في موازاة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتهديد الاحتلال بأيام طويلة من القصف والغارات والقتل والتدمير، كان لـ«رسالة السلام» لرئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل مكاناً بارزاً في الإعلام العبري. المقالة التي نشرتها «هآرتس» للأمير السعودي، تأتي في أطار فعاليات «مؤتمر إسرائيل للسلام»، عبّر فيها عن اليد الممدودة للتسوية مع تل أبيب، وشوقه إلى دعوة الإسرائيليين لزيارة منزله في الرياض.
صحيفة «هآرتس» نشرت في عددها الصادر أمس أهم الكلمات والرسائل الواردة إلى «مؤتمر إسرائيل للسلام» الذي نظمته الصحيفة في تل أبيب. إلا أن نجم الكلمات كان تركي الفيصل، إلى جانب رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما. وفيما حرص الفيصل على الدعوة إلى السلام مع إسرائيل «كي نعمل معاً لحل المشكلات الملحة الكثيرة التي تتحدى منطقتنا»، وضع أوباما تفكيك السلاح الكيميائي السوري في خانة تعزيز أمن الدولة العبرية.
وأكد الفيصل أن اليد ما زالت ممدودة للسلام مع إسرائيل، بناءً على مبادرة السلام العربية التي اقترحها الملك عبدالله يوم كان ولياً للعهد، وتبنّتها الجامعة العربية عام 2002، مشيراً إلى أنها صيغة عادلة وشاملة للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، إذ لا يوجد حلّ عسكري قادر على منح دول المنطقة السلام والأمن اللذين تطمح إليهما. وأعرب الفيصل عن أسفه لأن «أياً من الحكومات الإسرائيلية لم تتجاوب مع مبادرة السلام العربية التي ما زلنا حتى الآن مصرّون عليها ومتمسكون بها، وما زالت على الطاولة أقوى مما كانت عليه».
لم ينته حلم الأمير السعودي بزيارة إسرائيل، بل شمل أيضاً دعوة الإسرائيليين إلى زيارة السعودية
وانتقل الفيصل الى «الدراما والأحلام»، ليعيش من خلال كلمته حلم السلام مع إسرائيل. وقال: تعالوا نحلم للحظة.. تخيلوا أن أستطيع أن أركب الطائرة من الرياض وأطير مباشرة إلى القدس، وأركب من هناك سيارة أجرة لأزور قبة الصخرة، ومن ثم أزور قبر إبراهيم في الخليل. ثم أعود إلى بيت لحم لأزور كنيسة المهد، وبعدها إلى متحف المحرقة اليهودية، تماماً كما قمت سابقاً بزيارة متحف الكارثة في واشنطن، عندما كنت سفيراً هناك».
ولم ينته حلم الأمير السعودي بزيارة إسرائيل، بل شمل أيضاً دعوة الإسرائيليين إلى زيارة السعودية، إذ أضاف «يا لها من لذة ألا أدعو الفلسطينيين فقط، بل الإسرائيليين الذين سألقاهم أيضاً، ليأتوا لزيارتي في الرياض، حيث يستطيعون التجول في بيت آبائي في الدرعية التي تشبه معاناتها التي نالتها من قهر إبراهيم باشا معاناة القدس على يد نبوخذ نصر والرومان» ضد اليهود.
لم ينس الفيصل الأراضي المحتلة في لبنان وسوريا، ووجد حلاً خلاقاً لا يسمح للبنان وسوريا باستعادة أراضيهما، وقال: في لبنان يمكن أن تُنقل المناطق التي احتلتها إسرائيل الى الأمم المتحدة، وذلك إلى أن تتشكل حكومة لبنانية قابلة للبقاء كي تحصل عليها، وكذلك الأمر في سوريا، فإن الجولان المحتل يمكن أن يُسلم الى الأمم المتحدة كي تديره، وذلك إلى أن تتشكل حكومة جديدة هناك»، وأضاف: «لا يوجد أي شيء مستحيل مع وجود قدر من الإرادة الخيرة وبدعم من الولايات المتحدة والجامعة العربية».
