2024-11-30 12:48 م

تدمير التراث .. جرائمُ ’الوهابية’ التي لا تُغتفر

2015-03-01
نور أيوب
الاثنين 26 شباط من العام 2001، حركة طالبان تنفّذ جريمة بحق التاريخ الإنساني وتراثه. يومها فجّرت "الخلافة الإسلامية الأفغانية" بفتوى أميرها "الملا عمر"، تمثالين لبوذا في منطقة "باميان" الأفغانية. حاول العالم أجمع ثني طالبان عن جنونها، لكنه لم يلقَ آذاناً صاغية. فجّرت طالبان التمثالين، وتباهت بعملها، وتعهدت بإزالة مظاهر الشرك من أفغانستان. حينها قال وكيل أحمد متوكل، وزير خارجية طالبان "أن تدمير هذه الاصنام يستند إلى التعاليم الاسلامية، وأننا لن نستثني تماثيل من عصر ما قبل الاسلام أو ما بعده". ترجع أصل هذه الفتاوى لأبن تيمية، ولخلفه محمد بن عبد الوهاب، الداعين لإزالة مظاهر الشرك بالله. لم تكن هذه الحادثة هي الأولى، من أتباع المدرسة الوهابية، فلقد سبقت "المملكة الوهابية السعودية" "إمارة طالبان" بذلك. لم تهدم آثاراً هندوسية، أو أصناماً أو أوثاناً، بل آثاراً إسلاميةً بحتة في مكة المكرّمة والمدينة. 

عن الهدم في السعودية – الحلقةُ الأوّلى
بدأت قصّة الهدم عام 1805م. يوم هدّم الوهابيّون آثاراً إسلامية في المدينة المنورة. إلا أن حفلة الجنون الكبرى، كانت عام 1926، عندما حاول الوهابيون مع جنود الملك عبد العزيز هدم قبّة المسجد النبوي، وتسوية قبر الرسول محمد بالأرض.  صيحفة الإندبنت البريطانية في العام الماضي، ذكرت أن "السعودية" بدأت بمشروع هدم منزل النبي "مكان مولده" لبناء قصر ملكي رخامي كبير للملك عبد الله وذلك ليكون محل إقامته عند زيارته لمكّة. كما تسببت أيضاً، أي "السعودية" بتدمير ما يقارب 95% من بناءات مكة القديمة لاستبدالها بفنادق ضخمة ومراكز للتسوق. طبعاً هذه الخطوات لا يمكن للسلطة السياسية اتخاذها من دون الغطاء الشرعي من المؤسسة الدينية.
تواصل مسلسل "إزالة مظاهر الشرك"، وحطّ في ربوع "الإمارات والدول الوهابية". "دولة الملا عمر"، و"دولة البغدادي"، إضافةً للمُصدّر الرئيس "المملكة السعودية". 
الثالثة
في أحدى رسائله الصوتية، دعا "أبو محمد العدناني"، الناطق الرسمي باسم داعش، إلى "هدم وإزالة مظاهر الشرك في بلاد المسلمين". لاقى خطابه صدىً في النفوس "الأبية" في تنظيمه. سارع عناصر التنظيم إلى تنفيذ "فرمان" الخليفة، تسابقوا بحمل معاولهم وصواعقهم المتفجرة لكسر وتفخيخ وتفجير الأوثان والأصنام، وتصوير هذه الأحداث وتوثيقها. أنتجوا أفلاماً قصيرة، وعرضوا تقارير "مصورة" على مواقعهم الإلكترونية. تفاعل "المجاهدون" مع الحدث، وبكوا عند سؤالهم عن شعورهم، "فهم يطبّقون شرع الله، ويحمدونه على العيش تحت كنف الدولة والخليفة". 
مليئةٌ ذاكرة سوريا بالمآسي. مليئةٌ بجرائم "داعش" بحقها. تساوى البشر والشجر والمدر، تحت حكم داعش. فذبح جنود الجيش السوري، والمحكومين "بالكفر والردة" ،(على سبيل المثال لا الحصر، سبّ أحدهم "رب المازوت"، فاتهم بالكفر وكان مصيره الذبح)، وشجرة البلوط في بلدة أطمة، وقبور الأولياء في الرقة ودير الزور، ذكرياتٌ لن تمحى من أذهان البشر. 
بعد إعلان "الخلافة"، اتسعت رقعة نفوذ داعش، واستمر مسلسل الهدم. لعلّ "داعش" تغار من الحجارة أو تهابها، أو تكره التاريخ والإنسانية. لم تحتمل وجوداً للماضي، ولم تحترم حرمة ميّت، أو حتّى لتمثالٍ أصم، لن يعارض "خليفتها". ذهل العالم بما رأى في إصدار "داعش" الجديد. الإصدار الذي حمل عنوان "الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر – الجزء الأول". جاء بتوقيع المكتب الإعلامي لولاية نينوى، أحد ولايات "الخلافة". تأثر المجتمع العالمي بما حدث، وتعاطف مع التاريخ، وأدان مجزرةً بحجم عمر البشرية. لكن ، وللأسف، غاب عنه كثيراً مشاهد كانت أكثر شدّةً بحق آثار العراق وسوريا، التي انتشرت على المواقع الإلكترونية المبياعة للبغدادي العام الماضي. فالموصل ومسجد النبي يونس، يشهد إجرام "عبواتهم"، كما سيشهد تمثال المرأة الآشورية المحطم على الأرض، رجعية فتاوىٍ تُرجع البشرية إلى ما قبل الجاهلية. 
الوهابية ومشروعها
بالأمس، التقى التاريخ. وعزّت الأعوام بعضها وتصبّرت. جُرح التاريخ مرّةً أخرى، فالملك والأمير والخليفة، وإن اختلفوا أحياناً فأنهم يتلاقون كثيراً، فالمدرسة الواحدة أي الوهابية، تختلف في التكتيك ولكنها تتفق في المشروع. مشروع طمس النور الإنساني، وزرع الظلام، من أفغانستان للعراق وسوريا للسعودية، ظلام أحلك من الجاهلية، لا يُبقِ ولا يذر، إلا من آمن "بعبد الوهاب"، و"ابن تيمية".
عن موقع "العهد" الاخباري