2024-11-24 03:00 م

«أشرف مروان» .. «حصان طروادة» الذى خدع إسرائيل

2013-09-16
تل ابيب/40 عاما كاملة مرت على حرب أكتوبر، فى التقويم العبرى، لم يندمل خلالها الجرح الذى ألحقته الحرب بالجيش الإسرائيلى والقيادة السياسية، ورغم عاصفة الانتقادات التى ثارت بعد الحرب فى إسرائيل، والتى كلفت رئيسة الوزراء جولدا مائير منصبها، فإن إفراج الأرشيف الإسرائيلى، بقسميه العسكرى والسياسى، عن الوثائق التى تتضمن بروتوكولات جلسات الحكومة الإسرائيلية واجتماعات قادة الأركان الإسرائيلية، يوما تلو الآخر، دائما ما تصاحبها عاصفة من هجوم المحللين السياسيين والعسكريين. قبل 10 سنوات، بدأت مجموعة من العسكريين الإسرائيليين السابقين والباحثين، 20 شخصا، البحث وراء المنظومة العسكرية الإسرائيلية للوقوف على سلبياتها وعلاجها وللتأكيد على فعالية الأمن القومى الإسرائيلى، ولكن سرعان ما أدركوا أنه للوصول للهدف النهائى، كان لا بد من دراسة المعارك والحروب التى خاضها جيشهم. سُميت تلك المجموعة على اسم المقهى الذى يتخذونه مقرا لهم: «منتدى ألفيردو»، يقولون إنهم يعملون فى ظروف صعبة نسبيا، حيث إن الأوساط المحيطة بهم ترفض الحديث عن الحرب تحت ذريعة الأمن. استطاعت تلك المجموعة أخيراً أن تحصل على مجموعة من المعلومات التى أهلتها لكتابة الفصل الأول من كتاب تحت عنوان: «انتصار منخفض الاحتمالات»، يتناول فيه المحرر العقيد احتياط شمعون ميندز، من خلال جزأين، الرئيس الراحل أنور السادات وأشرف مروان، صهر الرئيس الراحل عبدالناصر، مشيراً فى مقدمته إلى أن حرب أكتوبر كانت «حرب السادات» بالمعنى الحرفى للكلمة، وأن «السادات» هو من خطط وأعد لها، وأنه صاحب فكرة إرهاق إسرائيل قبل اندلاع الحرب، مؤكدا أن السادات كان فى حاجة إلى «مروان» لخدمة هدفه النهائى، ما يجعل مروان «أكبر خدعة احتيال فى التاريخ العسكرى الحديث»، مؤكدا أن إسرائيل لم تفهم «السادات» أو «مروان».

يتناول «ميندز» حياة الرئيس الراحل من خلال أدق تفاصيل حياته، بدءاً من تاريخ ومكان ميلاده، ونوع التعليم الذى تلقاه، مؤكدا أن حقيقة كون والد السادات قرويا، بينما كانت والدته من أصل سودانى، وضعته فى أدنى درجات السلم الاجتماعى فى مصر فى فترة عشرينات القرن الماضى، مشيراً إلى أن تلك الحقيقة كانت سببا فى صياغة فكر السادات فى مقتبل عمره وأثرت عليه لبقية حياته. وأضاف: أؤيد رأى المؤرخين الذين أكدوا أن حادثة «دنشواى» كانت بداية صياغة العالم الأيديولوجى للرئيس الراحل، كمصرى وطنى مخلص لبلاده.
طوال الفصل الأول من الكتاب الإسرائيلى، الذى لم يكتمل بعد، يحاول الكاتب أن يضع السادات فى أفضلية تسبق الرئيس الراحل عبدالناصر، مؤكدا أنه رغم أن الاثنين كانا زميلين بالكلية الحربية، وكان عبدالناصر أكثر شعبية لفترة طويلة وعمل السادات فى ظله، فإن السادات كان أكثر تعمقا وفكرا من عبدالناصر.

