علي جاحز
صنعاء | قبيل دخول اعتداءات «عاصفة الحزم» على اليمن أسبوعها الثاني، خرجت تحركات تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في حضرموت (جنوبي شرقي) إلى واجهة المشهد المشتعل، لتؤدي من جديد دوراً أقرب إلى «التوظيفي»، بعد سقوط أهم وأخطر معاقله في الشمال والجنوب باستثناء محافظتي حضرموت ومأرب. قبل يومين، فاجأ عناصر «القاعدة» مدينة المكلا بهجومٍ مباغت على مؤسساتها ومصارفها، ونصب التنظيم النقاط في شوارعها وأسقط مقار أمنية. بعض عناصر الأمن حاولوا مواجهته، من دون أن يستطيعوا الصمود أمامه بسبب عدم وجود إمدادات من قبل معسكرات الجيش والأمن، الأمر الذي مكّن «القاعدة» من القضاء على كل الوحدات المقاومة والسيطرة الكاملة على المكلا.
وفي وقتٍ بات فيه الجيش اليمني هدفاً لطائرات التحالف في بقية المحافظات، بذريعة أنه صار تحت سيطرة «أنصار الله»، فإن قواته في حضرموت كانت حتى أول من أمس، لا تزال بعيدة عن قصف طائرات العدوان السعودي، وهو ما مكّنه من تحريك طائراته لشن غارة على «القاعدة» أثناء حصاره للبنك المركزي في المكلا قبل أن يقتحمه وينهب خزينته.
«عاصفة الحزم» التي يشنها العدوان السعودي، فشلت حتى الآن في إيقاف الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» التابعة لـ«أنصار الله» في تطهير عدن من «القاعدة» وما بقي من المجموعات المسلحة المؤيدة للرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي بعد تطهير لحج والضالع وأبين وشبوة، ولم تقترب من مواقع الجيش وقيادته وقواعده في حضرموت، لكن يبدو أنها بدأت بتنفيذ سيناريو مختلف هناك، وهو ما تجلّى في تمكين «القاعدة» من السيطرة على مدينة المكلا بصورةٍ كاملة. هذا الأمر يؤكده رئيس فرع حزب «التجمع الوحدوي الاشتراكي» في حضرموت، ناصر باقزقوز، بالقول إن طائرات «عاصفة الحزم» التي لم تستهدف «القاعدة»، تركّز قصفها على معسكرات ومواقع للجيش لم تستسلم لـ«القاعدة» بعد، لافتاً إلى أن تحرُّك التنظيم في حضرموت يأتي ضمن مخطط العدوان السعودي نفسه.
وفي ظلّ تعتيم إعلامي على ما يجري في حضرموت، كشف باقزقوز لـ«الأخبار» أن «القاعدة»، تسلّم ميناء المكلا ومبنى قيادة المنطقة العسكرية الثانية وقيادة قوات النجدة ودخل من دون أي مقاومة، مؤكداً أنه بات يسيطر على كل المؤسسات الحكومية والشوارع، وكذلك تسلّم القصر الرئاسي. واستطرد المسؤول الحزبي مؤكداً أن قيادة السلطة المحلية في المحافظة اختفت تماماً بعد سيطرة التنظيم.
وفي تشديد على أن التحرك المفاجئ لـ«القاعدة» منذ الخميس الماضي يأتي في سياق العدوان السعودي وتحالفه ضد اليمن واستهداف الجيش، يقول باقزقوز إن «جميع المعسكرات والمؤسسات الأمنية الموالية للرئيس المستقيل هادي هي التي سلّمت للقاعدة المقار في المكلا من دون مقاومة بينما أكثر المعسكرات مثل الأمن المركزي والألوية التابعة للجيش الواقعة خارج المدينة لم تقترب منها القاعدة حتى الآن»، مشيراً إلى أن صراعاً بدأ يحتدم الآن بين عناصر «القاعدة» والمسلحين الموالين لهادي على الأشياء المنهوبة. وفي ردّه على سؤال عن إقدام الجيش على تحريك طائرة يوم أمس، لشنّ غارة على «القاعدة» في المكلا، قال باقزقوز: «الطائرة التي حلقت أمس في أجواء المكلا لم تقصف القاعدة التي كانت تنهب البنك المركزي، بل قصفت الإذاعة التي تقع خلف البنك المركزي» من طريق الخطأ، مشيراً إلى أن أفراداً قليلين من جنود الأمن المركزي الخاص، هم فقط من قاوم «القاعدة» وجرى القضاء عليهم تماماً ولم تتحرك أي تعزيزات لنجدتهم.
