2024-11-27 02:21 م

الانتخابات المبكرة في اسرائيل.. الدوافع ، البرامج الانتخابية والخارطة الحزبية

2012-10-11
القدس/المنـــار/ قرار تبكير الانتخابات العامة في اسرائيل له أسبابه وتداعياته على الساحة الحزبية ، مرحلة جديدة تنشط فيها الاحزاب اصطفافا وشراء ذمم، وبرامج انتخابية تتناول القضايا ذات الاهمية، تدور جميعها في حلقة تصارع مستمر حتى موعد الانتخابات الجديدة التي ستفرز ائتلافا يقود الدولة في مواجهة تحديات تتعاظم.
في هذا التقرير تلقي (المنــار) الاضواء على تبعات هذا القرار، وأسبابه، وما يجري في الساحة من تحركات ويتخذ من خطوات ومواقف، يمكن البناء عليها، في رسم صورة قد تكون أقرب الى الصواب في توقع النتائج، انتخابات مبكرة في ظل أجواء عاصفة محيطة.. وأزمة اقتصادية في طريقها الى نتائج أكثر حدة، يضاف الى ذلك، القضايا العالقة منذ سنوات طويلة لم تلاق حلولا عبر هذه السنوات، مع مخاوف من معارك ومواجهات واسعة في اكثر من ساحة تثير قلق قادة اسرائيل وتهدد برامجهم.
نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل، أقدم على تبكير الانتخابات لأن له اسبابه، وسعيا لفترة حكم ثانية أكثر راحة واطمئنانا له، وللائتلاف الذي سيقوده، ففي اسرائيل لا مكان لحزب واحد يقود الدولة.
نتنياهو لم يرغب في اكمال فترة ولايته، وأمضى ثلاث سنوات مريحة من هذه الفترة، واتجه لشراء سنوات ثلاث، اكثر راحة، ولم ينتظر حتى شهر تشرين أول من العام 2013، خشية عدم ضمان نتائجها، فهو سيجد نفسه في حال عدم التبكير مضطرا لاتخاذ قرارات اقتصادية، وهذه القرارات لن تخفف معاناة الاسرائيليين، وبالتالي، اجراء الانتخابات في موعدها سيؤثر سلبا على فرص انتخابه وفوزه ثانية، فسارع الى اتخاذ قرار تبكير الانتخابات.
ونتنياهو يدرك أن هناك ادارة امريكية جديدة قادمة، ديمقراطية كانت أم جمهورية، وبالتالي، هناك طلبات وضغوط تنتظره، لذلك عليه أن يقوي نفسه لمواجهة ذلك، والطريقة الافضل لتفادي الضغوط، هو الذهاب الى الشعب والحصول على ثفته، ليعود من جديد أقوى من السابق، أي أن نتنياهو استبق الانتخابات الامريكية على رأس ائتلاف مستقر، قادر على اتخاذ القرارات المصيرية.
وقد يكون نتنياهو اتخذ قرار بتبكير الانتخابات لمصلحة اسرائيل "الامنية" وليس لمصالح حزبية فقط، وبالتالي، أراد ارسال رسائل قوية، ونتنياهو أيضا بتبكيره الانتخابات حول الوضع الى حملة انتخابية في ارجاء البلاد لصالحه.
ولكن، لن نستبعد هنا، امكانية قيام نتنياهو بمغامرة أمنية عسكرية قوية، نحو الساحة الايرانية، أو أن يفتعل مشكلة مع حزب الله، قبل الموعد الانتخابي الجديد، وعندها قد يتأجل هذا الموعد.

نتنياهو والشعارات الانتخابية

شعار نتنياهو في الانتخابات السابقة كان يشير الى قوته وخبرته في المجالين الامني والاقتصادي، لكن، نتنياهو الان لا يمكنه مواصلة التلويح بهذا الشعار في حملته الانتخابية التي بدأها بالفعل منذ لحظة اعلانه عن تبكير الانتخابات.
ويدرك نتنياهو أن الورقة الاقتصادية لا يمكن التلويح بها، وعليه البحث عن اوراق اكثر بريقا بشكل خاص من الناحية الامنية، لأن رئيس الوزراء الاسرائيلي ليس لديه ما يقدمه للمواطن العادي في اسرائيل ولا يمكنه أن يطلق شعارات تبعث الأمل في قلوب الاسرائيليين، في ظل حالة ارتفاع الاسعار المتواصلة، وعدم القدرة على تطوير الاقتصاد الاسرائيلي بصورة تخلق المزيد من فرص العمل.
ونتنياهو لا يمكنه القتال على الجبهة الاقتصادية، حيث خبرته في هذا المجال محدودة جدا، وخططه مفضوحة انكشفت طوال السنوات الاخيرة منذ توليه رئاسة الوزراء، اذا، نتنياهو لا مفر له من البحث عن أجندة أمنية، وحتى هذه الاجندة مساحتها محدودة، وهو لا يمكن أن يواصل التلويح بالورقة الايرانية لعدة أسباب من بينها، أن الولايات المتحدة طلبت منه وبشكل مباشر وحازم عدم اطلاق تصريحات متطرفة يمكن أن تجر المنطقة الى دوامة حرب اقليمية، وأدرك نتنياهو أن واشنطن لا تفكر بخوض أية حروب ، لا في ظل الادارة الحالية، ولا في عهد الادارة القادمة جمهورية كانت أم ديمقراطية، لذلك، قد يجد نتنياهو نفسه مضطرا للبحث عن مغامرة أمنية توفر له "الهالة" المطلوبة، داخليا ويحسم من خلالها فرصة الفوز.

