لكن نتنياهو واستنادا لدوائر اسرائيلية، كشخصية سياسية ناضجة تدرك بأن من الخطر الانسياق وراء استطلاعات الرأي "المبشرة" بالفوز المنشود، وأن أحدا لا يستطيع توقع النتيجة التي يحققها في صناديق الاقتراع، فاستطلاعات الرأي لا يمكن أن تعكس دائما صورة حقيقية لما سيفرزه صندوق الاقتراع.
والمؤكد، كما ترى هذه الدوائر أن نتنياهو يدخل السباق الانتخابي في اسرائيل، وهو في أفضل حالاته، وفي أعلى درجات قوته، سواء في مواجهة خصومه في الحلبة الحزبية، أو خصومه داخل الليكود، ويتمنى نتنياهو حسم المعركة الانتخابية لصالحه، وأن يحافظ على قوة الليكود في الكنيست القادمة، ونتنياهو الذي قرر تبكير الانتخابات هربا من مفاوضات صعبة لتمرير الميزانية، أدرك بأن طريقه مليئة بمحطات الابتزاز من جانب الشركاء في الائتلاف، الذين يرغبون في تحقيق وجني مكاسب ترضي جمهور ناخبيهم، قبل الذهاب الى صناديق الاقتراع، ففضل نتنياهو تجاوز هذه العقبة والخروج الى انتخابات مبكرة.
وحتى الان لا يوجد منافس قوي لنتنياهو يمكن أن يعرض فرص فوزه للخطر والانهيار، ويهدد وصوله الى خط النهاية في السباق الانتخابي، فرئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت لا يشكل حتى الان أي تهديد لنتنياهو، لكن، لا أحد يدري كيف تسير الامور خلال الايام والاسابيع القادمة، وما هو شكل وطبيعة الصفقات والتحالفات التي ستقام، وماذا سيكون تأثيرها على شعبية رئيس الوزراء؟!
وسيحاول نتنياهو خلال الاسابيع القادمة جعل الاجندة الامنية هي المسيطرة على الطقس الانتخابي في اسرائيل، وابعاد المسائل المتعلقة بالاقتصاد والعدالة الاجتماعية عن الساحة، أو على الاقل التغطية عليها بواسطة أجندة أمنية، واستنادا الى مصادر اسرائيلية فان نتنياهو منشغل اليوم في البحث عن "الساحة" التي سيستخدمها لتحقيق اهدافه، وتستبعد هذه الجهات أن تكون ايران من بين الخيارات التي يفكر بها نتنياهو، لخطورة المغامرة في تلك الساحة، والخوف من السقوط في بحر هائج يعصف بالليكود ، ويقضي على مستقبل نتنياهو السياسي، وفي ظل استبعاد هذا الخيار ، تصبح الخيارات واضحة أكثر من "عمليات جراحية" في الساحة السورية، الى عمليات "توغل محدود" في قطاع غزة، بالاضافة الى عمليات "اغتيال نوعية" ضد قيادات في حزب الله، تلك الخيارات الثلاثة هي المطروحة اليوم على طاولة رئيس الوزراء الاسرائيلي الراغب في جعل الورقة الامنية هي المسيطرة في هذه الانتخابات، فنتنياهو يؤمن بأن اشغال الشارع الاسرائيلي بالمواضيع السياسية والامنية أفضل بكثير من المسائل الاقتصادية، حتى لا يجد نفسه في موقف الدفاع في ضوء الازمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم ، وموجة الارتفاع المتواصل للاسعار في اسرائيل.
لكن، يبقى السؤال المطروح، هو : ما هي الساحة التي قد تكون ضحية العملية الانتخابية في اسرائيل، وأي الساحات سيفضلها نتنياهو على غيرها وما هي العوامل التي ستحدد له وجهته، والى أي مستوى سيقرر الغوص في مواجهة عسكرية، وهل ستحقق مثل تلك المغامرة ما يسعى اليه لتحويل الاجندة الامنية الى الاجندة الرئيسة في الموسم الانتخابي الذي بدأ مبكرا في اسرائيل!!