2024-11-25 10:51 م

قراءة في "نصب تذكاري"

2014-04-24
الشاعر والروائي  اياد شماسنة //
كتاب "نصب تذكاري" عمل تسجيلي، يلتقط جمرات متوهجة من ذاكرة حية مشتعلة لاثنين من المناضلين الاحرار:"حافظ أبو عباية" و"محمد البيروتي"، حيث يسجلان معا مشاهد عاجلة من حياة أكثر من خمسين مناضلا، منهم من صدَقَ ما عاهَدَ الله عليه، ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا . وذلك في كتابهما الصادر عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين عام 2013 (مع التحفظ على التسمية، فأنا أؤمن أنها وزارة الأحرار) في 216 صفحة من القطع المتوسط وغلاف من تصميم محمد البيروتي، وقد قدم للكتاب: الكاتب والوزير عيسى قراقع. يعاود الكاتبان في كتاب "نصب تذكاري" حفر قائمة من أسماء المناضلين في وعينا الحاضر، بعضها معروف مألوف وبعضها عرفته للمرة الأولى، وأشك أن الكثير من أبناء جيلي يعرفه، حتى أني عندما حاولت البحث عن تفاصيل بعض الأسماء لم أجد لها ذكرا،اللهم إلا خبرا لنعي احد الأبطال عبر موقع إحدى الفصائل أثناء تشييع جثمانه في " مخيم النيرب" في سوريا، الكاتبان يسطران في الذاكرة الحية قصصا إنسانية، ومشاهد سريعة مقتضبة لمناضلين قدامى قضوا عمرا طويلا بين القضبان، مما يعيد تفجير التاريخ الذي أغفل الكثيرُ من أولي الأمر، وأصحاب الأقلام، من صناع المناهج، وبرامج التوجيه والتوعية؛ تقديمه إلى الأجيال الصاعدة، بل ويعيد الكاتبان تقديم رجال صنعوا الثورة والاشتباك في ذروة السنوات العجاف، قبل أن تتحول الثورة إلى مؤسسات ومكاتب، ومراتب ، وحقائب . تنبع أهمية الكتاب من انه يقدم شهادات مباشرة لمن شاهد وسمع وجرب وذاق نفس الألم والإحباط والجراح لمن يروي عنهم ويسجل تفاصيلهم ، وهما كما قال الأسير الحر صالح أبو لبن شاهد صدق وذاكرة حية معجمية متنقلة، فهذه الذاكرة لم تنقل عن غيرها، بل كانت المرجع الأول الذي يسجل في عمقه الاسم الرباعي للمناضلين والتواريخ المتعلقة بهم ، حتى أنها تكاد تكون المرجع الأول والمرشد الأمين، مما يطلق الدعوة إلى تطوير هذا العمل عاجلا، من اجل الوصول إلى معجم متكامل لرجال ونساء الحركة الأسيرة . ما تمت ملاحظته في هذا الكتاب لا ينقص من قدره وريادته أو مصداقيته وإنما هو إيمان بهذا العمل الرائد الذي يحتاج، بل ويستحق المزيد والكثير من العمل المساند ماديا ومعنويا ومنهجيا ، فهناك تقاطع في سير رجال عملوا معا واعتقلوا معا، حيث يتكرر وصف المعارك أو تجارب الاعتقال، والمعتقلات والأحداث مما يستدعي استخدام طريقة في تصنيف الأسماء إلى مجموعات تشترك في نفس التجربة أو النضال. كما أن هناك أسماء وردت في الكتاب لم نجد عنها معلومات في ملحق خاص، ولو باختصار. كما أن الكتاب باعتباره تسجيلا لذاكرة الكاتبين، كان مقتصرا على ذاكرتهم الخاصة ومعرفتهم الشخصية بالمناضلين ممن عايشوهم، فلم يشف الناتج الغليل، بقدر ما استفز وأثار الفضول حول بقية التفاصيل الغائبة، وخاصة المنعطفات الأساسية للشخصيات بدءا من مكوناتها ومؤهلاتها للبطولة والنضال ثم اعتقالها وصمودها ووصولا إلى عودتها إلى البيت الأول أو الثاني أو الثالث كما قال الأستاذ صالح أبو لبن في روايته، كما أن الكتاب جاء ذكوريا خالصا رغم أن تاريخ الحركة الأسيرة به من أسماء المناضلات ما يفتخر به. كما أني اعتقد أنه كان من حق الكاتبين؛ الاعتناء بالكتاب، وإكرامه، من خلال إسناده إلى لجنة تحرير احترافية للتعامل معه ؛من حيث مونتاج المادة وإخراجها وتحريرها وتدقيقها، إضافة إلى تصميم غلاف رمزي ذو دلالة شاملة، مع العناية بالغلاف الخلفي، ثم توفير المزيد من المراجع من الشهود أو السجلات والوثائق أو من رافق المناضلين من المعتقلين الآخرين، الذين يحفظون السير الذاتية للإبطال باعتبار أن هؤلاء الأسماء ومثلهم معهم من مفاصل العمل الثوري في تاريخ التحرر الفلسطيني للرجوع إليها والتوسع في البحث عند الضرورة والحاجة إلى المزيد. من الوفاء للمناضلين والمعتقلين والأحرار؛ البدء فورا وانطلاقا من هذا العمل واسترشادا بالأسماء الواردة فيه، وفق مبدأ الكرة الثلجية المتبع في البحث العلمي المتعلق بهذه الحالات، وذلك لإعداد معجم شامل للأبطال الأحرار المعتقلين، وفق منهج تاريخي توثيقي، يبدأ بقدامى الأسرى ممن يخشى أن تفقدهم الذاكرة في زحمة العمر. هذا العمل وان كان مشروعا طموحا وكبيرا؛ لكنه إن تم عبر مراحل فانه سيشكل رافدا هاما وفريدا للأدب والتاريخ والسياسة ومنهجا من مناهج الوفاء، ودليلا أخلاقيا وثوريا وعلميا للأجيال الحالية والقادمة التي بدأت تكفر بالسياسة ثم بالفصائل لما استجد على الساحة، ثم إني أظن أن هذه الأجيال بدأت تنسى كثيرا من تاريخ الرجال ومن مفاصل تاريخ الاشتباك ولحظات التضحيات باعتبار الثورة عملا إنسانيا مدافعا عن الذات الإنسانية بالدرجة الأولى قبل أن يكون اشتباك عنيفا أو قتاليا.وقد يساهم هذا العمل إن كتب له التحقق في إنارة النفق عبر تنوير مسترشد بالإحداث الفاصلة المفصلة لمراحل الثورة والنضال لكي نعرف أين نحن الآن بعد أن كدنا نفقد البوصلة التي كنا نحن صناعها ثم اقتربنا من فقدانها نهائيا .