وختم الفيصل مجدداً تشديده على أهمية السلام مع إسرائيل، وأعرب عن أمله بأن يسهم مؤتمر «إسرائيل للسلام» في دفع جهود السلام قدماً بناءً على مبادرة السلام العربية، إذ «أتمنى اليوم الذي يمكنني أن أشارك في مؤتمر كهذا وأن يمكن للإسرائيليين الذين يشاركون فيه أن يتوجهوا جواً إلى الرياض ليشاركوا في مؤتمرات تنحصر عنايتها في مسألة كيف نستطيع جميعاً أن نعمل معاً لحلّ المشكلات الملحة الكثيرة الأخرى التي تتحدى منطقتنا».
من جهته، لم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما أقل كرماً من الأمير السعودي في الإعراب عن تطلعه إلى أمن إسرائيل وحمايتها، مؤكداً في رسالته الموجهة إلى المؤتمر أن الأسوار والمنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ قد تحمي إسرائيل من تهديدات ما، لكن الأمن الحقيقي لن يُحرز إلا في إطار التفاوض مع الفلسطينيين لإحراز سلام عادل قابل للبقاء.
وأكد أوباما أنه يدرك معاناة أولئك الإسرائيليين الذين يسكنون قرب الحدود الشمالية، و«الأولاد في سديروت الذين لا يريدون سوى أن يترعرعوا بلا خوف، والعائلات التي فقدت بيوتها وأملاكها في هجمات صواريخ حزب الله وحماس. وبصفتي أب أتخيل الألم الذي تشعر به عائلات الفتيان الثلاثة الذين اختطفوا وقتلوا على نحو مأساوي».
وأكد أوباما أن الولايات المتحدة كانت دائماً أكبر صديقة لإسرائيل. وقال «التزامها والتزامي بأمنها لن يتضعضعا أبداً.. وفي الشهر الماضي أزال المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة آخر بقايا السلاح الكيميائي السوري المصرح به، والقضاء على هذا المخزون يضائل القدرة على استخدام طاغية لإبادة جماعية، لا ليهدد الشعب السوري فقط بل جارات سوريا ومنها إسرائيل».
تهديد «الدولة الإسلامية» وراء عودة بندر
مع مواجهة السعودية لتهديدات من مختلف الجهات، كان لا بد من أن يتحرك الملك عبدالله لتجهيز فريق سياسته الخارجية بما يتناسب مع التطورات. وتمهيداً لذلك، وجب ترتيب البيت السعودي والعمل على إخماد النزاعات بين أفراد العائلة الحاكمة. في مقال في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، يشرح الباحث في «معهد واشنطن» سيمون هندرسون أنه مع ازدياد التهديدات في الشرق الأوسط، لم يعد هناك وقت أمام عبدالله للمماطلة. وفي هذا الإطار، يرى هندرسون أنه كان على عبدالله تعيين بندر بن سلطان مستشاراً ومبعوثاً خاصاً، وتعيين خالد بن بندر رئيساً للاستخبارات العامة، لسببين أحدهما داخلي والآخر خارجي. خارجياً، يوضح هندرسون أن «الغزو الذي قامت به الدولة الإسلامية ترك حدود السعودية معرّضة لفوضى ما تبقى من ربيع عربي».
وفي هذا الإطار، يرى أن «الحاجة أصبحت ملحة لجهود بندر بن سلطان الذي تم إعفاؤه من منصبه كرئيس للاستخبارات، في نيسان الماضي، بعد عدة سنوات من قيادته محاولات السعودية لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد»، مشيراً إلى أن مهمته ستكون «التأكد من أن انتصارات الجهاديين في العراق تهدّد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ولكنها لا تهدّد المملكة».
أما داخلياً، فيرى هندرسون أن ارتقاء خالد بن بندر إلى أعلى مرتبة في جهاز الاستخبارات في المملكة أتى «بعدما أصبح ضحية للخلافات ضمن العائلة المالكة، والتي أدت إلى إقصائه من منصبه كنائب وزير الدفاع بعد ستة أسابيع على تعيينه»، الأمر الذي كان يمكن أن يفتح الباب أمام مزيد من الخلافات. ويختم هندرسون بالقول إن «إعلان الخلافة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية يشكل تحدياً لدور المملكة السعودية التي تعتبر نفسها قائد العالم الإسلامي، فيما يشكل التقارب بين طهران وواشنطن حول الأزمة العراقية والملف النووي تهديداً للقيادة السعودية في العالم العربي أيضاً».
عن صحيفة "الاخبار" اللبنانية