني، لكنها تقبل عددًا من الطلاب من مختلف دول العالم. حاليًا يوجد 6 رؤساء وملوك حول العالم درسوا في الأكاديميَّة، هل تتخيَّل كيف هي قوة بريطانيا غير الظاهرة إذن؟

وفقًا لـ BBCكانت جنازة ملك الأردن السابق (الملك حسين) عام 1999 جنازة فارقة، الجنرال آرثر دينارو القائد بأكاديمية ساندهيرست السابق، ووزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط كان حاضرًا في الجنازة، رئيس الوزراء توني بلير كان حاضرًا في الجنازة، وجد بلير نفسه أمام وزيره الذي يُصافح كبار أمراء الخليج وكبار رجالات الدول حول العالم (منهم سلطان بروناي على سبيل المثال) وهو يعرفهم، سأله بلير: كيف تعرفت على كل هؤلاء؟ فقال له الجنرال دينارو: لأنهم تتلمذوا في ساندهيرست. وكما ذكرنا 40% من الطلاب الأجانب عن بريطانيا في الأكاديمية للسنة الماضية من الخليج.

وفقًا للعديد من المحللين فإنَّ خرّيجي الأكاديمية يستخدمون علاقاتهم بكبار رجال السِّلاح في العالم (أو في المنطقة)، والذين يكونون في أغلب الأوقات زملاءهم في الكلية للقيام بانقلابات، أو للاستيلاء على السلطة. في العام 1966 كان الضابط النيجيري شوكوما كادونا قد أتمّ دراسته في الكليَّة ليعود إلى نيجيريا ويقوم بانقلابٍ عسكريّ دمويّ يُقتل فيه رئيس مجلس الدولة ورئيس مجلس الوزراء، واثنان من رؤساء الوزراء الإقليميين، التركيبة في نيجيريا معقَّدة للغاية، ما دفع الإقليم الشرقي للانفصال عن دولة نيجيريا وتأسيس دولة بيافرا، والتي امتدّ الصراع عليها منذ العام 1967 وحتى 1970 حين تمت تصفية التمرُّد.

هذا الانقلاب لم يكن الوحيد، فانقلاب العقيد مُعمر القذافي كذلك في العام 1969 على حكم الدولة السنوسيَّة إحدى الانقلابات التي يتم احتسابها في عداد انقلابات ضباط أكاديمية ساندهيرست. ورغم أنَّ الأكاديمية تُنكرُ انتماء القذافي إليها يومًا من الأيام، التقارير الصحفية تؤكد انتماءه لها. وهذا الانقلاب تبعهُ انقلابٌ آخر في سلطنة عُمان.

الضابط الذي درس في الأكاديمية وخدم كضابط في الجيش البريطاني في ألمانيا، قاد انقلابًا على والده السلطان سعيد. كان هذا عام 1970 عندما أمر الأمير قابوس
عساكره المخلصين له بمحاصرة قصر والده في حصن صلالة، واستولى على السلطة ونفى والده إلى لندن حتى توفي هناك عام 1972. تقارير تتحدث عن إعانة تلقاها من أحد الضباط البريطانيين الذين عرفهم أثناء دراسته.
يفتخر زعماء الخليج بانتمائهم للأكاديمية، محمد بن زايد خرِّيج الأكاديمية وولي عهد أبو ظبي دشَّن مقرًا للأكاديمية في أبو ظبي لتدريب الضُّبَّاط من دول الخليج المجاورة. في العام 2011 أعلنت السُّلطات الأردنية عن تدشين كليَّة عسكرية تابعة للقوات المسلحة الأردنية على غرار ونمط أكاديمية ساندهيرست ولكنها ليست تابعة لها. أمير البحرين حين زار بريطانيا عام 2006، كانت الزيارة تركز على قضايا الدِّفاع والأمن استهلها بزيارة الأكاديمية.

أموال أمراء الخليج، حقَّقَت لهم بعض هذا الفخر، بتبرُّع العديد من الأمراء بأموال طائلة لمجرد وضع اسمهم على أحد مباني الأكاديمية مثلًا. ساندهيرست قبلت منحة بقيمة 15 مليون استرليني من الإمارات عام 2013 لبناء مُجَمَّع إقامة يحمل اسم «مبنى زايد». يتكرَّر الأمر مع أمير البحرين. المركز الرياضي في الأكاديمية يُسمَّى «مونس هول» نسبةً إلى المعركة الشهيرة في الحرب العالمية الأولى (سقط فيها 1600بريطاني في أغسطس 1914)، الأمير حمد بن عيسى تبرَّع بمبلغ كبير (3مليون استرليني) لتشييد الصالة، وتمت تسميتها «كنج حمد هول». وهو ما أثار موجة من الغضب في بريطانيا. الأمير حمد يدرس حوالي 20 من أفراد أسرته المالكة في الأكاديمية.

تمنح الأكاديمية بريطانيا قوةً لا يُستهان بها في الخليج، فأغلب أمراء الخليج تخرَّجوا في الأكاديمية، ناهيك عن السِّياسة الخارجية القويَّة، فإنّ بريطانيا تستفيد من استثمارات دُول الخليج على أرضها بشكلٍ كبير. بالخصوص قطر والإمارات. ما دفع الدايلي مايل لنشر مقال بعنوان: قطر.. الدويلة الخليجية التي اشترت بريطانيا. تقارير عديدة وتصريحات لضُبَّاط بالأكاديمية تُوضِّح أنَّ بريطانيا تعتَمِد على خريجي الأكاديمية، حتى الاستفادة بهم في المبيعات العسكرية، كما صرَّح بذلك العميد سينوك، ملحق الدِّفاع السَّابق في السُّعودية لـ BBC.

دولة الإمارات تموِّل عمليات تطوير البنية التحتية في بريطانيا وآبار النِّفط، بينما تقوم قطر بدورٍ أكبر بكثير. يمتلك القطريون بُرج شارد، أطول مبنى من الصُّلب والزُّجاج في أوروبا، ويمتلكون القرية الأوليمبية، وهارودز وهو أحد أشهر المحلات التُّجارية الضَّخمة، اشترته العائلة المالكة في قطر عام 2010 بأموال قدَّرتها وسائل إعلام بـ 1.5 مليار جنيه استرليني (2.2 مليار دولار أمريكي). لا يتوقف الاستثمار القطري عند هذا. فالقطريون يمتلكون مساحات شاسعة من حي كناري وارف المالي، وحينما واجه بنك باركليز ورطة في خِضَمّ الاضطرابات المصرفية أصبحت قطر أكبر مُسَاهِم في البنك وأنقذته. كما تمتلك كذلك 20% من بورصة لندن. ليس هذا فقط، ويمكنك الاطلاع على مقال الدايلي ميل المشار إليه في الفقرة السابقة.

هل عرفت الآن كيف لا يترُك الاستعمار البلاد التي استغلَّها نهائيًا؟ فبريطانيا لا زالت حاضرة في دول الخليج بقوى أخرى غير قوى جيوشها، فمن ناحية تُدرِّب أغلب أمراء الخليج، وتظلّ معهم على علاقات جيدة، وهذا يسهل لها مصالحها في الخليج، ويجعلها تستفيد من النفط والغاز، ثمَّ من الاستثمارات، التي جعلت «دويلة» مثل قطر، تمتلك نصف بريطانيا.