2024-11-27 03:37 ص

"نصيحة إبليس" رواية تحمل استثنائية الأفكار ورؤية الإنسان المستقبلية

2014-10-12
نانسي أمين /مصر

منذ مطالعة عنوان الرواية الوجودية "نصيحة إبليس" المطبوعة عن دار الغاوون في بيروت تتوقف عند معانٍ غير مألوفة في الفكر العربي، فكيف لهذا المخلوق الملوث سمعة أن يقدم النصح في يوم ما لبني البشر الذين يعتبرون ألد الخصوم منذ التكوين الأول للبشرية.

وإن تأملنا في عنوان الرواية نجده جذابا وموفقا بين عناوين الروايات العربية، إذ أنه يحرض الشخص على قراءة الرواية بصرف، وبمجرد الانتهاء من آخر ورقة فيها، لن يشك أثنان في أن ما تم تقديمه من عمل روائي يحمل فكرة استثنائية؛ كونها فكرة جديدة على الصعيد العالمي.

إن صاحب الرواية الروائي منير النمر عالج فكرته روائيا عبر سلسلة من الشخصيات الرئيسة والفرعية، وكأنك تتحرك في فلم احترافي يحمل الخيال العملي والفلسفة، تتنقل بك الفكرة من عالم إبداعي إلى آخر وجميع الفكر تسير منطقيا في الحبكة الروائية التي تحمل المفاجآت، كإحدى المحطات الإبداعية والملفتة المتمثلة في التوصل لحقيقة الروح التي تسكن البشر، والحوار الدائر مع إبليس (الشر المطلق)، وتقديمه لنصيحة للبشر المتقدمين تكنلوجيا حسب زمان الرواية، وحثهم على عدم الوصول للنسيج الكوني (منشأ حياة الأكوان)... وبقية الأحداث المبتكرة التي سنستعرض بعضها في هذه الدراسة.

إننا نعيب على الدار وجود بعض الأخطاء التي تدل على عدم مراجعتها من الناحية الكتابية، بيد أن جمال الحبكة والأسلوب الكتابي الشيق وفكرة الروائي تجعلني أتغاضى عن كل تلك السلبيات التي تربك العمل الإبداعي، فحين نركز على الجوهر سنجد أن الفكرة وحيدة في نوعها، وصادرة عن شخص عربي، وهو ما أقوله دائما في المحافل الأدبية بأن الجيل الشاب قادر على خلق معجزات روائية عربية منافسة للنتاج العالمي، كما اني أتوقع أن تحظى الرواية باهتمام كبير إن تم تسويقها بشكل مدروس، وصولا للعالمية عبر الترجمة.

بدأت بداية هادئة وصفية منطقلة من مشهد سفر لعائلة أحد العلماء الأمريكيين (شيمعون)، ونجد أن الروائي وفق من ناحية اللغة في وصف مشاهد الرحلة التي قد تكون اعتيادية، بيد أن ما هو غير اعتيادي حادث الطيارة المحبوك بعلم شديد ومدروس كحادث حقيقي ومؤسف ذهبت ضحيته هذه العائلة باستثناء الأب العالم.

 

البداية الرواية:

تبدأ بـ"ممسكة بعلبة القهوة الأمريكية الفاخرة؛ لتضعها في حقيبة السفر، ترابط لا إرادي بين يدها التي تضع العلبة في الحقيبة وعينيها اللتين تتفقدان  بقية الحقائب التي أوشكت على إغلاقها استعدادا للسفر نحو الهند.. "الهند بلد جميل يستحق الزيارة حبيبتي"، يقول "شيمعون" الذي اعتاد على التحديق بعيني زوجته الزرقاوين اللتين تبدوان له كبحر أزرق تعبده الأمنيات، فيما يكثر التحديق بزوجته، متذكرا أول يوم التقيا فيه تخرج الفوضى على بعد خمسة أمتار، طفلتهما تُخرج بعضَ الثياب بغية فتح علبة الشكلاتة اللذيذة، بنطال طفلها أصبح الآن خارج الحقيبة، علبة الألوان الخاصة بالطفلين لم تعد في مكانها، منسية على السرير، عبث ابنتها الصغيرة "سارة" يجعل المكان في فوضى آخذة في الازدياد"...