خيارات أمام نتنياهو

وتبقى ساحتان أو خياران، الساحة الفلسطينية وتحديدا قطاع غزة، والساحة اللبنانية في مواجهة حزب الله، وهناك بالطبع امكانية الانتقال الى تنفيذ عمليات جراحية محدودة ودقيقة ضد الاسلحة غير التقليدية التي تمتلكها سوريا، كما تروج تل أبيب.
أما بالنسبة للموضوع الفلسطيني، وما اذا كان هذا الموضوع سيكون له أي تأثير على الساحة الانتخابية في اسرائيل، فالموضوع الفلسطني غائب منذ اشهر طويلة عن الساحة الاسرائيلية، ولا حديث جاد عن عملية سلام، أو حتى عن فرصة لتحقيق وانجاز حلول مع الفلسطنييين.
أما بالنسبة لعودة هذا الموضوع الى الساحة فمرتبط بمدى رغبة نتنياهو في "تنويع" الاجندة والقضايا التي ستدور حولها المعارك والحملات الانتخابية، خاصة في ظل غياب الاجندة الاقتصادية، أو على الاقل محدوديتها بالنسبة لنتنياهو ، وهو سيكون سعيدا في حال حاولت جهات مسلحة التأثير على مجريات الامور الانتخابية، عندها ستفتح الابواب أمام نتنياهو لاشغال الرأي العام في اسرائيل بالامور الامنية وابعادهم عن التفكير في معاناتهم الاقتصادية.

شيلي يحيموفيتش والمنطقة الرخوة

ولكن، بالنسبة للاحزاب الاخرى، فالمسألة مختلفة ، وهناك اجماع في داخل الاحزاب اليسارية وأحزاب الوسط على أهمية ضرب نتنياهو في هذه المنطقة الرخوة التي لن يستطيع صدها ومواجهتها، وأبرز اللاعبين في هذه الحرب وميدانها الاقتصاد هي زعيمة حزب العمل "شيلي يحيموفيتش" التي قد تشكل تحديا حقيقيا لنتنياهو الذي يدرك ذلك، فاذا ما استطاعت زعيمة العمل أن تجعل الحملة الانتخابية وأجندة الانتخابات اقتصادية مطلقة، فستكون لديها فرصة ملامسة المقاعد التي سيحصل عليها الليكود في الكنيست وبنسبة متقاربة جدا، فاستطلاعات الرأي تظهر أنها ليست بعيدة جدا عنه، وأعطتها 17 مقعدا، وما زالت الفرصة أمامها سانحة وقوية ، محاولة التأكيد على أن حزب الله هو حزب وسط، مبتعدة عن أية اشارة الى هويته اليسارية ، لأنها ترغب في اجتذاب الاصوات من كل الاطياف الاسرائيلية وشرائح الاسرائيليين يجمعها الغضب من سياسة نتنياهو الاقتصادية، و "شيلي" ترغب في طرح نفسها بديلة عن نتيناهو، ليس على أرضية التوصل الى اتفاقيات سلام بل على أرضية اقتصادية فالارضية السياسية والبحث عن تسوية لم يعد قائما في الساحة الاسرائيلية، على عكس ما كان في معارك انتخابية سابقة، أي أن حزب العمل يرغب في التركيز على رايته الاجتماعية.

