2024-11-26 11:38 م

السعودية و«الإرهاب».. وبينهما الـ «سي آي إيه»

2015-02-17
أعادت الاتهامات الجديدة التي أطلقها سجين تنظيم «القاعدة» في الولايات المتحدة زكـــريا موسوي، مؤخراً، إحياء تساؤلات حول الدعم السعودي الرســمي لهجـــمات 11 أيلول العام 2001 في نيويورك وواشنطن، في وقت تواجه فيه السعودية تحديات داخلية متعلـــقة بارتدادات تمويلها للجماعـــات الإرهابية، حيث شهدت الفترة الأخيرة حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً من العناصر السابقين في تنظيم «القاعدة»، ناهيك عن ظهور شبكات مرتبطة بتنظيم «داعش» داخل المملكة النفطية.
وأثارت شهادة علنية لموسوي، الذي يعد أحد الأعضاء الفاعلين في فرق عمليات «القاعدة»، جدلاً واسعاً بشأن احتمال تورط شخصيات بارزة من العائلة المالكة السعودية في عمليات تمويل واسعة وأساسية للتنظيم المتشدد في التسعينيات.
التقارير بشأن هذه الاتهامات شجعت البعض على إعادة إحياء أسئلة قديمة حول فرضية دعم الحكومة السعودية لهجمات 11 أيلول.
وبالرغم من أن فرضية كهذه تشكل قفزة كبيرة في الادعاءات التي لا يمكن إثباتها، الا أن الضجة التي أثيرت حول التمويل السعودي المحتمل لتنظيم «القاعدة» خلال الفترة التي سبقت «غزوة نيويورك» يدعمها اتجاهان رئيسيان:
الاتجاه الاول، مبني على شهادة موسوي الملقب بـ «الخاطف العشرين»، والذي يقضي الآن عقوبة السجن لمدى الحياة في أحد السجون الاتحادية الأميركية ذات الحراسة المشددة، وهذه الشهادة دفعت الفرضية إلى المواجهة مجدداً.
أما الاتجاه الثاني، فيستند إلى اتهامات بالتمويل السعودي لـ «القاعدة» تضمنها تقرير للكونغرس بشأن هجمات 11 أيلول، ولم يتم الكشف عنه حتى الآن.
أن تكون السعودية، أو العائلة الحاكمة، ضالعة في هجوم على نيويورك وواشنطن، هو أمر يصعب إثباته، كما أنه غير منطقي، حيث أن الطبقة الحاكمة في المملكة النفطية قررت منذ فترة طويلة مقايضة استقلالية سياستها الخارجية بالمظلة الأمنية الأميركية، نظراً إلى أنها تحكم بلداً بمقدرات نفطية كبيرة، ولا يمكنها أن تحمي نفسها من التهديدات الخارجية.
وأكثر من ذلك، فإن الحكام السعوديين يستثمرون بثقل كبير في سوق الأوراق المالية في نيويورك، وهم تعرضوا لخسائر كبيرة في 12 أيلول عقب الهجمات، وفي ما بعد، بعدما فقدت هذه السوق نصف قيمتها بشكل مفاجئ.
ومن الممكن أن يكون الزعيم السابق لتنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن قد استفاد من عمليات التمويل التي قدمتها له شخصيات سعودية في الثمانينيات والتسعينيات، إلا أنه من المستبعد أن يكون هذا الأمر مرتبطاً بمعرفة هؤلاء بأنه كان يخطط لضرب الولايات المتحدة.
وكانت عمليات التمويل هذه مرتبطة بشكل مباشر بأفغانستان، وهي تشكل استمرارية للسياسات التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن، بعد وصوله الى البيت الابيض في العام 1981، عندما قامت إدارته بالرد على سيطرة الاتحاد السوفياتي على أفغانستان في العام 1978، وتدخل الجيش السوفياتي هناك.
وقتــها، قامت الولايـــات المتحدة بدعم التنظيمات «الجهادية السرية» في افغانستان، أو ما اصطلح على تسميته بجماعة «المجاهـــدين». وغالبية هذه الجماعات تم تشكيلها من مجموعات اللاجـــئين الأفغان في شمال باكستان، ولم يكونوا جمـــيعاً من حاملي العقـــيدة الدينـــية في بداية الأمر، بالرغـــم من أن بعضــهم كان متـــطرفاً أصـــولياً، على غـــرار اولئـــك المنتــمين الى الجـــماعة التي كـــان يتزعمـــها قلب الديــن حكمـــتيار «حزب الإسلام».
وتلقى حكمتيار حصة الأسد من عمليـات تمويل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، لأن مجموعته كانت الأكثر شراسة وفعالية في القتال، ولكن جماعة أخرى نمت في الثمانينيات، وكانت تعرف باسم «مكتب الخدمات»، وتتبع الى أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
ودفعت إدارة ريغن نحو تشكيل جيوش خاصة، من أجل تحويل أفغانستان إلى فيتنام ثانية في وجه الاتحاد السوفياتي، دافعة بالسعودية إلى إيجاد ممولين سرّيين وحشد متطوعين.
