2024-11-27 12:44 م

المفكر العراقي حسام محيي الدين الألوسي نجم لا يخبو بريقه أبداً

2013-12-01
شاكر فريد حسن 
من جديد يداهم الموت الإبداع الفكري والثقافي فيختطف فيلسوف بغداد ، وسادن الثقافة والفلسفة ، المثقف النقدي العراقي الكبير د. حسام محيي الدين الألوسي ، بعد مسيرة عطاء لا ينضب في سوح الفلسفة والفكر النقدي والثقافة التنويرية الحداثوية المعاصرة امتدت عقوداً من الزمن ، حيث ترجل عن صهوة مجد الابداع في تشرين أول الماضي ، مودعاً ومغادراَ ساحة الفكر الى عالم الخلود الأبدي .
يعد د. حسام الألوسي من أبرز المفكرين والاكاديميين والمثقفين المشتغلين في حقل الفلسفة والتنوير ، ترك بصمات واضحة في الفكر والوعي الفلسفي العراقي والعربي الحديث ، وحظي بالاحترام والتقدير لدى الأوساط الثقافية في العراق والوطن العربي لمنهجه الفلسفي الجدلي ومنجزه الفكري النقدي والتاريخي . انه ظاهرة مضيئة وساطعة في الاجتهاد الفكري والشجاعة النقدية والتعفف الأخلاقي والاستقامة المبدئية ، ظاهرة تبدو غريبة في زمن النفاق والخواء والتخلي عن القناعات العقائدية والايديولوجية والسياسية والأكل من خبز السلطان والضرب بسيفه .
حسام الدين الألوسي ، الباحث والمفكر وأستاذ الفلسفة بجامعة بغداد ، هو شاخص فكري ، وصاحب مشروع نقدي يمهد الطريق امام فلسفة عربية جديدة وأصيلة معاصرة . انشغل واهتم بدراسة الفكر الاسلامي بشقيه الفلسفي واللغوي ، واهتم بمعالجة قضاياه بمنظور عقلاني مسترشداً بالمنهج الجدلي التاريخي الاجتماعي . وقد كرس جزءاً من جهوده العلمية في الجدال والسجال المعرفي النقدي لاطروحات بعض المفكرين والمثقفين العرب المعاصرين أمثال : حسين مروة ، حسن حنفي ، محمد عابد الجابري ، الطيب تيزيني ، صادق جلال العظم وسواهم . 
عكف الألوسي على الدراسة والتمحيص والبحث والتأليف في الجانر الفلسفي واشتهر باعماله وانتاجاته الفلسفية العظيمة ،  وصدر له عشرات الكتب الثقافية والفلسفية ، من أهمها وأبرزها : " حوار بين الفلاسفة والمتكلمين ، مشكلة الخلق في الفكر الاسلامي ، الأسرار الخفية في العلوم العقلية ، من الميثولوجيا الى الفلسفة أو بواكير الفلسفة قبل طاليس ، الزمان في الفكر الديني والفلسفي القديم ، دراسات في الفكر الفلسفي الاسلامي ، فلسفة الكندي وراء القدامى والمحدثين فيه ، التطور والنسبية في الأخلاق ، الفلسفة والانسان ، الفلسفة اليونانية قبل ارسطو ، مبادئ علم الاجتماع والفلسفة ، مدخل الى الفلسفة ، حول العقل والعقلانية ، الزمان في الفكر الديني والفلسفي وفلسفة العلم ". 
والى جانب كونه فيلسوفاً كان الألوسي شاعراً يمتلك شعرية خصبة وخاصة ، وله في هذا المجال ديوان شعري يحمل اسم " زمن البوح " ، الذي قال عنه : " ان هذا الديوان يحمل غربة عن الزمن وعن الآخرين وعن تراثي ، وأنا ليس كما يراني الناس منتظماً فانا أعرف انني ربما ضللت الطريق ، وحين تجدوني وحدي فأنا كذلك في الديوان وفي سلوكي ، حيث انكم ستجدون في القصائد انساناً يتكلم بعقله في بيت شعر ما ، وفي بيت آخر يتحدث بقلبه " .
حسام الدين الألوسي مفكر رصين ، نظيف ، قوي الروح ، سديد الرأي ، عميق الفكر ، واسع الثقافة والمعرفة ، وهو من اصحاب الاتجاه الماركسي وفلسفة العلم ، وأحد أعمدة وأركان الفكر العراقي ، الذي عرفته المنديات الفكرية ، وكان له باع طويلة في ميادين وحقول الفكر النقدي والحراك الفلسفي ، لكنه لم يلق الاهتمام الذي يستحقه خلال حياته وعمره المعرفي ، فرحل وغاب عن حياتنا بصمت وهدوء بعيداً عن الضجيج الاعلامي . وتشكل وفاته خسارة كبرى وفادحة للفكر العراقي والعربي وللمشروع الفلسفي المعرفي التنويري العقلاني ، في ظل الرحيل التسلسلي التدريجي لأئمة وعمالقة الفكر الفلسفي على امتداد الوطن العربي . واذا كان الألوسي غادر سماء الفكر الانساني اليساري التقدمي الا انه يبقى  نجماً لا يغيب ، ولا يخبو بريقه أبداً .