يرى العسكرى الإسرائيلى السابق أن السادات كان وطنيا مخلصا، آمن بالآية القرآنية التى انتشرت على لسان المصريين وأصبحت جزءا من حياتهم اليومية: «إن الله مع الصابرين»، مؤكدا أنه من واقع شهادات المحيطين بالسادات، فإن الرئيس الراحل كان ينظر إلى كل ما يفعله على أنه مقدر من الله وأنه لن يستطيع فعل شىء لم يأذن به الله. وأضاف: «رغم أن السادات ضيَّع فرصة المشاركة فى المعارك التى دارت خلال حرب 1948 بسبب سجنه فى تلك الفترة لانضمامه لحركة تمرد ضد الحكومة المصرية، فإنه استطاع التوصل إلى مغزى حياته والتقرب إلى الله وتعزيز إيمانه به، وصياغة فكره دينيا وسياسيا، بشكل جعله يرتبط روحانيا بالإله وآمن أن الله لن يجعله يفشل أبدا».
يصف الكتاب الإسرائيلى «السادات» بأنه كان حافظا للجميل وصائنا لأصدقائه، خاصة أنه لم ينكر أبدا مساعدة عبدالناصر له، وكان دائما يقول إنه مدين بحياته لـ«عبدالناصر»، إلا أنه فى الوقت نفسه لم يكن يطلب شيئا أبدا منه، وإنما كان دائما يتخوف محاولة الحصول على موقع فى حاشية عبدالناصر، وإنما اكتفى بالحصول على تعليمات عبدالناصر لتنفيذها.

انتقد محرر الكتاب الإسرائيلى نهج عبدالناصر بعدما ضم مجموعة من الموالين له إلى حاشيته، خاصة على صبرى وشعراوى جمعة وسامى شرف، مؤكدا أنهم استغلوا مواقعهم الوظيفية للحصول على مميزات لم يحصل عليها غيرهم، وتحول بسببهم عبدالناصر إلى «أسير العصبة الحاكمة»، وهو ما جعل «ثورة التصحيح» التى انتهجها السادات بعد توليه الحكم ضرورية، كما أنه قصد تنقية الساحة الداخلية أولا قبل التوجه إلى الخارجية لتحرير سيناء.
فور أن انتهى الكاتب الإسرائيلى من سرد حياة الرئيس الراحل والمؤثرات الفكرية والدينية التى صاغت فكره فى بداية حياته، دخل إلى المرحلة الثانية، والتى شن فيها هجوما حادا على المنظومة الإسرائيلية بسبب التقييم النفسى والفكرى الذى أجرته إسرائيل لعدد من حاشية عبدالناصر عام 1970، والذى أجراه الباحث الإسرائيلى شمعون شامير، وتضمن على صبرى وشعراوى جمعة والسادات. جاء حينها فى نص التحليل الخاص بالسادات أن: «على صبرى وشعراوى جمعة هما الأكثر ترجيحا لخلافة عبدالناصر، حيث إن السادات غير مستقل فكريا من الناحية السياسية، كما أنه سياسى (رمادى) ليس له لون مميز. وعديم النفع، غير قادر على المساهمة بشكل مستقل فى إدارة الدولة. والسادات ليس شخصية ذات مقومات قيادية، وتنقصه المعلومات الأساسية التى يحتاجها للسيطرة على السلطة».

تهكم «ميندز» على تقرير «شامير»، قائلا «إن هذا هو التحليل الذى خرج به شامير لضابط بادر بالتمرد ضد الحكومة المصرية بينما كان ضابطا صغيرا، تحليل لشخص بادر بعد الثورة عام 1952 لتأسيس جريدة الجمهورية للتعبير عن الثورة، وهو الشخص نفسه الذى كتب عشرة كتب».

ويضيف: «المشكلة لدى المنظومة الأمنية الإسرائيلية أنها لا تتابع إلا التغييرات الجذرية التى يمكن أن تقلقها، ولا تنظر إلى التغييرات البسيطة، وهو سبب نجاح السادات فى خداع إسرائيل والمصريين أنفسهم، ففى الوقت الذى كان يجهز فيه للحرب، كان الجميع يراه رجلا بلا موقف ولا يستطيع اتخاذ قرار ومجرد تابع لـ(عبدالناصر)».
وتحت عنوان: «ماذا فعل السادات فى سبيل بلاده؟»، قال المحرر الإسرائيلى إن السادات كان مختلفا تماما عن سلفه عبدالناصر، حيث إنه جعل هدفه الأول والأخير هو الانتصار على إسرائيل مهما كان الثمن، فى الوقت الذى كان عبدالناصر يضع فيه خططا قصيرة المدى للدفاع فقط دون الهجوم، وهو ما كان يرفضه السادات بشكل قاطع.