كاديما .. والعودة الى الاستقرار

وبالنسبة لحزب كاديما، فهو ما زال في حالة عدم استقرار، وينتظر عودة مأمولة لقيادات خرجت من الحزب، وبعضها يمضي اجازة بعيدا عن العمل السياسي كاولمرت وليفني، في حال قرر اولمرت جديا العودة الى الحياة السياسية في صفوف كاديما، فان الحزب قد يطرح نفسه وبقوة كبديل لنتنياهو، في حال فشل الاخير في تجزئته، ففي داخل كاديما اصوات كثيرة تتحرك من أجل اقصاء موفاز وافساح المجال لاولمرت، لذلك، تعمل من أجل انتخابات داخلية سريعة خلال 30 يوما، وفي حال اجرائها سيفوز اولمرت برئاسة كاديما، لأنه شخص يمكن أن يسوق نفسه كبديل لنتنياهو، وبامكانه حصد أكبر عدد من المقاعد لصالح الحزب، غير أن موفاز لا يحبذ الانتخابات الداخلية وقد يلجأ الى ما يسمى بـ "المؤتمر المنظم" ، من خلاله تجري مشاورات لاختيار قائمة الحزب للكنيست، ولكن، هناك دوائر تتحدث عن امكانية تنازل موفاز عن المقعد الاول لصالح اولمرت.
كما أن ليفني تدرس امكانية العودة الى الحياة السياسية من جديد. وهناك حزب "هناك مستقبل" الذي شكله لبيد، والذي منحته استطلاعات الرأي 17 مقعدا في الكنيست القادمة.
واذا ما نظرنا الى الحلبة الحزبية، نرى أن الجناح اليميني و هو جناح "المعسكر الوطني" اليمين والليكود، ومقاعده في الكنيست لن تتأثر في الانتخابات القادمة، ربما بزيادة مقعد أو نقصان مقعد، لأن الكتلة التصويتية الخاصة باليمين عادة لا تتغير، وهي كتلة منظمة وقوية نابعة من الايديولوجيا الحاشدة لهم، على عكس اليسار وهنا لا نستطيع القول بأن هناك يسار، فاليسار الحقيقي هو حزب ميرتس ، وحتى التكتلات الجديدة "لبيد وليفني ورامون" وكاديما والعمل جميعهم يتنافسون على الوسط، وهو سيفرز بعد الانتخابات معسكر وسط يسار غير قادر على تشكيل اي ائتلاف، ولن يكون بديلا لمعسكر اليمين.

اقتراحات متداولة

هناك اقتراحات يتداولها البعض في الساحة الحزبية، تدعو الى تغيير نتنياهو، وتشكيل تحالف يسار وسط يخوض الانتخابات في مواجهة "معسكر اليمين" غير أن فرص تحقيق مثل هذا الخيار أو الحل ضعيفة جدا، لأن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة هي التي تتحكم في مثل هذه التحالفات ، لذلك ستفشل في تشكيل تحالف.

الاحزاب الدينية

أما الاحزاب الدينية فلن تشهد تغيرات جوهرية ، من حيث عدد الاصوات التي ستحصل عليها، حتى لو دخل لاعب ديني جديد الى الحلبة، بقيادة الحاخام اريية درعي، الذي من غير المستبعد أن يقرر في النهاية خوض الانتخابات للكنيست من داخل حركة شاس.
أما قوة افيغدور ليبرمان فستبقى كما هي، وفي حال غادر ليبرمان الحزب بفعل قرار قضائي، فانه سيعمل على اختيار شخصية يثق بها لرئاسة حزبه "اسرائيل بيتنا" حتى يتفرغ هو لمعركته القضائية ويدافع عن نفسه من التهم الموجهة اليه، في وقت يبقى ممسكا ومتحكما بالحزب من وراء الستار.

الائتلاف القادم

أي ائتلاف قادم في حال فوز نتنياهو لن يكون مختلفا عن الائتلاف الحالي، ونتنياهو وعد الاحزاب المشاركه معه في الائتلاف بأنها ستشاركه الائتلاف القادم، ربما ايضا مع حزب العمل، اذا ما تم الاتفاق على سيناريو انضمامه الى الائتلاف، لأنه لا توجد هناك حلول سياسية مع الفلسطينيين.
وهنا، يمكن أن يطرح السؤال التالي:
هل نتنياهو معني أن يعيد من جديد موضوع التسوية مع الفلسطينيين خلال حملته الانتخابية أو أنه يفضل البقاء بعيدا عن هذا الموضوع، ربما يطرح اقتراحا ما لاحراج حزب العمل المعروف تاريخيا بأنه "أب اوسلو" و "أب التسوية مع الفلسطينيين" عندها سينشغل حزب العمل في طرح حل مع الفلسطينيين اكثر اعتدالا، وفي ذلك مصلحة لنتنياهو الذي فشل في الحلول الاقتصادية، لكنه يخشى من تركيز حزب العمل على ذلك، وبالتالي، يسعى لاشغاله.
ان نتنياهو يعلم بأن الازمة الاقتصادية في اسرائيل سوف تزداد حدة في المستقبل، لذلك دعا الى اجراء انتخابات مبكرة، وهرب من وضع ميزانية في عام انتخابات، تكون حارقة للطبقات الوسطى والفقيرة، وهو تردد، بل شعر بالخوف اذا ما ذهب الى الانتخابات العامة في موعدها في تشرين اول من العام القادم، وهو يحمل على ظهره ميزانية اثقلت كواهل الاسرائيليين، عندها كان سينال عقابه في صناديق الاقتراع، لذلك، أعلن تبكير الانتخابات وتجاوز ذلك التحدي المتمثل بالميزانية، بمعنى أن تبكير الانتخابات هو تقليص فترة الاستعدادات لدى الاحزاب الاخرى المنافسة والاشخاص الراغبين في العودة الى الحياة السياسية من جديد كاولمرت.