ممدوح مكرم
للأسف نيجةً لظاهرة اليمين الدينى المتفشية ، و فهم هذا اليمين للدين و للتراث ، جعل البعض أو الكثير منا صراحة ً ، ينظر إلى التراث الوسيط فى مجمله نظرة سلبية ، بل و لا أبالغ إذا أقول عدائية !!
فأصبحنا لا نرى فى هذا التراث سوى التخلف ، و الرجعية ، و الطائفية ، و المذهبية ، و نشتم منه سوى رائحة القتل و الموت !!
فى حقيقة الأمر ؛ أرى أن ذلك نظرة مجافية للواقع ، و هى غير علمية ، و تنطلق من تعال و شوفينية ، بل وتعميم و اطلاق أحكام مطلقة .
فى التراث إيجابيات كثيرة حتى فى مستواه الرجعى
على سبيل المثال و ليس الحصر ؛ اهتم العلماء بما يعرف بأدب الأخوانيات، وهو الحديث عن الصداقة و الود بين الناس ، بل أنهم أفردوا لذلك مصنفات ، غاية فى الروعة ، احتوت على رقائق القول ، و أغرب و أندر القصص ، فضلاً عما تزخر به من قيم إنسانية رائعة ؛ تحض على الحب و الود و التلطف فى المعاملة ، و تكرس للوفاء و الصدق و الإخلاص ، هذه بالتأكيد أمور محمودة، نفتقدها كثيراً فى مجتمعنا .
من أبرز تلك الأعمال كتاب الصداقة و الصديق لفبسلوف الأدباء ، و أديب الفلاسفة أبو حيان التوحيدى ؛ الذى جاء من أوساط اجتماعية فقيرة ، عاش فقيراً ( القرن الرابع الهجرى )
كتاب أدب الدنيا و الدين لإبن أبى الدنيا وهو كتاب ممتع فى الرقائق ، و أفرد باباً تحدث فيه عن الخلان و الأصدقاء ، ورغم أن الكتاب ذو صبغة دينية صرفة ، حيث يشرعن تلك القيم بمعايير القرآن و السنة ( معظم أحاديثه ضعيفة ) إلا إنه كتاب غاية فى الروعة ، لو تم تدريسه و التحفيز على قراءته؛ ما كنا راينا داعش و لا واغش ( نحن لسنا ضد أن يكون الدين ضمن منظومة القيم ، لكن أى قيم ؟؟ و لصالح من يبقى الوضع ..أو يتغير ؟؟ هذا هو الفيصل )
أيضأً أفرد الأبيشهى فى سفره المستطرف من كل فن مستظرف باباً عن الخلان و الأصدقاء ، وكذلك أبو حامد الغزالى ( رغم رجعيته) أفرد أيضاً لذات الموضوع كتاباًً ضمن مشروعه الضخم إحياء علوم الدين .
وتعرض أيضاً لها أبو عمرو ، عثمان بن بحر ( الجاحظ ) فى كتبه ، وكثير وكثير ، بل أن كتاب ألف ليلة و ليلة أيضاً ، حملت بعض حكاياته نوعاً من هذه القيم الراقية .
التراث : تراثنا نحن بكل تفاصيله ..و ليس تراث الإرهابيين و الجماعات المحافظة ، نحن الأولى بالبخارى و باقى أصحاب الحديث ، و نحن الأولى بالطبرى و كل مدارس التفسير ، و نحن الأولى بابن حيان ، و الخوارزمى ، و الحلاج ، و السهرودى ، و ابن عربى ، و المجلسى ، و ابن بابويه القمى ، و بهاء الدين العاملى ، و المعتزلة و الخوارج و التصوف ، ما نتفق معه وما نختلف معه .من روائع تراثنا العربى
2014-09-03