ينشغل الكثيرون من المراقبين والمحللين في شؤون الساحة الاسرائيلية في توقع مستقبل ومصير ائتلاف نتنياهو ، ورغم "المطبات" الداخلية التي تشوش على عمل هذا الائتلاف وتجعل فرص تفككه وحتى سقوطه، أمرا واقعا لا يمكن تجاهله، الا أن لا أحد يمكن أن ينكر بأن العملية العسكرية التي شنها الجيش الاسرائيلي على قطاع غزة ، تعتبر عاملا اساسيا في زيادة حدة التوتر داخل الائتلاف، وأن رياح الحرب التي هبت على المنطقة الجنوبية هي التي شحنت الاجواء بين القوى المشاركة في الائتلاف، وحتى الخلاف الراهن على ميزانية الدولة في اسرائيل هو امتداد لاحتياج اسرائيل لتغطية تكاليف حربها على القطاع ، كما ان حالة الشحن التي نشاهدها في الجناح اليميني من الساحة الحزبية تقوم ايضا على الرغبة في مزاودة كل قيادي في هذا الجناح على الاخر بأنه كان اكثر صرامة وتوحشا في تعامله مع الفلسطينيين خلال الحرب، وأنه "الحارس الامين" الذي يمكن للاسرائيليين المراهنة عليه لتحقيق امنهم.
التجاذبات والحشد والميدان الاعلامي
لكن، مهما كانت التحليلات والتأويلات حول أسباب حالة الازمة التي تعيشها الساحة السياسية في اسرائيل، الا أن من المؤكد أن رئيس الوزراء الاسرائيلي، لا يمكنه مواصلة "الحياة" مع الائتلاف الراهن في ضوء التجاذبات وحالة الحشد التي يقوم بها كل طرف ضد الطرف الاخر والتي يعتبر "الميدان الاعلامي" ابرز ساحاتها، ومن هنا يبحث رئيس الوزراء الاسرائيلي عن وسائل لتحسين ائتلافه ليصبح اكثر راحة بالنسبة له، وقد يكون ذلك من خلال التخلي عن بعض الشركاء واستبدالهم باخرين ، لكن هذا الخيار قد لا يكون قابلا للتنفيذ والتطبيق ، فالاحزاب الدينية المتزمتة التي تعتبر الشريك التقليدي ـ رغم تخليه عنها في تشكيلة حكومته الاخيرة ـ أفضل الخيارات بالنسبة لنتنياهو لتوسيع ائتلافه تعيش هي الاخرى صراعات داخلية قد تمنع اتخاذ قرار من جانبها حول مسألة الانضمام الى ائتلاف نتنياهو، ولكن حتى لو تحقق ذلك سيكون على نتنياهو التخلي عن بعض شركائه الحاليين ، وهذا ما يسعى اليه على ما يبدو رئيس الوزراء الاسرائيلي.
أزمة ائتلافية .. التعديل أم التبكير
ويمكننا القول أن "مفتاح" اجراء انتخابات مبكرة في اسرائيل وتفكك الائتلاف الذي يتزعمه نتنياهو، مرتبط بشكل اساسي بشريكين في الائتلاف، الاول، هو يائير لبيد, الذي يحاول استعراض العضلات مرة على المنصة السياسية ، المرتبطة بالبحث عن حلول سياسية مع الفلسطينيين ومرة اخرى فيما يتعلق بالامور الاقتصادية والشؤون المتعلقة بالوزارة التي يترأسها، وزارة المالية، والمناقشات التي تجري حول الميزانية. فالوزير "لبيد" الذي يتزعم حزب "هناك مستقبل" بات يدرك جيدا الخطأ الذي وقع فيه عندما وافق على تولي وزارة المالية في الائتلاف الذي يتزعمه نتنياهو، وهي وزارة تعتبر وزارة "محرقة الشعبية والتأييد" لكل من يتولاها، وهو اليوم يعاني من ذلك ويحاول ان يستغل وجوده في هذه الوزارة لتمرير تعديلات ضرائبية ترفع من اسهمه في الشارع الاسرائيلي ويرفض اي دعوات من المستويات المتخصصة في وزارة المالية والبنك المركزي في اسرائيل لزيادة نسبة الضرائب بهدف تعويض تكاليف الحرب على قطاع غزة. فأي زيادة ضريبية على المواطنين في اسرائيل ستساهم في مزيد من التراجع في شعبية الوزير لبيد الذي خاض المنافسة في الانتخابات الماضية رافعا راية الدفاع عن الطبقة المتوسطة في المجتمع الاسرائيلي التي ستتحمل بالتأكيد أعباء اي زيادة ضريبية. لذلك نشهد حالة من "شد الحبل" بين نتنياهو ولبيد حول الميزانية قد يؤدي في النهاية الى وصول العلاقة بينهما الى طريق مسدود يؤدي الى أزمة ائتلافية تقودنا الى تعديلات على الائتلاف أو انتخابات مبكرة .
