التراث ليس تراكم خبرات ومعارف وكتب انما اعتراف امام العالم بوجود تاريخ مشرق لأمة آما أو لشعب من شعوب الارض , والتراث بما فيه من خبرة وطاقة وشخصية الامة التي ابدعته حسب مواهبها وظروفها يمكن ان يكون اداة شد الى الخلف ويمكن ان يكون وسيلة تسريع ودفع للإمام , وذلك حسب ما يبث في نفوس ابنائه من قيم ومشاعر وينير من مواقف .
هذا فضلا عن تاريخ الحضارات القديمة والحكايات والقصص الشعبية المتداولة .. الحكايات التي استوحاها الشاعر العربي الحديث من تراثه القومي او الوطني , مثل قصة - هابيل وقابيل - ويأجوج ومأجوج - وأيوب - وناقة صالح - وجنة عدن - وارم ذات العماد - وسيرة عنترة بن شداد - والإسراء والمعراج -وقصص الف ليلة وليلة .
ولكن يبقى ان نعرف : كيف نوظف هذا الموروث ؟ وكيف نفسره ؟ وكيف نستفيد من الطاقات الكامنة فيه في المعرفة وفي لحظة الابداع الدرامي والتكنيك الجمالي ؟ , وخاصة قصص الانبياء مثل قصة - ايوب - ويوسف - وموسى والفرعون - وصولا الى تاريخنا الاسلامي الذي لا نعرف منه دراميا سوى الهجرة النبوية المباركة .
ليس معنى هذا ان التراث تحول الى ايدلوجيا او الى نظريات يفسرها الاخرون حسب افكارهم الضيقة فهي في النهاية تعبر عن وعي ومواقف شجاعة فأسماء ثائرة امثال : الحسين بن علي - وأبا ذر- والحلاج - والصعاليك - وعلي بن محمد .. لم يعودوا مجرد اسماء ساكنة في ذمة التاريخ بل ثوارا يسهمون في الثورة المعاصرة من خلال استلهام الشعراء والكتاب الروح التغيرية في مواقفهم وأفكارهم .
فمنذ القرن التاسع عشر ولحد اليوم ونحن نحتك بالحضارة الغربية التي اخذت تزحف علينا بآلاتها وعددها وأسلحتها وأفكارها ونظمها التقنية الحديثة زحفا لا قبل لأحد بعده , ولم يكن هذا الاحتكاك بقيمنا الضاربة في عمق التاريخ والتراث الموروث هينا رقيقا دائما بحيث يتفاعل الجديد الاوربي - الامريكي بالقديم الشرقي - الاسلامي بطريقة الامتصاص .. بل ان الحضارة الغربية اصطدمت - في كثير من الاحيان - بتراثنا اصطداما عنيفا .
لذلك لا يسع العربي ان يتغاضى عما يدور حوله في البلاد الاخرى , وأصبح ملزما بان يشارك - شاء ام ابى - في كل ما يجري على هذا الكوكب الارضي .. فما يحدث في اقصى امريكا نجده له صدى في قطر والعراق وما يدور في اليابان نرى له رد في الامارات ومصر .. وهكذا اخذت البشرية تسير في طريق ما يسمى - المجتمع الدولي - المتكون من عناصر متشابكة متداخلة .
ويجب ان نتساءل قبل ادخال أي عنصر حضاري او ثقافي جديد في مجتمعنا .. هل يتلاءم هذا العنصر سواء كان الة ام نظاماَ ام تقليدا أو فكرة مع ظروف المجتمع وهل يؤدي ادخاله الى نفع أم اصطدام ؟ وكما يقول المثل الصيني القديم ( الفم المغلق لا يدخله ذباب ) .
تراثنا وحضارتهم هل يلتقيان؟
2014-02-23
بقلم: شاكر عبد موسى الساعدي / العراق