هذا التوجه من جانب نتنياهو نحو انتخابات مبكرة فرضته ظروف وتحولات وعوامل ودسائس أحس بها، بعضها، له علاقة بتردد وزير دفاع ايهود باراك الى الولايات المتحدة، وفي هذا التقرير المستند الى دوائر ومصادر سياسية مطلعة، تعرض (المنــار) الاجواء التي تعيشها الساحة السياسية الاسرائيلية عشية التوجه المحتمل لنتنياهو الى صناديق الاقتراع مبكرا، قاطعا الطريق على خصومه ومنافسيه الذين بدأوا استعدادهم لخوض معركة التنافس على مقاعد الكنيست.
فبعد فترة عسل طويلة، بين نتنياهو وايهود باراك، شهدت محطات واضحة بارزة من التنسيق المتشرك في قضايا حساسة ومصيرية داخلية تتعلق بالعلاقات بين اطراف الائتلاف، وخارجية مرتبطة بتحديات خارجية وأخطار محدقة باسرائيل.. وجد نتنياهو نفسه، أمام تحرك يستهدفه من جانب باراك، مما دفعه الى وصفه بالغدر، فاتحا الباب امام اعضاء الليكود لتوجيه اتهامات وانتقادات صعبة الى وزير دفاعه، وهذا يعني أن هناك تحولا في العلاقة بين نتنياهو وباراك.
اولى اشارات هذا التحول في مواقف باراك، لمسناه في العودة المفاجئة من جانبه للحديت عن خطط سياسية وحلول مقترحة على الفلسطينيين، اختار أن ينشرها من على صفحات الجرائد ليطرح مبادرةى متكاملة، وكأنه مقدم على سباق انتخابي، كان لا بد من استباقه بالترويج لنفسه، كذلك، لمسنا قبل هذا الطرح غير المبرر بالتوقيت والمضمون والمثير لعلامات الاستفهام، عندما ظهر تباين في المواقف اتجاه المسألة الايرانية لدرجة أن البعض فسرها بالتحول والابتعاد في المواقف عن نتنياهو، وهذا التباعد فاجأ الكثيرين، وبعد فترة طويلة من الخطاب الموحد بين نتنياهو وباراك.
لكن، الحملة المفاجئة من جانب نتنياهو واعضاء حزبه الليكود ضد باراك، يفسرها البعض بأنها انعكاس لما سنشهده في الايام المقبلة من تصاعد للخلاقات في المواقف داخل الائتلاف.. وهو ايضا، امتداد مباشر لما توصل اليه نتنياهو من فهم وادراك لطبيعة ما تخطط له الولايات المتحدة للمنطقة في الاشهر المقبلة بعد انتهاء الموسم الانتخابي الرئاسي. نتنياهو ونقلا عن مقربين منه، بات يدرك بأن الادارة الامريكية ترفض بشكل قاطع اي تلويح عسكري اتجاه ايران، اعتقادا منها بأن الامور قد تشهد تحولا ايحابيا في ملف التفاوض حول قدرات ايران النووية اعتبارا من العام القادم، هذه الحقيقة ـ يقول قادة في الليكود ـ اوصلت نتنياهو الى قناعة وقرار مهم، وهو ضرورة تبكير الانتخابات، لأن التلويح بالموضوع الايراني لم يعد مفيدا، ولم يعد بالامكان مواصلة استخدامه "لاصقا" يجمع اطراف الائتلاف ويمنعه من السقوط، وهذا لمسه ايضا باراك، الذي يحاول الظهور بمظهر حمامة السلام والشخص الذي يحمل "عصا التوازن" داخل الحكومة اليمينية التي يقودها نتنياهو، وأن اختياره البقاء في الحكومة وانشقاقه عن حزب العمل كان من أجل المصلحة العامة، التي هي المحرك لخطواته وليس من أجل مصالحه الخاصة.
ورئيس الوزراء الاسرائيلي بات يشعر بأن اطرافا اخرى داخل الائتلاف بدأت سرا استعدادتها ليوم الانتخابات، وهي لن تتردد في اختيار التوقيت المناسب لبعثرة الاوراق وخلطها والدفع باتجاه انتخابات مبكرة، ونتنياهو ايضا يدرك أن لا سبب يدفعه الى الانتظار وتاجيل الانتخابات لتجري في موعدها المحدد، فالمسائل الامنية التي كان يعلق عليها آماله للتأثير على الناخب الاسرائيلي بدأت تتلاشى تدريجيا، والاستعدادات في المعارضة تتعاظم يوما بعد يوم، سواء من جانب زعيمة حزب العمل التي تنشط في العمل الميداني والتركيز على الوضع الاجتماعي الاقتصادي محاولة الاستفادة من الفترة المتبقية حتى الانتخابات القادمة.
وهناك ايضا شاؤول موفاز زعيم كاديما الذي بدأ يشحذ الهمم لخوض الانتخابات، وهناك احزاب اخرى تستعد للمعركة الانتخابية، وهذا يقلق نتنياهو ومن معه ، وكما اشرنا ليس هناك ما يبرر مواصلة سير الحكومة باتجاه الموعد الاصلي الطبيعي للانتخابات، فنتنياهو قد حقق انجازا مهما، عبر نجاحه في الابقاء على تماسك الائتلاف طوال الفترة السابقة، وهي فترة طويلة مقارنة مع الحكومات الاسرائيلية السابقة.
