2024-04-25 03:48 ص

ماذا تريد الهياكل المعادية من الجزائر؟

2018-02-18
ىقلم: عميرة ايسر
عملت الهياكل المعادية و ويقصد بها مجموعة الوحدات السِّياسية والتشكيلات الأمنية والدوائر الاستخباراتية والعسكرية، والتي تتفاعل فيما بينها من أجل استهداف دولة تعتبرها تشكل خطراً على عقيدتها السِّياسية أو الأمنية، أو تعيق خططها العسكرية الاستعمارية، و تحاول أن تكون ذات سياسة خارجية متوازنة ومستقلة، أماَّ على المستوى الداخلي فتكون الدولة المعادية ذات عقيدة عسكرية وسياسية راسخة، و تحاول قدر الإمكان توظيف مواردها الاقتصادية والطبيعية والطاقوية لتقوية ذاتها وبناء جيش مدرب، وحديث لمواجهة مختلف الأخطار والتهديدات الأمنية والاستعمارية المحتملة، فالجزائر والتي حرص قيادتها السِّياسية والعسكرية منذ الاستقلال على بناء دولة حديثة، وقوية بغض النظر عن طبيعة النظام السياسي الحاكم، أو التوجهات الاشتراكية الاقتصادية آنذاك لدولة، ومنذ اللحظة الأولى لإعلان الاستقلال حاولت هذه الدول، والتنظيمات الدولية وأذرعها الاستخباراتية، ومجاميعها الإرهابية زعزعة الأمن والاستقرار في البلاد، عن طريق عرقلة عدَّة خطوات حمائية، وسيادية قام مجلس قيادة الثورة تحت رئاسة الراحل هواري بومدين باتخاذها لتثبيت الاستقلال السِّياسي، ووقف استغلال تلك القوى الاستعمارية الغاشمة لثروات الجزائريين، وهو القرار التاريخي الذي أعلنه هواري بومدين من منطقة حاسي مسعود بورقلة بتاريخ 24 فيفري 1974م. الجزائر التي كانت تخوض معركة الكرامة العربية في وجه الاستدمار الإسرائيلي الغاشم، وذلك بعد أن كبدت القوات الجزائرية الجيش الصهيوني خسائر فادحة في الأرواح والعتاد باعتراف الجنرال أرييل شارون في حرب رمضان أكتوبر 1973م، و هذا القرار السِّيادي والذي كان تتويجاً مستحقاً لمسار تفاوضي طويل مع الحكومة الفرنسية، والدائرين في فلكها من شركات اقتصادية بترولية كبرى، لها امتدادات في دول غربية استعمارية كبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما مكن الحكومة الجزائرية من استرجاع أرباح، وفوائد تلك الشركات البترولية العالمية والتي كان أبرزها شركة شال، و إكسن موبيل، وبريتش بتروليوم، وأيسو وغيرها من الشركات الطاقوية النفطية العملاقة. وتبع هذا القرار الاقتصادي الاستراتيجي قرار آخر تكميلي وقٍّع بتاريخ 11 أفريل سنة 1971م، وفيه تمَّ إصدار مجموعة من الإجراءات القانونية المسيرة لقانون المحروقات الجزائري، و كذلك تحديد الإطار الهيكلي الأساسي الذي من المفروض أن تتبعه الشركات الأجنبية. فيما يتعلق بالتنقيب عن المحروقات واستغلالها، وبالتالي فإنَّ قراراً كهذا جعل هذه الشركات تخضع لسيادة السِّياسية والطاقوية للبلاد، و ترضخ لقانون العضوي المتعلق بالمحروقات، بحيث أنها اضطرت لأن تعطي نسبة تقدر بحوالي 51 بالمائة من فوائدها السَّنوية لصالح الخزينة العمومية الوطنية، وهو ما كسر هيبة الدولة الفرنسية والكثير من الدول الغربية التي وكلَّتها بعد الاستقلال، من أجل الضغط على الجزائر بشتىَّ الطرق، والوسائل لكي تكون دولة ضعيفة ومتخلفة، و ترهن مقدراتها الاقتصادية، وخيراتها الطبيعة لتلك الدول، فقرار التأمين المتخذ وقتها، لم يستثنى شركات فرنسية بترولية كانت تعتبر من أهم وأقوى الشركات البترولية في العالم، كشركات سي أف بي، وبتروبار، وأس أن بي، وكوباراكس...