2024-11-26 12:22 ص

قراءة في تبكير الانتخابات الاسرائيلية.. "القلق" يخيم على كافة الأحزاب واليمين باقٍ في دائرة صنع القرار

2014-12-02
القدس/المنــار/ كتب محرر الشؤون الاسرائيلية/ الذهاب الى انتخابات مبكرة في اسرائيل، قد لا يكون مفاجئا، وهي ليست المرة الأولى ، حيث لم يعد هناك حزبان كبيران يتنافسان على مقاعد الكنيست، وباتت الساحة الاسرائيلية تعج بالأحزاب الصغيرة التي تقرر أحيانا صبغة الائتلاف الحكومي في عملية إبتزاز واضحة، وبالتالي، تبكير الانتخابات في اسرائيل ليس أمراً غير اعتيادي.
ذهاب رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الى انتخابات مبكرة، يعني أنه يدرك بأن غالبية الأحزاب التي ستحصل على مقاعد في الكنيست القادمة ستوصي به لتشكيل الحكومة، وكان بامكان نتنياهو أن يدير اتصالات مع مركبات ومكونات الائتلاف الحالي تقوده الى انتخابات في فترة متأخرة وموعد بعيد نوعا ما، لكنه، معنيا بانتخابات سريعة قبل أن تتمكن الأحزاب الأخرى من ترتيب صفوفها وأوراقها، وحزبه الليكود حدد من قبل موعد الانتخابات الداخلية لاختيار رئيسه في السادس من كانون ثاني القادم، وفي ضوء تبكير الانتخابات ، فان هذه الانتخابات ستكون أيضا معركة على اختيار قائمة أعضاء الحزب لخوض انتخابات الكنيست.
وخوض المعركة الانتخابية النيابية، ليس كالخروج منها، فلا أحد يستطيع التكهن بنتائج هذه الانتخابات، وفي مراجعة سريعة لنتائج الانتخابات وتوقعات استطلاعات الرأي قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع
في معارك انتخابية سابقة،  ونتائجها الحقيقية بعد ظهور النتائج، يتضح أن الليكود يبدأ معركته الانتخابية مرتفعا من ناحية حصد المقاعد، حسب ما تبشر به استطلاعات الرأي، لينهيها بانتصارات متواضعة وليست ساحقة.
ويمكن وصف الانتخابات التي تقبل عليها اسرائيل بأنها الأكثر ضبابية خلال السنوات الأخيرة، وهذا يتضح من خلال الخارطة الحزبية، والتي ستشهد تعديلات كبيرة بسبب عوامل عديدة في مقدمتها القلق والخوف من الفشل.
فهناك تكتلات جديدة ستظهر، وحالة من "المزج" بين المكونات اليسارية الوسطية، ويمكن أن نشهد حالة من الاندماج في الجناح الايسر في الخارطة الحزبية الاسرائيلية أكثر مما سيكون عليه في اليمين.
ومن ناحية اليمين في اسرائيل، فانه سيوصي ـ على الأغلب ـ بنتنياهو لتشكيل الحكومة في حال حصل الليكود على أعلى المقاعد، لكنه، في حال تجاوز حزب البيت اليهودي حزب الليكود، فهذا لا يعني أن الحزب سيوصي بنتنياهو، الا اذا كان معسكر اليمين يجمع عليه، والذي يضم في صفوفه أحزاب البيت اليهودي واسرائيل بيتنا بالاضافة الى الحليف التقليدي لحكومات اليمين، الاحزاب المتدينة "الحريديم".
وحزب البيت اليهودي بزعامة بينت، سوف يسبق الليكود في اجراء انتخاباته الداخلية، واختيار قائمته لخوض الانتخابات، وفيما اذا كان "بينت" سيبقى على رأس هذا الحزب، ومن المتوقع اجراء انتخاباته الداخلية في الخامس من كانون ثاني القادم، أي قبل يوم واحد من الانتخابات الداخلية في الليكود.
ونستعرض هنا، أوضاع الأحزاب القائمة في اسرائيل، وما هو حالها، عشية الانتخابات المبكرة، وماذا سيكون عليه مصيرها، وما هي ترتيباتها، وشكل تحركاتها، تحالفا أو اندماجا، ففي جانب اليسار هناك مكونات قد تختفي بعد الانتخابات القادمة، ولن تظهر ثانية في الفضاء الحزبي والسياسي في اسرائيل، لذلك هذه المركبات الضعيفة، سوف تسعى الى الالتصاق بمن هي أكبر حجما منها وأقوى تأثيرا.