وتابع: «رغم أن السادات كان صديق عبدالناصر، فإن أيديولوجية وأصل السادات جعلاه مختلفا فكريا عنه، وأراد التوجه بالبلاد إلى الغرب الرأسمالى، حيث إنه رأى فعليا مساوئ النظام الاشتراكى الثورى، ووهب نفسه لهدف واحد فقط هو الانتصار عسكريا على إسرائيل. وحتى مع إقراره أمام وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر، بأنه إذا كان استطاع أن يحقق الانسحاب الإسرائيلى الكامل إلى حدود 67 من خلال المفاوضات، لما كان دخل تلك الحرب، إلا أنه لم يكن ليتنازل أبدا من داخله عن الانتصار فى ساحة الحرب».

«الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى».. هكذا قال المؤرخ العسكرى البروسى كارل فون كلاوزفيتز، وهى مقولة تنطبق على السادات باعتراف خصومه أنفسهم. يقول «ميندز»: «بشكل عام، قليلون فقط هم من استطاعوا الربط بين السياسة والحرب، وربما لم يتمكن من هذا إلا قادة الثورات وليس رؤساء الحكومات، إلا أن السادات كان فريدا من نوعه، وقد كان كذلك فى مجالات عديدة».

أما بشأن القدرات العسكرية للجيش المصرى فى العام الأول لتولى السادات الحكم، فيشير المحرر الإسرائيلى إلى أن السادات كان على علم بنقص القدرات العسكرية لجيشه وشعبه، وأدرك أنه كان عليه أن يغير الكثير من الأشياء، إلا أنه فى الوقت نفسه أدرك أن هذا التغيير كان لا بد أن يبقى فى حدود القوى المسموحة لتلك التغييرات. وأضاف: «دون تحيز، كان السادات فى حاجة إلى التعلم من عناصر النكسات الثلاث السابقة، وخاصة 1948 و1967، وللأسف كان الجيش الإسرائيلى أيضاً فى حاجة إلى إدراك عوامل الانتصار ولكنه لم يدرك ذلك».

قال وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق موشيه ديان «إن البذلات لا تصنع الجيش، والرُتب العسكرية لا تصنع القادة»، وهذه كانت مشكلة السادات فيما يتعلق بجيشه، حيث إن كثيرين عُينوا خلال فترة عبدالناصر فى الجيش دون أن يكون لديهم أدنى معلومات عن ساحات القتال.

أما على مستوى الجنود، فيشير الكتاب الإسرائيلى إلى أن الجيش المصرى فى تلك الفترة كان يعتمد على الجنود البسطاء، إلا أن السادات كان «ظلا شاحبا» لـ«عبدالناصر»، وهو ما دفعه لإصدار قرار ضم حملة المؤهلات العليا والتعليم العالى إلى الجيش، وبهذا الشكل رفع مستوى الجيش.

خلل آخر يشير إليه الكاتب الإسرائيلى بشأن فشل المخابرات الإسرائيلية فى التعامل مع السادات والتنبؤ باندلاع الحرب، يكمن فى عدم تعامل إسرائيل بجدية مع تصريحات السادات بعد توليه الحكم، والتى أكد فيها أنه ليس نسخة من عبدالناصر وإنما مختلف عنه. ويقول «ميندز» إن إسرائيل نظرت إلى عبدالناصر على أنه أكثر بريقا منه، إلا أن الواقع كان أن السادات أكثر عمقا وفهما للأمور وبواطنها وأكثر عملية من سلفه. وأضاف: «السادات كان مثقفا متنورا صاحب معرفة تاريخية، تعلم معرفته العلمية من جامعة (الشارع) والحياة. ونظر إلى نفسه قائدا كـ(تشرشل) و(شارل ديجول)، وآمن أن القدر اختاره لإنقاذ مصر، وكان وطنيا أكثر من عبدالناصر نفسه».

ولفت «ميندز» إلى أن السادات لم يشارك شخصيا فى الحروب السابقة، وإنما أعد نفسه لإدارة المعركة الاستراتيجية بأكثر من مجرد خبرة عسكرية، وإنما من خلال السياسة التى استطاع بها الدخول فى أكبر لعبة فى تلك الفترة. وأضاف: «نجح السادات فى أن يجعل من الحرب هوية لرئاسته للدولة، وجعل تحرير أرض سيناء مهمته الأولى والأخيرة، واستطاع وضع خطة حربية منظمة يقبع فى نهايتها هدف سياسى خالص، استطاع الحصول عليه بكل جدارة».