الخ، وعندما فشلت تلك السِّياسات الاقتصادية في إدخال الجزائر ضمن منظومة الاستعمار الاقتصادي، بعد أن فشلت عن طريق، وكلائها في المنطقة المغاربية في شنّ عدوانٍ عسكري جديد على الجزائر، واستغلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسِّياسية، والعسكرية الصعبة التي كانت تمر بها البلاد غداة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي الغربي الغاشم، فكانت وقائع حرب الرمال في شهر أكتوبر سنة 1963م بسبب ادعاءات مغربية بالأحقية التاريخية في مدن حدودية جزائرية مجاورة لها. وبعد فشل هذا المُخطط العسكري الذي تمت صناعته من طرف دوائر استخباراتية غربية صهيونية، بفضل بسالة وشجاعة الجيش الوطني الجزائري، انتقلت هذه الدوائر والهياكل المعادية ومباشرة بعد وفاة الراحل هواري بومدين في شهر ديسمبر 1978م، وذلك بعد فترة انتقالية تولى فيه رئيس البرلمان الراحل رابح بيطاط زمام الأمور في الدولة، كما ينص على ذلك الدستور الجزائري في تلك الفترة، إلى انتهاج سياسة الحرب الذكية المعتمدة على استخدام أساليب ما يعرف بالقوى الناعمة، وخاصة بعد أن نجحت في إقناع الرئيس الشادلي بن جديد عن طريق أذنابها داخل سرايا الحكم، بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية في شهر نيسان/ أفريل سنة 1985م، ولقائه بالرئيس الأمريكي رونالد ريغان، والاستقبال الحافل الذي حضي به من طرف هذا الأخير، نظراً لدور المحوري الذي لعبته الجزائر في أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في إيران، عقب نجاح الثورة الإسلامية في الإطاحة بنظام الشاه محمد رضا بلهوي سنة 1979م، فالرئيس الشادلي بن جديد رحمه الله تعالى، والذي انتهج خطاً ليبرالياً إصلاحياً، و في عهده بدأت النواة الأولى لظهور الأوليغارشية المالية التي جمع أصحابها بين القوة المالية والنفوذ السِّياسي والعسكري، فأصبح هناك وفي فترة وجيزة من حكمه حوالي 6 ألاف ملياردير، وتمَّ تهميش العديد من الكوادر الرئيسية الصانعة للأنتلجنسياَ العسكرية والسِّياسية في البلاد، وألغى الكثير من المشاريع الإستراتيجية الاقتصادية التي أطلقها الراحل الرمز هواري بومدين رحمه الله تعالى. فتغيير البيئة المجتمعية للمواطن الجزائري البسيط، والانتقال من الدولة المصنعة إلى الدولة الاستهلاكية، وهذا ما أدى إلى تراكم حجم الدين العام للدولة، وبدد حوالي 2 مليار دولار تركها بومدين في الخزينة الجزائرية، وهنا استغلت الدوائر الاستخباراتية الفرصة، وأوعزت إلى مدير الاستخبارات الأمريكية جورج بوش بأن يعمل على تأزيم الأوضاع في الجزائر، بين مختلف التيارات السّياسية والفكرية والأيديولوجية، والتي كانت تمتلك قواعد شعبية عريضة كالإسلاميين والنيولبراليين و أنصار التيار الشيوعي الماركسي، وذلك عندما ألقى محاضرته الشهيرة في كلية الشرطة بالأبيار سنة 1982م والتي جاء فيها بأن الخطر الذي يهدد كيان الدولة الجزائرية، يكمن في التيار الإسلامي الأصولي بالإضافة إلى الدولة الليبية، مستغلاً بذلك التظاهرات الحاشدة التي انطلق من أمام مبنى الجامعة المركزية بتاريخ 12 تشرين الثاني- نوفمبر 1982م، وقد طالب المتظاهرون من الرئيس الشاذلي بن جديد فيها برفع الظلم عنهم، وتحصين الجبهة الداخلية من مظاهر الغزو الفكري والثقافي الذي بدأت تطغى على المجتمع الجزائري، ومحاربة الفساد الذي استشرى في مؤسسات وهياكل الدولة المختلفة. فهذه الهياكل المعادية للجزائر، عملت في تلك الفترة على خلق المناخ الحيوي لتنفيذ مخططاتها الشيطانية الإرهابية لضرب استقرار الدولة، و ضمان تفكُّكها التدريجي، واستغلت الأزمة السِّياسية الخانقة التي عرفتها البلاد بعد إيقاف المسار الانتخابي سنة 1992م، وما أعقبه من حوادث أمنية أليمة كان مخططا لها منذ زمن طويل جداًّ، حسب العديد من الكتابات التاريخية والشهادات الموثقة لصناعها، وعاشت البلاد أحداثاً أليمة طيلة مدة 10 سنوات، خرجت منها البلاد بشقّ الأنفس، وهي تعيش أوضاعاً مأساوية على كافة الأصعدة والمستويات، وهذا ما أثر كثيراً على تماسك البناء الوظيفي لعمل أجهزة الدولة، و أنهك الاقتصاد الوطني فأصبحت الجزائر مدانة بأكثر من 30 مليار دولار، بعد أن لجأت إلى الاقتراض مجبرة من صندوق النقد الدولي في سنة 1989م واضطرت إلى اللجوء لعملية إعادة جدولة لديونها سنة 1994م، وكانت من النوع