فحزب كاديما على سبيل المثال، سيختفي ويصبح من الماضي، لكن، السؤال الذي يطرح نفسه، هل سيتم تدعيم بعض الأحزاب في اليسار وبشكل خاص حزب العمل وهناك مستقبل بزعامة لبيد، من خلال ضم شاؤول موفاز ويسرائيل حسون، وهما ما تبقى من حزب كاديما الذي أقامه شارون ، قبل أن يتفكك سريعا، وينتهي به الحال على مقعدين في الكنيست، فشخص مثل موفاز ، وهو الذي خدم جنرالا في الجيش ووزيرا للدفاع، ويسرائيل حسون الذي خدم في أجهزة الأمن، قد يضمهما "العمل" الى صفوفه، أو يرحب بهما حزب "هناك مستقبل".
وبالنسبة لحزب الحركة بزعامة ليفني، فهي بالتأكيد بدأت تبحث عن من يوجه لها الدعوة لتنضم مع حركتها التي أقامتها عشية الانتخابات الماضية، من أجل البقاء في العمل السياسي، وهي ستدرس كافة العروض التي ستطرح عليها، وتقدم لها سواء من حزب العمل أو من هناك مستقبل.
وليفني بدأت تطلق مبكرا شعارات انتخابية، وتتحدث عن "حرب بين الصهيونية والتطرف" وهذه النغمة يمكن أن تستظل تحتها عدة أمور ومسائل، كقانون يهودية الدولة، وهو أحد أسباب التوتر وتبادل الانتقادات داخل الائتلاف الحالي ، كذلك يمكن أن يشمل موضوع أهمية الحفاظ على اسرائيل كدولة ديمقراطية بأغلبية يهودية، وهذا يعني ضرورة التوصل الى حل سياسي أي العودة للحديث عن الديمغرافيا وأخطارها، وبأن الحل الوحيد لهذه التحديات، هو ترسم واضح لحدود اسرائيل بشكل يضمن لها أغلبيتها وطابعها اليهودي.
وتتمنى ليفني أن تكون راية العملية السياسية مع الفلسطينيين، التي لم تتقدم خطوة واحدة منذ بدء عمل حكومة نتنياهو في اذار من العام 2013، حيث رفع هذه الراية تعتبر دعوة لها للمشاركة في هذا "العزف" حول العملية السياسية مع الفلسطينيين، حيث سيكون هذا الموضوع حاضرا في الانتخابات القادمة، لكنه، من الصعب تقدير مستوى حضوره، ومهما يكن الأمر، فان عملية السلام لن تكون غائبة، خاصة في ظل الاحداث الأمنية الأخيرة والتوتر الذي مازال قائما وهذا يدفع الاسرائيلي الى وضع مسألة العلاقة مع الفلسطينيين على رأس قائمة اهتماماته. وهذا الأمر سيجعل كل طرف في اليمين أو اليسار يخرج بشعارات تتناول هذا الموضوع، لكن، كل ينطلق في ذلك، من ايديولوجيته، فهناك من سيتحدث عن الموضوع الفلسطيني بطابع أكثر تبنيا  للحلول الأمنية، وهناك من سيحاول أن يوازن بين المسألتين.
لكن، مرة اخرى، هذا لا يعني أن الموضوع الفلسطيني هو الذي سيلقي بظلاله على الانتخابات القادمة في اسرائيل، فهناك أحزاب جديدة، بشكل خاص الحزب الذي أعلن عنه مؤخرا، وهو حزب موشي كحلون، الذي يخوض الانتخابات بعيدا عن أي اهتمام بالعلاقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وهو يبحث في مسائل اجتماعية خالصة ويعتبر منافسا رئيسيا لاحزاب اخرى موجودة طرحت مثل تلك الشعارات في الانتخابات السابقة، وعلى رأس هذه الأحزاب "هناك مستقبل" برئاسة لبيد.