يمكن القول إن حركة «القاعدة» في الجنوب تمثل منطلقاً للعدوان السعودي لفتح جبهة برّية في اليمن، في ظلّ إدراك التحالف لصعوبة اتخاذ قرار التدخل البرّي. في السياق، يكشف باقزقوز أن هناك طائرات من دون طيار أميركية حلقت أول من أمس، فوق ساحل حضرموت في الغيل والشحر والتين بالتزامن مع استكمال إجراءات تسليم المكلا للقاعدة بشكل سلس، مشيراً إلى أن كل مناطق حضرموت حالياً لا تزال في قبضة الجيش اليمني الموالي لصنعاء، ما عدا المواقع التي سيطر عليها «القاعدة». كذلك، توقع استهداف الطائرات السعودية للجيش في حضرموت.
مراقبون وسياسيون تحدثوا عن إمكانية سقوط كامل لحضرموت بيد «القاعدة» أو إنزال قوات سعودية برّية، وأن يُستثمَر ما فعله «القاعدة» في حضرموت كذريعة للتدخل الأجنبي مثلما جرى في العراق وغيرها. وكان مدير فرع جهاز الأمن القومي في حضرموت، علي المحوري، قد أحرق مبنى الأمن القومي في المكلا قبل أن تصل إليه العناصر الإرهابيون، مغادراً المحافظة بعد مقاومة هجومها.
يأتي ذلك في وقتٍ أكد فيه محافظ حضرموت، عادل محمد باحميد، أن ما يجري اليوم في مدينة المكلا من نهب وسلب وتخريب واعتداء على المصالح العامة والخاصة، «ما هو إلا مشهد ضمن سيناريو يراد منه إسقاط هذه المحافظة وأهلها في براثن الفوضى والاقتتال خدمة لأجندة لم يعجبها انحياز أبناء حضرموت لصوت العقل والاتزان والبعد عن الانزلاق في أتون الصراع». وفيما تؤكد الأنباء سقوط المكلا بالكامل، يقول باحميد في بيان: «لقد تم خلال الساعات الماضية وبسعي وجهد مخلص من عدد من الشخصيات الاجتماعية وجهود الشباب الرائعين ترتيب عدد من الحراسات لبعض المرافق والمصالح العامة في المدينة والعمل جار على استكمال تلك الحراسات لمنع عمليات النهب والسرقة التي لا تجوز شرعاً ولا تليق بأحفاد من أدخلوا الملايين في دين الإسلام بأخلاقهم ومعاملاتهم»، مطالباً كل المواطنين بالمساعدة في هذا الجهد «بتأمين كافة المرافق والمصالح العامة والخاصة في أحيائهم وترتيب ذلك وفقاً ونظام الحراسات الأهلية».
إلى ذلك، أوضح المتحدث الرسمي باسم «حلف قبائل حضرموت»، صالح مولى الدويلة، أن «الحلف قرر الزحف إلى مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت للسيطرة عليها والقيام بمهمة حفظ الأمن وإعادة الاستقرار». ولفت في تصريحات إعلامية، إلى أن التحركات القبلية التي ستزحف من مدن الساحل ومديريات وادي حضرموت ستصل المكلا خلال الساعات المقبلة، وبحسب محللين فإن تحرك حلف قبائل حضرموت يأتي استباقاً لتحرك الجيش و«أنصار الله».
عن صحيفة "الاخبار" اللبنانية