2024-11-25 04:30 ص

الشعر فن وصياغة وموسيقى

2014-12-28
بقلم: يوسف علي خان
اشتهر العرب قديما بنظم الشعر وابدعوا به وكان لسوق عكاظ شهرته المعروفة باعتباره اكبر منتدى للتبارى... بالقاء الشعر حيث كان يحضره فحول الشعر العربي ويقدموا فيه قصائدهم الرائعة ذات الكلام المقفى والوزن الموسيقي البديع واللحن الطربي الممتع... يشنف اذان المستمع اليه ويطربه بالوانه المتنوعة واهدافه المختلفة من المدح الى الهجاء و الى الغزل العاطفي الرقيق... حيث ابدعوا في جميع هذه المجالات بشعر محبوك و وبقاواف بديعة وبشطرها وعجزها التى انفردت به العرب دون غيرهم من الشعوب والامم فكانوا بحق وحقيق صناع الشعر ومبدعيه.... واستمر الشعر بهذا المستوى الرفيع حتى بعد ظهور الاسلام ومرورا بعهد الخلفاء الراشدين حيث برز فيه ليس فقط شعراء من الرجال بل برز في الشعر الكثير من نساء المسلمين كالخنساء وغيرها... وكل اولئك الشعراء التزموا باوزان الشعر وقوافيه ولم ينزلقوا الى هذا الد رك الذى يسمونه اليوم بالشعر الحر... وكان لذ لك الشعر دوره العظيم في شحذ الهمم واثارة المشاعر وكم هز هذا الشعر من عروش واطاح من كراسي بفضل الحماسة التى أثارها في نفوس الجماهير الغاضبة و الجيوش المقاتلة وكان احد عوامل انتصارها وكان للشعر في حياة الدولة الاموية نفس التا ثير الذى عرف به قبل الاسلام وبنفس المتانة والحبكة وكان لذاك العصر شعرائه البارزين.... واما في العصر العباسي فقد لعب دورا رائعا وعظيما في الغزل والمديح والهجاء دون ان يسف ويضعف اويتخلى عن اوزانه وقوافيه وقد انتقل الى الاندلس بجميع خصائصه الاصيلة وبرزت روائع من الشعر والموشحات التي التزمت بالوزن ولم تتخلى عنه حتى في بلاد الافرنجه... وقد قرأ نا اروع القصائد لابن زيدون واخرين مع تلك المعاني والمقاصد ولم يتاثروا بشعراء الغرب واشكال شعرهم التي لاتعدوا عن كلام مجمع غير ملتزم بقانون او قافية 0وفي الاجمال فان الشعر في جميع تلك العهود كان شعرا رائعا يطوف على اوزان من الموسيقى العذبة والشهية....واليوم فقد انهار الشعر في بلاد العرب كما انهار كل شيء في بلدانهم لانهم لم يعودوا عربا للاسف الشديد..وكانت البداية عندما سمحوا للاعجمي أن يقتحم لغتهم ويضع لها قواعدها فا فسدها واربكها ثم اقتحم الغرب شعرها فبعثروا أوزانه ونثروه شتاتا . فلم تعرف كل تلك الدهور هذه الكلمات المتعثرة المفككة التى ظهرت علينا في عصرنا هذا واطلقت على نفسها الشعر الحر... فالكلام الغير مقفى لايمكن ان يكون شعرا حتى لو امتلا بالبهرجة اللفضية العاطفية أو الثورية فيمكن أن يكون لوحة ادبية لابأ س بذلك لكن لايمكن ان يطلق عليه شعرا وان دل هذا على شيء فانما يدل على عجز من يسمون انفسهم شعراء هذا الزمن عن نظم القوافي... فلو استطاعوا نظم شعر مقفى لما انجرفوا الى هذا الدرك المتهاوي والاسفاف المتهريء فنشروا مثل هذه الدواوين التي ملات اسواقنا في هذه الايام للاسف الشديد ومع كون هذه الكلمات غير مقفاة فهي لاتشكل جملة مفيدة واحدة فهي كلمات متناثرة هنا وهناك لامعنى فيها ولانغم... فصفة الشعر هو الوزن ومعيار الوزن هي القافية 00فان اردت ان اعتب فلا اعتب على هولاء الذين اعلنوا انفسهم شعراء ولكن على من يستمع اليهم ويصفق لهم وهم يستمعون الى طلاسم والغاز وكانك امام لوحة من الكلمات المتقاطعة لاتعرف الاول من الاخر 000 لقد ظهر في اواسط القرن الماضي شعراء اجادوا وابدعوا وقدموا لنا قصائد غاية في الروعة واذا بهم ايضا يصابون بلوثة موجات هذا الوباء الذى عم البلاد... ذلك السونامي الهائل بامواجه الغربية فتغربوا معه وتركوا اسلوبهم الرائع الذى كانوا ينتهجونه