ويقال إن وزارة الاستخبارات السعودية، بالتعاون مع واشنطن على الأرجح، استدلت إلى عائلة بن لادن، التي تملك مليارات الدولارات، وقامت بتجنيد الشاب المتدين أسامة، الذي كان يملك مكانة اجتماعية كبيرة.
وكان بن لادن يموّل هذه العمليات في البداية، بما أنه كان رجلاً بارزاً، ومن نخبة رجال الأعمال (تعود جذور العائلة إلى اليمن ولكنه كان أحد أكبر المقاولين السعوديين)، وقد أثبت نفسه كممول ومحرض ناجح على «الجهاد» في المساجد، وفي المناسبات الاجتماعية السعودية.
المتطوعون العرب الذين نجح بن لادن في تجنيدهم ودعمهم، نسقوا مع «المجاهدين» الأفغان.
وتزعم الـ»سي آي إيه» انه لم يتم تدريب العرب أو تجهيزهم في معسكراتها، ولكن من المؤكد أن تقنيات القتال، من عمليات سرية وأساليب حرب العصابات، التي تلقنها «المجاهدون» ذهبت مباشرة إلى مقاتلي «مكتب الخدمات»، الذي أطلق عليه بن لادن في أواخر الثمانينيات اسم «القاعدة».
خرج السوفيات في العام 1988، تاركين خلفهم حكومة رجلهم القوي محمد نجيب الله الشيوعية، التي ظلت صامدة أمام «المجاهدين» حتى العام 1992، حين دخلوا العاصمة كابول.
العديد من المقاتلين العرب في تنظيم «القاعدة» عادوا إلى بلدانهم بعد ذلك، إلا أن جزءاً منهم بقي هناك.
وعاد بن لادن إلى السعودية في العام 1989، ولكنه اختلف مع الملك فهد بن عبد العزيز، الذي وافق في العام 1990 على إدخال القوات الغربية إلى السعودية من أجل التحضير لحرب الخليج الأولى.
وقطع بن لادن علاقته بالعائلة الملكية، وتحول إلى «منشق» عنها، لأنه جمع عصابته القديمة، من أجل القيام بالعملية عوضاً عن الأميركيين، ولكن الملك فهد فضل قوات «المارينز» على متطوعي «القاعدة» المتطرفين «ذوي الثياب الرثة».
نتيجة لذلك، هاجر بن لادن إلى السودان، وتم تجريده من الجنسية السعودية. وتحت ضغط من الرياض وواشنطن، طردته الخرطوم في العام 1995، ليعود أدراجه إلى أفغانستان، حيث كان هناك عدد من «المجاهدين» القدامى الذين بقوا على اتصال به، ولكنهم بدأوا بالاصطفاف إلى جانب الملا عمر وحركة «طالبان» الجديدة، وهم قاموا بتقديم بن لادن إلى الأخير، لتجمعهما شراكة وصداقة عميقة.
أعاد بن لادن تجميع «القاعدة» من عناصر ما كان يسمى «اللواء 55» في «طالبان»، وكانوا من أفضل المقاتلين، الذين اخذوا يمدون سيطرتهم تدريجياً في الشطر الشمالي الشرقي من أفغانستان.
ومما لا شك فيه أن عناصر في السعودية والإمارات وباكستان قاموا بدعم «القاعدة» بشكل كبير، والتي تشكلت بعد كل شيء من «اللواء 55».
وقصدت هذه الدول من وراء عمليات التمويل تكريس أفغانستان كميدان تأثير للكتلة «الإسلامية السنية» في الخليج وبحر العرب ضد إيران والهند والجمهورية الروسية الناشئة، ولم يكن أحد منهم يعلم أن بن لادن كان يخطط من أجل مهاجمة حليفــهم الرئيــسي، أي الولايات المتحدة، التي اعتمدوا عليها بشــكل كـــبير للحــفاظ على أمنهــم وأمــوالهم.
روايات الموسوي عن الغدر السعودي ليست مقنعة، فأي أحد قرأ شهادته يمكنه أن يميز أنه «مضطرب عقلياً»، وفي جميع الأحوال، فإن أحد أهداف «القاعدة» من وراء الهجمات كان خلق خلاف بين السعودية والولايات المتحدة من أجل إزاحة آل سعود، وهو ما يدل عليه اختيار بن لادن للسعوديين كقوة ضاربة في هجمات 11 أيلول، أكثر من الغالبية من المصريين واليمنيين وجنسيات عربية أخرى موجودة في التنظيم، وبعمله هذا كان يحاول أن يباعد بين واشنطن والرياض.
وثمة قدر كبير من اللوم يجب أن يلقى على الولايات المتحدة التي حركت عمليات «الجهاد» ضد السوفيات، وجعلت من «الأصولية المعادية للإمبريالية» تقليداً سيعود لينفجر على واشنطن لا محال، بالإضافة إلى ما تواجهه السعودية والمصالح الأميركية في الرياض اليوم، وهو ما تدل عليه حادثة إطلاق النار الأخيرة على الأميركيين في الرياض.
(عن مقال لـ «مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة ميشيغان» جوان كول، و «معهد واشنطن»)
عن صحيفة "السفير" اللبنانية