كانت إحدى الأزمات التى أرَّقت السادات -بحسب ما يشير الكاتب الإسرائيلى- هى الالتزامات التى تعهد بها عبدالناصر إلى الروس فى مقابل الأسلحة والمعدات العسكرية والخبراء، ولأنه كره هذا الالتزام ظل يحصل منهم على الأسلحة وطرد بعدها الخبراء الروس، وهو ما دفع إسرائيل إلى استبعاد خيار الحرب حينها، لأن السادات يكون أضعف جيشه بهذه الطريقة، إلا أن الحرب أثبتت أن الجيش المصرى لم يضعف كثيرا بعد طرد الخبراء الروس.

لم يكتف الباحث الإسرائيلى بامتداح السادات لقدرته على خداع إسرائيل بشأن الحرب فقط، وإنما أكد أن السادات استطاع خداع كيسنجر نفسه وجذبه إلى الملعب السياسى الذى أراد الوصول إليه فى النهاية بشروطه هو، فقد فاجأ الرئيس المصرى كيسنجر بطرد الخبراء الروس، ولم يدرك حينها وزير الخارجية الأمريكى أن السادات يطمح إلى اللعب على المدى البعيد وليس القريب، وأراد المكسب البعيد فى مقابل الخسارة القريبة المؤقتة. وأضاف: «استطاع السادات أن يلعب اللعبة بقواعده هو داخل حدودها التى فرضتها الولايات المتحدة، وانتهج تكتيك التنازل عن طلباته، وكان دائما ما يتعمد تقديم لائحة بمطالب يتأكد أن إسرائيل لن تقبلها، فيعود للتنازل عنها، حتى يحين الوقت الذى يرغب فيه بتقديم طلباته الحقيقية، فيتذرع بأنه تنازل عما يقرب من 90% من طلباته، فإلى أى حد يمكن أن يتنازل أكثر من ذلك؟ إلى الدرجة التى دفعت جولدا مائير لتقول ذات مرة: (هل يظن السادات نفسه انتصر فى 67؟)».

كان هدف السادات من لعبة التنازلات تلك هو جر كيسنجر -على غير دراية- إلى اللعبة الجديدة بقواعد السادات نفسه، وفور أن بات موعد الحرب قريبا، تعمد السادات زيادة تكتيك تلك اللعبة بالإعلان عن مهلة بحلول نهاية شهر سبتمبر لإسرائيل، لقبول تلك المطالب، ولم يحدد ماذا سيفعل بعد انتهاء تلك المدة، ولكن أحدا لم يهتم.

كانت إحدى اللحظات الفاصلة فى خطة السادات، هى المطالب التى أرسلها مع مبعوثه الشخصى على إسماعيل لوزير الخارجية الأمريكى، لإنهاك إسرائيل وأمريكا، وقد وافق حينها كيسنجر بالفعل على بعض التنازلات الطفيفة من جانب إسرائيل، وحينها غضب السادات جدا، ولكنه فضل احتواء غضبه للاستمرار فى دفع كيسنجر إلى السقوط فى الفخ الذى نصبه له بعد أن يبادر بالحرب ويعود إلى طاولة التفاوض.

وأضاف «ميندز»: «تجدر الإشارة إلى أن كل تحركات السادات كانت تفضى فى النهاية إلى الحرب، ولا يمكن فهمها إلا فى إطار الاستعدادات للحرب، بدءاً من حرب الاستنزاف. ورغم أن مصر انتهكت شروط وقف إطلاق النيران خلال حرب الاستنزاف، فإن إسرائيل وواشنطن فضلتا التغاضى عن تلك الانتهاكات، لأن المصلحة كانت تقتضى ذلك».

كان أحد أسوأ المفاهيم التى صاغتها القيادة الإسرائيلية عن القيادة المصرية -بحسب الكتاب- هى أن القيادة المصرية لا تخرج للحرب أبدا إلا قبل أن تحقق طفرة فى سلاح الطيران يجعله على مقدرة لمنافسة سلاح الطيران للخصم، وبشكل عام فإن هذا واقع، إلا أن السادات حذر جنوده وضباطه من التفكير بشكل نمطى، وهو ما جعله يستبق الأمور ويبادر بالحرب. وأضاف الكتاب: «فى صيف 1972، أدرك السادات أنه سيخرج للحرب بالأسلحة الروسية، ولهذا قرر أن يعمل على عنصر المفاجأة والابتعاد عن التفكير النمطى»، مؤكدا أن جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلى «آمان» فشل بشكل ذريع فى تلك الحرب.