ضجيج مزعج على اصوات اليمين
أما الشريك الثاني فهو بالتأكيد زعيم حزب "البيت اليهودي" ، نفتالي بينت، الذي يمتلك هو الاخر مفتاحا من مفاتيح اسقاط ائتلاف نتنياهو، ورغم أن لا احد في الائتلاف ولا حتى بينت نفسه يرغب بالذهاب نحو انتخابات مبكرة، الا أن هناك تنافسا يخلق حالة من الضجيج المزعج داخل الساحة الحزبية في اسرائيل على أصوات اليمين، فبينت حاول خلال الحرب على غزة الظهور بمظهر القائد الأكثر وطنية وأكثر صرامة وحزما، ودعا اكثر من مرة الى الاستمرار في الحرب على القطاع وصولا الى اسقاط حكم حماس واتهم نتنياهو ووزير دفاعه يعلون بعدم الحزم في التعامل مع حماس. وابرز تلك الصراعات، هي التي نراها بين بينت ووزير الدفاع يعلون الذي يتعرض لانتقادات من جانب زعيم حزب البيت اليهودي، ورغم حرص يعلون على عدم الانجرار الى مثل هذه الصراعات الجانبية، الا أنه في الايام الاخيرة وجد نفسها مضطرا للرد على بينت ووصف تصرفاته خلال الحرب على غزة بانها تصرفات استعراضية دعائية. لكن هذا الصراع الذي يديره بينت هو صراع على رأس اليمين في اسرائيل، ويعتقد بينت أن هناك فرصة لديه بالتقدم بخطوات كبيرة والاقتراب من قمة هرم اليمين في اسرائيل، ولكن بالتأكيد لن يكون بامكانه أخذ مكانة نتنياهو، ما دام الاخير موجودا في الساحة الحزبية، لذلك يفضل بينت العمل من أجل عرقلة صعود ما يمكن وصفهم بنجوم المستقبل في اليمين، امثال موشيه يعلون.
ليفني تخشى تبكير الانتخابات
اما باقي الشركاء كوزيرة العدل تسيفي ليفني فهي بالتأكيد لا ترغب بالذهاب الى انتخابات مبكرة فهي لا يمكنها أن تضمن احتفاظها بالقوة التي تتمتع بها اليوم، فهي لم تحقق اي تقدم في ملف التسوية مع الفلسطينيين، وهو ابرز الملفات التي اعلنت في الانتخابات الماضية أنها تسعى الى دفعه الى الامام وتحقيق تقدم فيه، لكن ، على الاقل ما زال هناك هذا الملف الذي قد تلوح به ايضا في اية انتخابات مبكرة في حال حدوثها، لكن من الصعب أن تكون النتائج مشابهة لما كانت عليها في الانتخابات الماضية، وقد نشهد تراجعا ملفتا لحزب "الحركة" برئاسة ليفني، هذا في حال لم تقرر عقد التحالفات وخوض المنافسة على الكنيست في قائمة موحدة مع احد احزاب الوسط او اليسار.
نتنياهو لا يتمنى انتخابات مبكرة.. لكنه لا يخشاها
أما رئيس الوزراء نتنياهو فهو بالتأكيد لا يتمنى انتخابات مبكرة، لكن بالتأكيد لا يخشاها، فاستطلاعات الرأي تؤكد أن الليكود ما زال هو الحزب الرائد في استطلاعات الرأي ويتقدم على جميع الاحزاب الاخرى، وأن الشعب في اسرائيل لم يفقد ثقته بقيادة نتنياهو للدولة، رغم مجريات الحرب الاخيرة على القطاع. ومن هنا، يستعد نتنياهو لأي طارىء لمواجهة اي خطوات غير متوقعة من جانب شركائه تؤدي الى الذهاب الى انتخابات مبكرة، وفي الايام الاخيرة هناك نشاطات ميدانية غير اعتيادية يقوم بها رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود نتنياهو، واخر تلك النشاطات كان لقاء "بيتح تكفا" لنشطاء من الليكود واعضاء الكنيست والوزراء عن الحزب بمشاركة نتنياهو للاحتفال بالعام العبري الجديد. وجاء هذا اللقاء في اطار التجاذبات الموجودة في الليكود فنتنياهو بادر الى الترتيب للقاء بيتح تكفا للمشاركة فيه والهروب من المشاركة في لقاء لمركز حزب الليكود بادر اليه داني دنون وعقد في اشكلون ، دنون الذي يعتبر من القيادات التي تتمتع بشعبية كبيرة في داخل الليكود، يحاول من خلال "مضايقة" نتنياهو المحافظة على مكانته في اوساط التيارات اليمينة المتعصبة التي باتت تيارات تؤثر على نتائج التنافس في الانتخابات الداخلية في الليكود، لكن بالتأكيد لا يمكن لدنون أو غيره أن يشكل خطرا حقيقيا على زعامة نتنياهو لليكود. وفي اطار الاستعدادات التي يقوم بها نتنياهو، عمل على اقامة فريق ثلاثي سيكون له تأثيرا كبيرا في ولادة قائمة الليكود التي ستتنافس في انتخابات الكنيست القادمة، حيث سيحرص نتنياهو على أن تكون النتائج مريحة بالنسبة له، وهذا الفريق الثلاثي يضم بالاضافة الى نتنياهو ، وزير الدفاع موشيه يعلون، ووزير المواصلات يسرائيل كاتس وهو من القيادات المؤثرة في الليكود.
ويبقى السؤال هل يتوقف الشركاء داخل ائتلاف نتنياهو عن الصعود غير المحسوب نحو اعلى الشجرة ويقررون العودة الى لغة الشراكة بينهم منعا لسقوط الائتلاف، أو أن الامور بدأت بالتدحرج نحو انتخابات مبكرة في اسرائيل؟َ! لا أحد يمكن أن يتوقع ما قد تحمله الايام القادمة، ففي اسرائيل يمكن أن تنام مع حكومة مستقرة لتصحو في الصباح على ضجيج تبكير الانتخابات والعكس صحيح.