الأولي، وفي سنة 1995م اقترضت البلاد ثانية من نفس تلك الجهة المالية الدولية، وكانت قروضاً تتبع لنظام التمويل الموسع بعد ارتفاع خدمة الدين العام. وكانت تلك القروض تفرض على الدولة الجزائرية، والتي كان يقودها الرئيس الشهم اليامين زروال أطال الله في عمره، شروطاً سياسية واقتصادية قاسية ومرَّةً كالعلقم، ولكن كانت القيادة السِّياسية تدرك جيداً بأن تلك الشروط لم تكن سوى حصان طروادة، التي تريد من خلاله هذه الهياكل أن تسيطر على القرار السِّياسي، والأمني والاقتصادي في الجزائر، فهذه القوى الاستعمارية المعادية هي من تتحكم وتمول في ما يعرف بصندوق النقد الدولي، والذي يعتبر أحد مخرجات النظام الدولي العولمي الذي تشكل عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، وسيطرة القطبية العولمية الثانية على تسيير شؤونه كافة. و شهدت البلاد تحولاً استراتيجياً في علاقتها مع هذه القوى المعادية، بعد أن حدثت تحولات مهمة في العلاقات الدولية، و ارتفعت أسعار المحروقات في مع بداية سنة 2002م، وذلك خلال الفترة الرئاسية الأولى لرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، وتخصيص الدولة لحوالي 22.6 مليار دينار حتىَّ نهاية سنة 2014 م، منها حوالي 6.634 مليار سنتيم كتعويضات فقط، وذلك لدعم البنية التحتية وتعويض ضحايا المأساة الأمنية الوطنية، وعملت في نفس الوقت الدوائر الإستراتيجية، ومخابر البحوث والدراسات الأمنية والعسكرية، على تفعيل الموارد المالية للدولة، واستغلالها الاستغلال الأمثل لبناء جيش وطني، عصري مدرب لحماية البلاد من التهديدات والإخطار المحدقة بها، بعد الانتهاء من دفع القسم الأكبر من ديون البلاد الخارجية، والتي كانت التحدي الأبرز أمام مؤسسات الدولة، وعندما بدأت الدولة الجزائرية في تحقيق إنجازات مهمة على المستويات الدبلوماسية والأمنية، ورفضها لمشاريع التقسيم في المنطقة، ومشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي، والذي جاء لتكريس الهيمنة الغربية الصهيونية على منطقة الشرق الأوسط، استخدمت هذه الهياكل المعادية نفوذها. وحاولت الضغط باتجاه إقناع الجزائر بأهمية إقامة قواعد عسكرية دائمة لها فوق أراضيها. بعد أن نجحت تلك الهياكل المعادية، في تطويق البلاد أمنياً واستخباراتياً عن طريق استخدام المجاميع الإرهابية وتشجيع الحركات الانفصالية في النيجر ومالي وليبيا، والشروع في إقامة قواعد عسكرية دائمة فيها، وكذلك حاولت استغلال الأزمة المالية والاقتصادية للبلاد، لضغط على السلطة السِّياسية لتقديم المزيد من التنازلات الاقتصادية عن طريق خوصصة المزيد من المؤسسات العمومية، وصولاً إلى التنازل التام عن السِّيادة الوطنية الاقتصادية، وهذه هي البوابة الأساسية لإعادة استعمار البلاد، بعد أن فشلت عن طريق عملية تيقنتورين الإرهابية التي جرت وقائعها بتاريخ 16 يناير/ جانفي سنة 2013م، في تفجير أنبوب الغاز الذي ينقل الغاز الجزائري باتجاه أوروبا لإحداث أزمة دبلوماسية وطاقوية عالمية، تكون الجزائر هي الخاسر الأكبر فيها. بالإضافة إلى أن هذه القوى المعادية تحاول أن تضغط على الجزائر، بشتىَّ السبل والوسائل المتاحة لكي تتخلى الجزائر عن خطها السِّياسي الوطني الداعم لحركات التحرر العالمية، ولحقِّ الشعوب في تقرير مصيرها، بالإضافة إلى وقوفها الدائم إلى جانب القضايا العربية، وتصدِّيها لمشاريع الهيمنة الاستعمارية في المنقطة، ويبدو أن القيادة العسكرية والسِّياسية واعية بكل هذه المخططات، لذلك لجأت لاتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية حازمة في الآونة الأخيرة، وهذا ما يؤكد على أن دوائر البحث الاستخباراتي التي تزود هذه المؤسسات السّيادية بأدق التفاصيل عن الوضع الداخلي والخارجي للبلاد، مدركة لحجم التحديات المفروضة من طرف هذه الهياكل المعادية على الجزائر.
*كاتب جزائري