يكثف الروائي إبداعه اللغوي الأدبي في المزج بين اللغة الوصفية الشعرية وبين مقتضى الحال الخاص بالوراية، ومنهي الرواية يدرك أهمية هذا الفصل من الدخول في تفاصيل القصة التي تتحول من قصة عابرة إلى حدث عالمي بإبداع متسلسل منطقيا عبر الفريق العلمي المكون من أشخاص علماء في مجالات عدة، من بلدان عالمية عدة.

 

مسار الحبكة:

وتسير الاحداث اعتيادية كفكرة قد تجدها في معظم الروايات، بيد أن بدء حرف مسار الحبكة الروائية يبدأ من المقطع التالي بعد عاصفة تصيب الرحلة "7777":

"-       لا لكن هذا إجراء روتيني نقوم به في مثل هذه الظروف... ليطئن الجميع ليس هناك خطر على طائرتنا. تقول فرجينيا

لم يكن حديثها وتحذيراتها للطفلين محل اهتمام، فبعد نصف ساعة قامت ابنة شيمعون التي تجلس في المقعد رقم 7 بالتوجه لحمام الطائرة، فجأة أخذت الطائرة تهتز بشدة بسبب المطبات الهوائية، لم يفهم الطاقم سر دوي صفارات الإنذار وعلامات الخطر التي خرجت أمام الكابتن، أكياس الأوكسجين تنزل للركاب بشكل أتوماتيكي، "ليبقى الجميع في موقعه أكرر". يقول الكابتن. "شيمعون" ينادي على طفلته التي أوشكت أن تصل للحمام، تهم راجعة إليه، فجأة ومن دون سابق إنذار ينقشع جزء من السقف الواقع خلف غرفة الطيار مباشرة، الطفلة التي كادت أن تصل ليد أبيها تطير كريشة في الهواء، فرجينيا تسحبها قوة الضغط للخارج بعد أن لمحت الطفلة تخرج قبلها بفارق أجزاء من الثانية..، المضيفة الثانية تتمسك بأحد الكراسي، الصراخ والذهول سيد الموقف، الطائرة تهوي من دون أن تترك أي مجال للحزن على الطفلة والفتاة اليافعة. "لا نبعد عن الارض سوى 1968 قدما". كانت تلك آخر عبارة قالها كابتن الطارة التي سرعان ما ارتطمت مباشرة بالأرض الأمريكية.

***

تك.. كان صوت سقوط القلم من يد "شيمعون" المستلقي في قيلولته المعتادة، نصف ساعة من الزمن تذكره فجأة بحادثة مؤلمة لطالما أحزنته خلال الأعوام الكثيرة التي مضت عليها، كارثة حلت به وبأسرته وركاب الطائرة الذين قضوا جميعهم باستثنائه، واضعا يديه على أعلى أنفه حيث أمسكه بسبابتيه، تذكر ما كتبته "الواشنطت بوست" عن إعجاز بقائه حيا من الكارثة التي مزقت الطائرة إلى أشلاء بعد الارتطام بالأرض...،". ويتضح أن المفاجأة في القصة أن كل تلك المشاهد إنما كانت في ذاكرة العالم، وليس بعيدا عن هذه المفاجأة التي تعد من العيار الخفيف، تتوالى مفاجآت من العيار الثقيل، مثل ترسيخ الرقم 7 منذ بداية الرحلة المأساوية وكأنه القدر الذي أخذ عائلته يعود لكن هذه المرة عبر "الجينات السبع" التي أظهرت معها شخصية سروش العالمة الإيرانية التي ستكون لاعبا أساسا ضمن شخصيات متنوعة من الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية ومصر يقول:

عيناه على قلمه المضل.. ابتسامته السريعة تمضي مع ارتخائه لجلب القلم من الأرض، عقله لا يزال يتذكر الحادثة التي غيبت عنه عائلته منذ 35 عاما خلت، أخذ يدير رأسه نحو علب التخزين المخبرية، مليئا بالحماس العلمي المستند إلى فكرة إعادة الحياة لعائلته، تقع عيناه على أدوات المختبر، العلبة الأولى كتب عليها محلول "c.d.r" لحفظ الجينات، العلبة الثانية "ممنوع اللمس أو التحريك، إلا بأذن مسبق من المختص.. زجاجة الـ7 جينات النادرة" والمحفوظة في الهيدروجين السائل. لا يزال "شيمعون" يتنقل بعينيه على زجاجات تملئ رف المكان، ألوانها مختلفة، إحداها كتب عليها "الكمال البشري".