وهناك من الأحزاب من سيدمج وبريط بين تطور وتحسين الوضع الاقتصادي في اسرائيل وبين عملية السلام، والتاثيرات الايجابية لأجواء السلام على التطور الاقتصادي في اسرائيل.
وبالنسبة للدعوات التي تطلق لاقامة تكتلات داخل اليسار، فهذه الدعوات أطلقت أولا من جانب حزب هناك مستقبل ، وهو حزب يمكن وصفه بأنه حزب "القرار الواحد" ـ فهو حزب لا انتخابات داخلية له ـ ورئيسه هو الذي شكل القائمة، وهناك مخاوف من أن يخسر هذا الحزب بريقه الذي تمتع به، منذ ولادته في المعركة الانتخابية السابقة، حيث لاقى انذاك استحسانا لدى شريحة واسعة من الطبقة المتوسطة في اسرائيل، بسبب شعاراته الرنانة، لكن، قادة هذا الحزب يدركون بأنهم لم يستطيعوا تحقيق أي انجاز رغم تحمل هذا الحزب ممثلا برئيسه أعباء وزارة المالية، بالتالي، يخشى لبيد من عقاب الناخب في يوم الحساب السياسي عندما تفتح صناديق الاقتراع. لذلك، بادر هذا الحزب بالدعوة الى تكتل يساري ووسط اليسار يضم كاديما وحزب الحركة برئاسة ليفني وحزب العمل، لكن، دون مشاركة حزب ميرتس ، لأن تلك الأحزاب تخشى أن يفقدها انضمام ميرتس أصوات الوسط.
لكن، تشكيل مثل هذا الائتلاف "مكونات اليسار" ليس بالامر السهل، خاصة وأن هناك الكثير من "الرؤوس" التي تعتبر نفسها قادرة وصالحة لترؤس الحكومة، لذلك، التغلب على هذه العقبة والوصول الى حالة من التناغم داخل أطياف يسار الوسط هو أمر صعب، لكن ليس مستحيلا، خاصة وأن هناك تحديا وخوفا من الانتخابات، حيث هذه الاحزاب، كباقي الأحزاب وحتى في اليمين بما فيها الليكود، باستثناء البيت اليهودي تتوقع الأسوأ في نتائج الانتخابات القادمة.
أما بالنسبة لليمين ، فالأمور ليست أقل صعوبة وتعقيدا، فحزب الليكود ونتنياهو نفسه يعاني من كثرة المؤامرات والعكننات داخل حزبه من جانب بعض الصاعدين في الليكود، الذين يحاولون "مناكفة" نتنياهو عبر اطلاق تصريحات أكثر يمينية طمعا في اصوات اليمين داخل الليكود في الانتخابات الداخلية، فهم أعلب الاصوات المؤثرة في هذه الانتخابات، ولا يمكن لأحد أن يمنع نتنياهو بوليصة تأمين تضمن أن يبقى رئيسا للوزراء، بعد أن تظهر نتائج الانتخابات القادمة، أي أن الامور جميعها معلقة، والمعركة التي سيخوضها نتنياهو في السادس من كانون ثاني القادم داخل حزبه للفوز برئاسة هذا الحزب ستكون معركة سهلة مقارنة بالحرب الكبيرة يوم افتتاح صناديق اقتراع المعركة النيابية.
كما يخشى نتنياهو من نتائج مخيبة للامال تصل الى حد الصدمة بأن يلامس عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب الليكود مع تلك المقاعد التي سيحصل عليها حزب البيت اليهودي بزعامة بينت، وهذا سيشكل احراجا كبيرا لنتنياهو.
أما بالنسبة للبيت اليهودي، فهو الآخر بدأ يعاني من تجاذبات بين مكوناته، وبدأت أصوات تعلو داخل البيت اليهودي تؤكد أنه ليس "دافئا" وأن الخلافات والاختلافات بين اركانه قد تشكل تحديا حقيقيا أمام هذا الحزب في الانتخابات القادمة، لكن، ما زال هناك اجماع بين مكونات الحزب على أن المرحلة تحتاج الى بينت ، كما كان الأمر في الانتخابات الماضية، فأثبت نفسه، وحصد الحزب عددا كبيرا من الاصوات، وكان أبرز المفاجآت في تلك الانتخابات.