وأضاف «ميندز»: «تعتقد مجموعتنا بشكل عام، أن السادات لم يكن ليخرج إلى الحرب أبدا إلا لو كان على علم بقدرته فى قلب الانتصار المتوقع -المحدود ربما- إلى انتصار سياسى استراتيجى، ولم ترتكز ثقة السادات على الخيال، وإنما على ثقته فى نفسه بأنه يفهم طريقة تفكير كيسنجر، واستطاع التنسيق مع الدول العربية لاستخدام سلاح النفط».

ولفت الكاتب الإسرائيلى إلى أن السادات تحكم فى مجريات الأمور والقرارات الاستراتيجية خلال فترة الحرب، رغم أنه لم يتدخل فعليا فى عمل القادة الآخرين، إلا أن تحركات السادات كانت تشير إلى أنه «قائد عسكرى حذر ومخضرم». ويضيف: «فور أن انتهت الحرب، بدأت المعركة السياسية، وفاجأ كيسنجر مجددا، بعدما اقترح الأخير تنازلات ضخمة من الجانب الإسرائيلى، فى حين طلب السادات تنازلات ضئيلة، ويبدو أن الفارق الثقافى بين الاثنين هو السبب فى مفاجأة كيسنجر، حيث إن طبيعة السادات الشرقية تجعله متوجسا من الانتصار الضخم لأنه سيعد آخر انتصار له، على عكس الغربيين الذين يرغبون فى انتصار ضخم وفورى».

وأنهى الكاتب الإسرائيلى الجزء الأول من الفصل الأول، مؤكدا على أن المصريين انتهكوا بنود وقف إطلاق النيران عدة مرات خلال الاتفاقية، مضيفا: «غير أن المتابع لطبيعة المصريين لن يتعجب كثيرا، حيث إن المصريين يعتبرون أن أى اتفاق غير نهائى ما دام الحدث مستمرا، وهو ما دفع السادات إلى القول لـ(بيجن) ذات مرة: (هذا سوق والبضاعة ثمينة)، إلا أن رئيس الوزراء الأسبق لم يفهم مغزى حديث السادات عندئذ، وهو ما يشير إلى أن السادات كان ينوى استغلال تلك الطبيعة لانتهاك بنود اتفاقية السلام، تحت دعوى أن من انتهك الاتفاقية فعل هذا دون الرجوع إليه، أو أنه لم يفهم أن هذا كان ضمن بنود الاتفاق».

الجزء الثانى: «أشرف مروان.. الرجل والعميل»

بدأت قصة أشرف مروان مع المخابرات الإسرائيلية عام 1969، حين دخل إلى السفارة الإسرائيلية فى لندن وعرض معلومات ووثائق ومستندات بالغة السرية مقابل 200 ألف دولار للمستند الأول، و150 ألف دولار عن كل مستند جديد يقدمه إليهم، وبالفعل تحققت الدوائر الأمنية فى إسرائيل وثبتت صحة الوثائق التى تقدم بها، وأصبح بمثابة «دعوة» للحصول على كل ما يجرى فى غرفة صناعة القرار لـ«السادات». وأشار «ميندز» إلى أنه رغم أن مسألة كون مروان عميلا مزدوجا أم لا، فإن هناك عدة عوامل قد تحسم تلك المسألة، على رأسها أن المصريين أنفسهم لم ينكروا كون مروان عميلا لإسرائيل. وأضاف: «كما أن مروان كان زوجا لابنة عبدالناصر التى كانت تقول لـ(السادات): (يا عمى)، وهو كان يقول لها: (يا بنتى)، فكيف يمكن لزوجها أن يتجسس عليه».

وأشار الكاتب الإسرائيلى إلى أنه يعتقد أن «مروان كان بمثابة (حصان طروادة) فى قلب إسرائيل. كان مروان هو الممثل، بينما كان السادات هو المخرج والمؤلف لتلك المسرحية التى خدعت أجهزة المخابرات الإسرائيلية». وتابع: «لم ينكر المصريون كونه عميلا لإسرائيل، كما أن الحفاظ على موقعه حتى بعد مقتل السادات ومنحه ميدالية بعد وفاته فى 2007 يثيران الشكوك، إضافة إلى أن ابنته تزوجت نجل وزير الخارجية الأسبق، وفى اعتقادى، كان مروان جزءاً من لعبة الاستخبارات والخداع التى مارسها السادات بفطنة وذكاء ونجاح باهر.