- ما بك دخلت عليك المختبر ثلاث مرات ولم تشعر بي.. كنت كعادتك شارد الذهن.. الا تستطيع أن تنسى الحادثة بعد مرور 35 عاما عليها. تقول "سروش".

-       وهل تستطيعين أن تنسي المناظر الجميلة في بلدك إيران.. إن الأشياء الجميلة لا تنسى، وعائلتي كانت اجمل ما في حياتي.. ماذا أقول لك, إن ملكة الذاكرة لدي تسبب لي الحزن الدائم لا أستطيع النسيان، ربما احتاج الى استشارة طبيبي النفسي  للمرة التي لا أتذكرها .

-        لا اظن انك تحتاج الى أي استشارة, خاصة ان اخبرتك بما حققته بالامس.. لقد نجحت في تحديد 7 جينات مختلفة في الخارطة الوراثية للشعرة عن بقية العينات الـ  100 الخاصة بالبشر العاديين، وصباح هذا اليوم قمت بإستخلاص الجينات الـ 7 من الشعرة..

- إذا إنها الكنز الحقيقي... ماذا لدينا؟

- طبعا هي كذلك.. والغريب انها كانت بحالة جيدة و كأن لم يمر عليها اكثر من 14 قرنا. بقي الآن الجانب الاصعب.

-       رائع  جدا يا سروش.. بالفعل استطعتي أن تخرجيني من حالة التفكير التي كنت أمر فيها.. اشعر ان كلامك غسل ذاكرتي من كل الأحداث المؤلمة التي كنت اعيشها قبل دقائق, وانها ستعيد لي الأمل من جديد.. أمل يحمل حلمه كل فريق علمي يريد أن ينجز اكتشافا غير مسبوق ليسجل بصمة تدخل الحياة البشرية لموقع آخر غير تقليدي... كم أنتم رائعون...

- أنا أيضا تملؤني الحماسة، ولا مجال للتراجع عن بحثنا".

وإن كان هذا المشهد الذي يذهل القارئ يبدو أساسيا، بيد أن ما سيأتي سيكون أكثر إبداعا وتشويقا منه، إذ أن هذا الإنجاز الذي حوى وجود الرضيع والحمل والتحدث في المعهد والحديث بأشياء لاهوتية عبر الرضيع غير مسبوق بشريا، إلا أن ما سيأتي يجعل الحدث ثانويا وهنا العبقرية الأدبية التي لفتت انتباهي، يقول:

 

الساعات التالية على الولادة تمر سريعا، يجتمع الفريق العلمي على الطفل الذي أنهى رضاعته الطبيعية الأولى من صدر أمه.

-       ماذا يفعل إنه يضع يده على جبينه كأنه يريد أن يحجب النور عن عينيه...، يبدو أن نتيجة عملنا قد أثمرت بشكل مذهل على ما أظن.. أنظري لعينيه يا سروش يبدو وكأنه يتأمل في وجوهنا.. لم يسبق لي أن شاهدت مولودا يحدق في الوجوه، وبهذه الطريقة...!!. يقول "محمد شكري"

ابتسامته المتكرررة لا تصرف صاحب "الجينات السبع" عن مواصلة التأمل في الوجوه، وكأنه يقرأ ما في داخلها من علامات تعجب ودهشة بدت منعكسة على تعابيرها الجامدة، يدير وجهه صوب "سروش" فيعطيها ابتسامة مطوّلة، فيما يمد يده اليمنى نحوها، وكأنه يريد مصافحتها، حركاته تشد انتباه الجميع، مما يضطر "وانج"  لكسر هدوءه المعتاد:

-     أيها السادة بدأت أقلق من حركات هذا الطفل المتصرف كالكبار، يبدو أنه تعرف على وجوهنا جميعا، فهل يستطيع أحد أن يفسر الذكاء المتطور داخل دماغه الصغيرة الذي لم تغطهِ جمجمته بعد".

ويستمر المشهد المحبوك جيدا، حتى توغل في تفاصيل مهمة عن الطفل "صاحب الجينات السبع"... يقول:

وفيما يستمر بالنظر له يدير الطفل عينيه لـ"شمعون" لأول مرة، ويمد يديه يقترب "شيمعون" برفق واضعا أذنه اليمنى أمام فم الرضيع الذي بدا يتمتم بكلمات لم يكن ليفهما لولا وضع أذنه قرب فمي الطفل:

-     لا تخف عائلتك بخير...