وتتوقع معظم استطلاعات الرأي صعودا في عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب البيت اليهودي، وعودة الى الخلافات داخل هذا الحزب تجب الاشارة الى أن نفتالي بينت لا يعتبر شخصا له تاريخه داخل أحد مكونات حزب البيت اليهودي، وهو حزب متدين صهيوني يميني متطرف، لذلك ، هناك داخل الحزب من يشير بأن بينت لم يحارب بما فيه الكفاية من أجل منع صدور قوانين واجراءات يمكن أن تؤثر على المؤسسات التي يرعى الحزب مصالحها كالمدارس الدينية التابعة لمكوناته، وهؤلاء شعروا بتخاذل بينت، لكن، هذه الاصوات لن تكون مؤثرة على مسيرة وصعود بينت داخل الحزب، فشريكته في انتصارات الحزب، اييلت شكيد، ترى أن هذه الاصوات ستختفي، وأن الجميع داخل "البيت اليهودي" سيلتفتون الى المعركة الحقيقية معركة الانتخابات القادمة، لذلك، يبقى وضع بينت مريحا، اذا ما قارناه بباقي أقطاب اليمين نتنياهو وليبرمان.
وبالنسبة لليبرمان، زعيم حزب اسرائيل بيتنا، فهو كان قد تحدث في جلسات مغلقة مؤخرا الى تشكيل ائتلاف من الاحزاب المينية يخوض الانتخابات المقبلة موحدا، لكن، هناك من يخشى من هذه القوائم المشتركة، خاصة، وأن تجربة الشراكة بين الليكود وحزب "اسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه ليبرمان ما زالت ماثلة في اذهان اقطاب اليمين، حيث لم يحقق هذا التحالف أمنيات الذين أشرفوا على ولادة القائمة المشتركة، ويخشى ليبرمان من تراجع كبير للحزب الذي يترأسه ومن هروب للاصوات والمقاعد باتجاه "البيت اليهودي"،  كما أن ليبرمان يدرك بأن الكتلة التصويتية التي كان يعتمد عليها في السنوات السابقة من أبناء المهاجرين لم تعد متماسكة، ولم يعد الشباب فيها يشعرون بأن هناك ضرورة لأن يكون ولائهم لهذا الحزب، وراحوا يبحثون عن مزيد من الاندماج داخل المجتمع، وأكثر من ذلك، اخذوا يبتعدون عن الطريقة التي تبناها الجيل القديم، ويحاول ليبرمان القلق من نتائج الانتخابات القادمة، يحاول أن يدخل مزيدا من الوجوه الجديدة الشابة في قائمته التي سيخوض بها الانتخابات، وهو يأمل بأن تصل هذه الوجوده الى قاعة الكنيست، وهو سيفرض على من يتم انتخابه، ويتقلد حقائب وزارية أن يستقيل من عضوية الكنيست ليفسح المجال لتقلد آخرين من الحزب هذه المقاعد.
لكن، تبقى الصورة النهائية والنتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات القادمة في اسرائيل صورة ضبابية غير واضحة، كما لا يمكن أن نتوقع أن يشكل هذا الشخص أو ذاك الائتلاف القادم في اسرائيل، على الرغم من أن البعض يتحدث عن صفقات تجري خلف الكواليس بين نتنياهو والأحزاب الدينية، لكي توصي به ولا أحد غيره بتشكيل الائتلاف ، شريطة أن يبعد يئير لبيد عن الائتلاف القادم.
ويمكن أن نتوقع بأن التشكيلة القادمة في اسرائيل، وفي ظل حالة الانجراف المستمر والمتواصل في اسرائيل نحو اليمين، بقاء معسكر اليمين "المعسكر الوطني" على رأس الحكم والمتصدر في الكنيست القادمة، ومع ظهور بعض النجوم في فضاء العمل الحزبي كـ "كحلون" فانه من غير المستبعد أن تسفر الانتخابات القادمة عن ائتلاف يضم في صفوفه الليكود والبيت اليهودي واسرائيل بيتنا والاحزاب المتدينة "الحريديم" بالاضافة الى حزب موشي كحلون، وهذا يعني بقاء اليمين في دائرة صنع القرار في اسرائيل على عكس ما يتمناه البعض ، مع أن التجربة الفلسطينية مع اليسار واليمين واحدة؟!