2024-03-29 02:54 م

مصر القوية هي مصر العربية

2018-02-10
بقلم: السيد شبل
مصر مرتبطة بعروبتها.. ولا يمكن لها أن تثبّت أقدامها في العالم إلا عبر هذه البوابة، وإلا من خلال نشاطها بهذا المجال بداية، وهذه مسألة قائمة على أسس موضوعية وواقعية، وبالتالي فهي أكبر بكثير من أن تكون خيارًا. فمصر التاريخية منذ تحتمس الثالث هي مصر التي تحتضن الشام وبالأخص فلسطين، وتمد قوتها إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر، وتمسك بخليج العقبة من ضفتيه.. فلسطين ليست قضية نتضامن معها.. (فلسطين هي نحن)، والكيان الصهيوني هو عدو مركزي لساكن الدلتا، بالضبط كما هو لساكن أم الفحم والخليل، عدو على مستوى لقمة الخبز وحبّة الدواء، بحكم أنه صنيعة ناهب دولي (اقتصادي بالأساس). وما "كامب ديفيد" إلا بوابة عبر منها أو معها البنك الدولي وسياسات الخصخصة والإفقار. لو فتشت عن خرائط مصر في الدولة الحديثة (مصر القديمة)، أو الطولونية والفاطمية والأيوبية والمملوكية.. ستجد فلسطين جزء من مصر القوية والطموحة، وأنها عندما استعادت قوتها وطموحها والظرف الدولي الخادم لها، فورًا اتجهت لضمّها أو ناضلت لتحريرها: إبراهيم باشا، جمال عبد الناصر (لا أفهم كيف ينسى المتكلمون عن فلسطين أنها كلها تساوي حوالي 27 الف كم2، يعني أقل من نصف مساحة سيناء!). الخصوصية المصرية، على مستوى الطبوغرافيا والديمغرافيا، ومع كامل التقدير، تذوب تماما عندما تغادر الدلتا وبعض وادي النيل، فعندما تعبر كوبري السلام أو نفق أحمد حمدي، ستتساءل أين أنت في سيناء المصرية أم فلسطين - اليمن - الأقطار العربية المطلة على الخليج؟. وكما سيناء مع الشرق، مطروح مع الغرب (ليبيا)، والصعيد مع الجنوب وأرض الحجاز، أما قبائل البجا على البحر الأحمر فهم الأجداد وهم يجرونك جرًا للقرن الأفريقي واليمن أيضًا. لكل قطر عربي خصوصية ودائرة مزاجية/نفسية/شكليّة أقرب إليه، هذا صحيح تماما.. وللخليج دائرة، ولشمال أفريقيا دائرة، وللشام دائرة، وللقرن الأفريقي مع السودان دائرة.. وإلخ، لكن على مستوى القطر الواحد ثمة خصوصيات متنوعة، ساكن الأسكندرية في مصر يملك مزاجًا مختلفًا عن ساكن الصعيد، والسيناوي غير المطروحي.. وإلخ، وعليه فهذا الأمر الذي لا يجب تجاهله بحكم أنه واقع، لا يجب تصعيده ليصير مدخلا للتفتيت ودق الأسافين والفصل. كما أن ثمّة جسور تربط تلك الدوائر وتشدها إلى بعضها، وعلى رأسها: مصر، بموقعها المتوسط، وبعدد سكانها الضخم. العروبة هي هوية حضارية للم الشمل والتجميع وحيازة القوة، وليست دعوة إثنية للانفصال وشرذمة البلدان أو تأسيس تحالفات لخوض صراعات على أسس ثقافية وإثنية مع الجيران. القومية، التي نطرحها، هي ضد الناهب الدولي، القوماوية الأخرى هي لخدمته. وكما أنها ليست أيدولوجية، بالمعنى الضيق للتعبير، هي ليست خيار، هي واقع يفرض نفسه.. حتى الربيعي في مصر وسورية وتونس، ورغم خلفيته الإسلاموية والليبرالاوية، لم يكن أمامه بُد من تسمية ربيعه بـ"العربي"، وعندما وقعت أحداث تونس في نهايات 2010، تساءل الكل في مصر (أتباع النظام وأنصار المعارضة)، هل تتكرر في مصر؟.. لماذا عندما وقعت في تونس "بالتحديد" تأثّرت مصر؟