يسقط "شيمعون" مغشيا عليه دون حراك، فاقدا الوعي لأكثر من ساعتين ونصف، لا يعرف أحد من اعضاء الفريق ما حصل لصديقهم لكنهم يؤمنون بأن شيئا حقيقيا فعله الطفل...

-     لعل الطفل يملك طاقة كبيرة من الصعب اكتشافها. يقول "وانج"

-     لا أظن يا محمد.. ربما لم يحتمل المفاجئة التي فعلها صاحب الجينات السبع..

-     لكنه شاهد كل شيئ مثلنا... سننتظره حتي يفيق...

 

عيناه متعبتان من هول الصدمة ولسانه بالكاد يحرك الحروف..

-     لا تقل شيئا الآن فقط أنظر لنا، وانتظر حتى تشعر بتحسن يعيد وعيك كليا لك".

 

الجينات السبع:

بعد سلسلة من التشكيك والتداخل بين الشخصيات العلمية، يقطع الطفل النزاع بالتحدث مجددا، كما أن الروائي يختتم مقطعه بسلاسة تفضي لمرحلة أكثر إبداعا من هذا المشهد المؤثر وكأنك تشاهد أحد أفلام الخيال العلمي الرهيبة، كما أن ختام الطفل لحياته محل تساؤلات كبيرة، يقول:

"-    إنه الطفل يتحدث مرة أخرى، سأتصل بسروش.. أقدمي فورا تحدث...  يقول"محمد شكري".

-     من حسن حظي أني لم أذهب بعيدا... كمـ

-     الله أكبر لا إله إلا الله رب الكون العظيم.. اعلموا أن الرب خلق الكون من أصغر شيء، خلقه من الذرة التي ذكرها في آخر كتاب مقدس، خلق فوقكم سبع سماوات ورفع السماء بلا عمدٍ ترونها، فتبارك الله أحسن الخالقين...  للكون نسيج يترابط فيما بينه وكل شيء فيه يسبح ويحمد باسم الله، بل ويتفاعل مع ما حوله.. هذا النسيج لا تنتهي عوالمه، ولا تظهر خواتمه للعقل البشري، إلا بسلطان محكم وتنزيل من رب العالمين... أنا سليل النبوة ومهبط الوحي.. أنا ابن مكة ومنى.. أنا ابن زمزم والصفا.. أنا سليل من حمل باطراف الرداء حجرا مقدسا، ومن سافر عبر النسيج وسيطر عليه بأمر من رب العالمين... أعلموا أن عالمكم هذا سيظهر فيه مخلص ينقذ العالم من الطغيان، سيكون رجلا من عباد الله المُخلصين، سيمكنه الله من السيطرة على نسج الكون؛ ليظهر الدين كله ولو كره المشركون، سيقول للشيء كنْ فيكون بأمر من رب العالمين... أعلمو أن الشيـ... ط...

-     ما باله أغمض عينيه فجأة.. لنجد حلا ... تقول "سروش".

فيما تحاول "سروش" الكشف على الطفل تكتشف أن نبضه توقف إلى الأبد...".

 

لب الأحداث:

وتبدأ مرحلة النسيج الكوني في الرواية وهي بنظري لب الرواية وأحداثها، ويمكن القول بأن كل ما فات من أحداث إنما هو تمهيد لهذه المرحلة الخطرة على مستقبل البشرية، يقول:

" إن ما قاله أكبر بكثير من عائلتي، فنحن الأحياء جزء لا يتجز من نسيج كوني به تفاعل، هذا التفاعل لا بد أن نكشفه علميا، فبتأكيد أن طفلا رضيعا لا يهلوس بهذه الطريقة.. هل نسيتم أن به سبع جينات تميز بها عن بقية البشر... إن ما قاله صاحب الجينات السبع قد يمكننا من صنع تاريخ بشري جديد يفوق حتى الخلود البشري الذي نجري ابحاثنا من أجل تحقيقه... لا تزال الجمل المقتضبة والموثقة بالصورة والصوت تعاد مئات المرات على مسامع العلماء طوال أيام خلت.. "وانج" يتوقف عند جملة "ومن سافر عبر النسيج وسيطر عليه": لم أفهم هذه العبارة، ليجيبه "محمد شكري":

-     إن التراث الديني يقول أن النبي محمد عرج به نحو السماء بالبراق، ووصل لمنطقة قريبة جدا أعرب عنها القرآن بـ"قاب قوسين أو أدنى"، ومع أني غير مؤمن بهذه التخاريف إذ أني ملحد كما تعرفون ذهلت من قصة الطفل.. اعتقد أنه يشير لهذه الحادثة.

