كتب أليف صبّاغ
لا يمكن رسم صورة للخارطة السياسية او الحزبية في اسرائيل في خضم معركة انتخابات لم تفرز نتائجها بعد، حتى ان الاحزاب لم تبلور قوائمها امام الناخبين حتى الأن. ان الاعتماد على استطلاعات الرأي العام، في هذه الانتخابات بالذات، قد يجد نفسه في غيبوبة عند سماع النتائج، خاصة مع كثرة شركات استطلاع الرأي العام والارباح التي تجنيها من كل استطلاع. ففي حين ان وسائل الاعلام ومراكز الابحاث هي التي طلبت الاستطلاعات من قبل لاهداف بحثية او إثارة اعلامية، الا ان هذه المؤسسات لم تعد الوحيدة في الساحة السياسية بل دأبت الاحزاب بوسائل نختلفة على طلب الاستطلاعات، ليس بهدف الاطلاع على الرأي العام بل بهدف التأثير على الرأي العام، وفق المثل القائل: "ليعرفوا من اين تؤكل الكتف"، او لجذ المصوتين المترددين نحو القوة الاكبر افتراضيا لتصبح هي الاقوى فعليا.
لقد فاجات الانتخابات الداخلية لحزب الليكود جميع المعلقين حتى المرشحين انفسهم، لم يعتقد احد ان يتم اخراج موشيه فيغلين وحوطوفيلي، الرموز الاكثر تطرفا داخل الليكود، من قائمة المرشحين المضمونين، خاصة وان الليكود يزحف نحو اليمين المتطرف في سياسته الفعلية، ويبدو انه ينافس نفتالي بينيط ، رئيس حزب البيت اليهودي، حزب المستوطنين، على الأصوات الاكثر يمينية! إذن كيف يمكن ان نفسر نتائج الانتخابات الداخلية لحزب الليكود؟
الجواب على هذا السؤال يحتاج الى مزيد من الوقت لاتضاح الصورة، والى رؤية مركبة ومتعددة الزوايا. صحيح ان بنيامين نتانياهو يقود سياسة يمينية متطرفة على ارض الواقع ويخشى من بروز شخصيات اكثر يمينية منه داخل حزبه مثل فيغلين او حارجه منثن فتالي بينيط، وعليه فهو يعمل على تحطيم هذه الشخصيات باساليب مختلفة، ومن الاسهل ان يعمل داخل الحزب من العمل خارجه. ولا شك ان بيبي نتانياهو يشكل القاسم المشترك الاعظم داخل حزبه وداخل صفوف اليمين الاسرائيلي عامة، فهو يميني متطرف في سياسته الفعلية من ناحية، ولكنه يريد ان يظهر وكانه قائد الخط الصهيوني القومي الوسط امام العالم، وقد حاول خلال السنوات السابقة ان يوازن بين حلفائه من اليمين وحلفائه من المركز اليميني اللبرالي، ولا عجب ان يشكل نتنياهو حكومته القادمة مع هذين التيارين وهو في وسطهما، وهو بذلك يضعف من قوة حلفائه كل على حساب الآخر، ولا عجب ايضا ان يشكل حكومته مع أحزاب الوسط مستثنيا بذلك اليمين الاكثر تطرفا ايضا. الليكود ، بانتخاباته الداخلية كتب رسالة واضحة تقول: ما يريده الزعيم، بيبي، هو ما سيحصل، وان الزعيم هو الشخص الوحيد القادر على المراوغة امام العالم الذي يريد ان يرى نهاية لمعاناة الشعب الفلسطيني. لقد كان انتخاب يولي ادلشطاين، رئيس الكنيست الحالي، في المكان الثالث في قائمة الليكود وآخرين في راس القائمة امعانا من اعضاء الليكود في ابراز الشخصيات التي تشكل اجماعا صهيونيا، وفي داخل الليكود ايضا. اما امثال فيغلين فهي اصوات مزعجة وفاضحة تعطل على الليكود ان يظهر امام الناخب الاسرائيلي وامام العالم وكأنه الخط المركزي الاسرائيلي. فمن اعتقد ان الليكود تنازل عن اصوات المركز لصالح الأحزاب الاخرى يبدو انه اخطأ.