والحقيقة أن لا باراك ولا ليبرمان ولا حتى ايلي يشاي الزعيم السياسي لحركة شاس يرغبون في انتخابات مبكرة، وكل منهم له اسبابه، غير أن نتنياهو يرغب في استباق اية خطوات قد يقدم عليها شركاؤه في الائتلاف ليفرضوا عليه موعدا للانتخابات والاعلان عن تبكيرها، ويشعر نتنياهو اليوم بأنه أخطأ عندما لم يبكر الانتخابات في المرة السابقة وتحديد اجرائها في شهر ايلول، فقد فضل انذاك التحالف مع كاديما ورئيسه موفاز، لكن مقربون منه يقولون أن المعطيات كانت مختلفة، والموضوع الايراني كان اكثر سخونة وكانت الخيارات بالنسبة لهذا الموضوع مفتوحة
ورغم هذه الاجواء وبروز العديد من المؤشرات الا أن احدا لا يتوقع الخطوة المقبلة، فنتنياهو رجل مغرم بالمفاجآت ويجيدها، كما أنه يعرف كيف يحتفظ بالاسرار، لكنه، في نفس الوقت يدرك استحالة او على الاقل صعوبة تمرير ميزانية في سنة انتخابات، ودعونا نفترض أن نتنياهو قد قرر في النهاية الذهاب الى تبكير الانتخابات فان النتيجة ستكون حسب توقعات معظم المحللين والخبراء فوزا جديدا لنتنياهو، الا في حال وقوع حدث دراماتيكي يقلب المعادلة لذلك قد يستبق نتنياهو الاحداث واية مفاجآت، ويبادر للذهاب الى انتخابات مبكرة يضمن فيها النجاح في ظل غياب البديل في المعسكر اليساري يشكل خيارا لتولي زمام الامور بعد الانتخابات، وتركيب الائتلاف، ويدرك نتنياهو أن شكل الائتلاف القادم سيكون مختلفا تماما عن شكل الائتلاف الحالي، وقد يكون اكثر راحة اذا ما نجح في خلق تحالف بينه وبين زعيمة حزب العمل "شيلي يحيموفيتش".
وسواء جرت الانتخابات في موعدها المقرر أو جرت في شهر شباط القادم، فان النتائج لن تكون مفاجئة، وما دامت الامور الميدانية والسياسية باقية على حالها، فجميع الاحزاب بحاجة الى طرح برامجها واجندتها السياسية والاقتصادية.
ومن بين القضايا التي ستبقى حاضرة في الانتخابات والتركيز عليها في الحملات الانتخابية بالنسبة لنتنياهو، هي مسألة الخطر الايراني والموضوع الفلسطيني، فالملف الايراني الذي وضع له نتنياهو خطوطا حمراء حتى منتصف العام 2013 من الافضل له لو خاض الانتخابات قبل هذا التاريخ.
اما الطرح بالنسبة للموضوع الفلسطيني، فان نتنياهو سيعود الى تكرار ما اعلنه قبل انتخابه، وهو ما يتعلق بالخطوط الحمراء لاي اتفاق مع الفلسطنيين كما اوضح ذلك في خطابه في جامعة بار ايلان.
وبالنسبة لباراك ، وفي ظل هذه الاجواء وامام الانتقادات التي يتعرض لها من جانب حزب الليكود، فقد اختار عدم الرد على هذه الاتهامات الصعبة، والتصرف بشكل عقلاني، وهي نصائح تلقاها من "فريق الظل" الذي يحيط به ويعمل معه، للظهور بمظهر الشخص الذي لا يتسفز ويرفع راية مصلحة اسرائيل.
وتتوقع دوائر في حال الذهاب الى انتخابات مبكرة أن يزيد أعضاء الليكود من حدة انتقاداتهم لباراك ومطالبته بالاستقالة لعدم رغبته في الامتثال لقرارات ومواقف الحكومة، وينطلق مسلسل حياكة التلفيقات والتسريبات واتهام باراك بالتاثير سلبا على مصالح اسرائيل العليا من خلال خطوات يقوم بها في الخفاء مع الولايات المتحدة بهدف الوقيعة بين نتنياهو وادارة اوباما عبر طرح وزير الدفاع مواقف معتدلة ازاء الموضوع الايراني والموضوع الفلسطيني.
ومع أن هذا التقرير يجمل الاوضاع الحزبية في اسرائيل عشية امكانية اتخاذ قرار بتبكير الانتخابات، الا أن هناك داخل اسرائيل، من يرى بأن الخلافات التي بزرت بين نتيناهو وباراك هي مفتعلة والهدف منها تضخيم دور وتعزيز موقع باراك، واسناده من اجل ضمان مقاعد لحزبه "الاستقلال" بعد أن اشارت الاستطلاعات بأن حزب باراك قد لا يتجاوز نسبة الحسم.