دونالد ترامب, الرئيس الأمريكي الذي ملأت أخباره الدنيا وشغلت الناس، لا يكاد يمر يوم أو يومين حتى يتحف العالم بشيء بعيد عن عقولهم وتفكيرهم، لكنه في لغة التحكم والسيطرة، يمكننا أن نسميه العراب الجديد للدولار الأمريكي، أو الوجه الأخر لاتفاقية بروتن وودز التي حكم الدولار بموجبها العالم.
ترامب الرئيس أو التاجر أو السمسار استطاع أن يعيد للدولار هيبته أمام عملات العالم، واستطاع أن يرغم العالم على التوجه إلى العملات الرقمية التي يدعمها الدولار الأمريكي نفسه، كما عملت سابقاً في سبعينيات القرن الماضي عندما أوقفت العمل باتفاقية بروتن وودز وربط الدولار بالذهب.
لقد استطاعت السياسة المالية الأمريكية أن تضع اقتصاديات العالم في دوامة خلال أقل من عام، تنقل فيها الدولار من أدنى مستوياته أمام العملات الأخرى إلى أعلى مستوياته في سابقة لا مثيل لها في أسواق المال والعملات، حتى أن الدولار كسر منطق المخاطرة لدى قياصرة المال، فكان الملاذ الأمن للتجار مع كلٍ من الين والذهب، وفي أحيانٍ كثيرة كان الملاذ الأمن للتجار أكثر من الذهب نفسه ومن الين الذي يعكس قوة الاقتصاد الياباني.
لن أدخل في تفاصيل أهداف ترامب ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية التي تتناولها جميع صحف أوروبا من استهداف اليوان واليورو (اقتصاديات الصين وألمانيا) ولا حتى في صقوره الاقتصاديين المحنكين في صناعة الإفلاسات وتدمير الاقتصاديات كما أوردها كتاب القاتل الاقتصادي والبارعين في إدارة كازينوهات المراهنات والقمار التي تتناولها بعض الصحف الأمريكية، لكني سأقف على عدة نقاط تبدو متناقضة في ظاهرها لكنها جميعها تصب في هدف واحد هو القوة الحقيقية للاقتصاد الأمريكي مقارنة بمن يريد أن يصنع منهم منافسين له.
- إن قوة الدولار الأمريكي قد أضرت بالبيت الأبيض والشركات الأمريكية، الأمر الذي يجعل ترامب أمام عدة خيارات لابد من الخوض فيها من أجل تخفيض قيمة الدولار كما حدث ذلك سابقاً في بداية تسعينيات القرن الماضي.
- إن العملة الافتراضية التي شغلت الدنيا في الفترة الماضية (البيتكوين Bitcoin) تعتبر بديلاً عن الدولار والذهب للمضاربين في سواق التداول، إلا أن متابعة تحليلية للقفزة العجيبة التي حققها البيتكوين ومن ثم الانخفاض السريع ومن بعده الارتفاع مجدداً بشكل مفاجئ، يشير بوضوح إلى مدى التشابه بين سياسة الدولار الحالية وسياسته في الثلث الأخير من القرن الماضي واعتماد وحدة حقوق السحب الخاصة لتقييم العملات في صندوق النقد الدولي باقتراح أمريكي مبطن وعالمي في الظاهر.
- تحقيق مؤشرات ستاندرد أند بورز وناسداك وداوجونز الصناعي أرقام قياسية في تاريخها.
- إن العملات الافتراضية التي تسعى الدول لاعتمادها في تعاملاتها سوف تساعد منظومة البريكس في إقرار البنك التنموي الخاص بها والمدعوم من قمة شنغهاي، الأمر الذي قد يدفعها لمحاولة اعتماد عملة عالمية بديلة عن الدولار للتداول.
إن النقاط السابقة جميعهاً بتأويلاتها التي تتناولها الصحافة العالمية ومحلليها الاقتصاديين لا تعدو عن أداة من الأدوات الترامبية التي يسعى الرئيس الأمريكي لتسخيرها لإعادة هيبة الدولار والاقتصاد الأمريكي، وحرب الشركات الأمريكية ضده، أو محاربته للشركات الأمريكية كما توردها بعض الصحف المتأمركة ليست إلا تأديباً لبعض الشركات التي تحلق بعيداً عن هدف الدولة العميقة في أمريكا، خاصة تلك الشركات التي تساهم في تحقيق نمو الصين التنموي وردم الهوة التنموية لديها.
فهل تنجح الترامبية في إلهاء العالم عن صفقة القرن وحروب جودة الحياة التنموية التي يترقبها العالم في العقد القادم، بعد أن نجحت في سرقة ثروات العالم في الفترة الماضية، أم تسقط هذه الظاهرة القديمة المتجددة لتفتح أنظار العالم على قوة أمريا في كسر قواعد الروتين بتغييرها قواعد الواسب WASP بين أوباما الأسود وترامب الأبيض.
*باحث في السياسة والاقتصاد (سورية)