-     إننا أمام واقع جديد، وخبرتي العلمية تقول علينا التعامل بجدية مع كل ما قاله هذ الطفل، خاصة أنه حول مسار بحثنا لما هو أعمق من قصة إعادة الحياة وصنع الخلود للبشر. يقول "شيمعون".

وللدخول في تطبيق ما قاله الطفل على الفريق العلمي ابتكار آليات علمية ناهضة وممكنة علميا، وتسرد الرواية طرقا كثيرا بأسلوب روائي مشوق كفلم خيال علمي به الكثير من الفلسفة المشوقة، يقول:

لدي فكرة جعل الفضاء ينهار أمامنا عبر تحريكه لمسافات شاسعة، فإن  كنت في مركبة فضائية، واردت تحريك مسافة هائلة، وبدلا من الدوس على الوقود بسرعة كما هي الحال في الشأن التقليدي نقوم بتغير الفضاء من خلال خلق فضاء بقوانين فيزيائية خاصة تخلقها معادلات غير مسبوقة.. هنا نستطيع أن نقلص وأن نوسع الفضاء أمامنا بحيث يقوم فضاؤك بالحركة بدلا منك..".

وبعد ثلاث سنوات من الأبحاث السرية، يفشل العلماء لكن ومع المثابرة يتوصلون للمنجز العلمي الكبير، كما تدخل الرواية منعطفا خاصا باللاهوت، يقول بالمؤتمر الصحفي الأول الخاص بنجاح المشروع السري الذي تم الكشف عنه:

"-    سيداتي سادتي مرحبا بكم.. خلال ساعتين من الزمان سنضعكم أمام أكبر منجز بشري، سيطور البشرية ويلغي الكثير من المسلمات التي ارتكزنا عليها طوال التاريخ...

 

بينما تلقي سروش مقدمة أعقبت كلمة "شيمعون" في المؤتمر الصحافي كان "وانج" قد بدأ يشعر بربكة داخلية تجعله يتساءل عما سيحدث من صدمة لكل شخص يشاهد المؤتمر، خاصة الطبقة السياسية التي فوجئت به حيث بقي سريا حتى لحظات إعلانه قرب حديقة البيت الأبيض في واشنطن، "شيمعون" الذي أصبح متلهفا لكسر الحاجز الديني يخاطب "وانج" بلغة العيون:

-     كن قويا أكثر مما عهدناك، فأنت تحاول إلغاء الرسل واستبدال القيم بقيم العلم المطلقة..

ابتسامة سريعة يقدمها "وانج" لـ"شيمعون" الذي وضع يده اليمنى على فخذ "وانج"؛ ليشد من عزيمته، ويشجعه أكثر... الآن مع "وانج"؛ ليكشف لكم عن نتائج التجربة التي استغرقت سنوات كثيرة حتى جاءت نتائجها المثبتة علميا"...

 

العلم والدين:

بطبيعة الحال هذا المؤتمر وما بعده ولغة العلماء تسبب ضجة كبرى في العالم الموحد، جدل بدا موضوعيا بين العلم والإيمان في مواجهة وجها لوجه، خاصة بعد أن تواصل البشر مع الشيطان "إبليس" الذي قدم النصيحة لهم، ساعتها اعتقد العلماء أن الرسل كانوا على حق لأن إبليس مجرد مخلوق فضائي كذب عليهم، الرواية التي لم تقف مع أحد في الصراعات الفلسفية وهنا يحسب للكاتب حيث مثل التوحيد ممثلا في الإسلام أو المسيحية أشخاص أبطال في الرواية حملوا منطقهم القوي، وهو عكس الكتاب المنحازين لفكرة معينة، كما أن الرواية تنتهي بشكل مفتوح الدلالة ليستمر صراع الإلحاد والإيمان على نفس الوتيرة بعد كشف المنجزات العلمية، فهناك من وجد أن الخالق سبحانه موجود بدليل الكشف عن كل ما أخبرنا به، وهناك من تعزز الإلحاد لديه، وكأننا أمام الآية "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

يذكر أن الرواية طبعت عام 2014 طبعة ثانية عن دار أطياف.