، هل لو كانت وقعت باليونان أو الكاميرون.. كانت مصر لتتأثر لتلك الدرجة؟ (طبعًا دون شطب التاثير الأممي). حتى السيساوي الساداتي، الذي يكره العروبة، يجد نفسه مشدودًا للملف الليبي والسوداني والفلسطيني، ويعرف كيف أن انهيار الدولة في ليبيا، عقب تدخل الناتو وتعويم الحركات "السلفية الجهادية"، قد أثّر على أمنه القومي بالسلب، وأن وجود نظام إخواني كالبشير مثّل حاضنة لخصومه اليوم.. وإلخ، بما يعني أن الدعوى الانعزالية، لا يمكن لها -عمليًا- أن تتحقق. رغمًا عنك، ستظل في تلك البقعة الجغرافية مربوط بمحيطك، فالأولى أن تتعامل معه كما يجب وبمبادرة. وإن كان فيه ما يزعجك، فالحل أن تصعّد من دورك في هذا الملف، لأنك إن تجنبت هذا الدور سيبقى التهديد كما هو وسيتفاقم. أنت عندما تنكر العروبة، لن يتغير شيء، ستبقى لغتك عربية، وموقعك الجغرافي كما هو، وتاريخك على ذات المنوال. يعني لن تصير أوروبيًا مثلًا، أو من أمريكا الجنوبية.. الذي يحصل فقط عندما تُنكرها، هو أنك تنحبس خلف حدودك، وتصير لقيطًا يتسوّل التأييد والحماية من البيت الأبيض، بعد أن خسرت حاضنتك القوميّة، ومجال عملك الذي منه تحصّل قوتك. المصري، مثلًا، الذي لا يعترف بتأثير من الساداتية والخطاب الديني المنغلق، بعروبته، هو أول الباحثين عن شقيقه العربي عندما يسافر إلى أوروبا، لأنه يشاركه اللغة والموضوعات التي يمكن التحدّث فيها (ولو مباريات كرة القدم)، والثقافة.. إلخ. وهو عندما يسافر للعمل في بلد عربي لا يسميّه أهله مغتربًا، على عكس ما لو غادر الوطن العربي. الدعوة ليست لقومية انعزالية أنانية مُعتدية، بل لوسيلة للتجميع، ولم الشمل، وحيازة القوة لصد الاعتداء. ولا تعارض، في هذا السياق، بين القومية والأممية. القومي الجيد (التجميعي المقاوم)، هو أممي جيّد. والتأثير الأممي لا يمكن نكرانه، وإلا لما كان العديد من الأشخاص على مواقع التواصل يبدّلون صورهم الشخصية إلى صورة "كيم جونغ أون" لأنهم يرون فيه مثالًا للقائد الوطني القادر على مناطحة أمريكا وتحديها والتسلّح بما يرهبها دون الاعتداء على بلاده. كما أن من بعض خيوط العوامل القومية (الثقافة والأرض والتاريخ واللغة..إلخ)، ما يمكن أن تنسج منه روابط مع جيرانك، ليس لأنك تهواهم مثلًا، ولكن لأنك مربوط بهم فعلا ببعض تلك الخيوط، وعليك أن تعترف بذلك، وتؤسس علاقات تضبطها بضابط النديّة، والتحالف ضد الناهب الدولي المشترك. حتى لو كان الحاكم عند جيرانك عدو لك، عليك أن تبحث عن استبداله، لأنك مربوط بهؤلاء الجيران سلبًا او إيجابًا. وعبد الناصر العروبي، لم يلعن الفرس مثلًا، بسبب الشاه، بل دعم معارضته، وخصص مواد إذاعية باللغة الفارسية. السؤال الذي يجب أن يُطرح لا يجب أن يكون: "هل أنت عروبي أم لا؟"، بل: "هل ترى الواقع بعينين مفتوحتين أم لا؟"، "هل تريد أن تكون قويًا أم لا؟"