واتجهوا الى هذا المنحى وهذا المنزلق الذى اسقطهم في مستنقع وحل الغرب وتجردوا من قافيتهم واخذوا يسردون الكلام سردا دون الالتفات الى الوزن واللحن والنغم 00 فعندما تستمع الى شاعر بدأ بنظم الشعر المقفى الجميل في بداية حياته الشعرية لا يمكنك ان تتصور ان هذا الشاعر هو نفس الشخص الذى قدم بعد ذلك تلك الجمل المفككه الركيكة من الكلام الخالي من الطعم والاحساس الذي يصل اذنيك بصوت مطرقة الحداد وليس كسحبة قوس الكمان كما كنا نسمعها فيما مضى فلقد اصيب هذا الشاعر وللاسف بهذا الوباء الغربي أو ان خزينه قد نضب وقدراته قد تلاشت فلا يُفهم مما انحدر اليه غير هذا ... فخرب ذوقنا واحالنا الى جماد 000 لقد كان العرب في كل زمان ضحايا الافرنجة من الشرق ومن الغرب فهم تقدموا ونحن تراجعنا الى الوراء فقد فقد العرب هويتهم وهو شعرهم واستهانوا بلغتهم وقدرتهم على الكلام المحكم الموزون فهم لم يكونوا بحاجة الى سيبويه ذلك الغريب الذى دفعه عجزه عن التحدث بلغة العرب التى كانوا يتحدثون بها على السليقة ولم يكونوا بحاجة الى هذه الفتحة والضمة والكسرة والفاعل والمفعول التى وضعها لنفسه كى يتمكن من مجاراة العرب في كلامهم ولغتهم الرائعة فوقع العرب في فخ ومصيدة ذلك الافاق الاجنبي 00 فالعرب ليسوا بحاجة الى هذه او تلك... فهم يعرفون كيف يتكلمون دون الحاجة الى من يرشدهم ويعلمهم لغتهم من الاجانب اللذين ابتلانا الله بهم في كل زمان ومكان وللاسف عندما تخلصنا من امواج الشرق جاءتنا امواج الغرب بهذه البدع التي سمتها شعرا فتهافت عليها العاجزون او الذين ارادوا ان يسيروا على سليقتهم وتركوا القدرات الكبيرة في الدرجات الصوتية المتواجدة بلغتهم والتي تفتقدها بقية اللغات وهذا الضبط الايقاعي الجميل الذي يمنحكم الطرب والانسجام مع نغماته المرتبطة ارتباطا وثيقا بالسلم الموسيقي وباللحن الذي قد يغنيك حتى عن ايقاعات التفعيلة التي وضعها الفراهيدي لضبط الشعر 00 فقد رمى الغرب علينا عوقه في حبك الكلام شعرا فتشبث به من اراد ان يكون شاعرا اويريد ان يتفرنج فبدأ يصوغ الكلام والجمل ويطلق عليه شعرا ولم نلتفت الى ماوصل اليه الغرب في العلم والتكنلوجيا التي مكنته من تقديم هذه الصناعات المعقدة التى بهر بها العالم فحجبها عنا... بل اكتفينا بالسهل من الكلام... فقد استحال عليه صياغة الشعر المقفى بسبب عجز لغته عن صياغة جمل موزونة ومقفاة كما تستطيع فعله لغتنا العظيمة الواسعة الفسيحة فاعتقدنا ان ذلك تطور في الكلام ولم ندرك انه العجز في الغرب منعه من اتيان ما يجارى لغة العرب التى كرمها الله واعزها وجعلها لغة القرأن فالنعد الى ماسار عليه اجدادنا في كتاباتهم ونظمهم لاشعارهم بتلك الاوزان الرائعة الرقيقة ولنترك هذا النمط الدخيل الذى سف بذوقنا وانزله الى الحظيظ 00 فتبا لاولئك الذين اطلقوا على انفسهم شعراء فكتبوا هذه الاسطر التي سموها شعرا حرا واليحاولوا ان يكتبوا الشعر الاصيل الموزون المقفى او يتركوا كتابة الشعر ويختاروا لانفسهم مجالا اخر في النثر اوغير ذلك فلغتنا واسعة وفيها ابواب عدة فاستمرارهم على هذا النهج بكتابة هذا المسخ من الكلام اعتداء على الشعر والشعراء الفطاحل اللذين كتبوا لنا اروع القصائد المحبوكة الجمل والواضحة المعنى والتى تهز المشاعر بتاثيرها في النفوس واوزانها الموسيقية الرقيقة كهذا البيت انا الذي نظر الاعمى الى ادبي واسمعت كلماتي من به صمم فامثال هؤلاء خلدوا الشعر المحكم وخلدوا انفسهم من خلاله بينما اصحاب ما يسمى يالشعر الحر تجدهم يتلاشون وتندثر اشعارهم ويصبحون هم انفسهم طي النسيان بعد فترة قليلة من الزمن ولن يصح إلا الصحيح في الاخير...!!