2024-03-29 12:13 م

عدنان مجلي.. "برشوت" أمريكي سعودي أشعل حربا بين مقاولي الأنظمة

2018-02-04
ألقى عالم الكيمياء الطبية «عدنان مجلّي» معطف المختبر في شركته «ترانزتك فارما» أو «إمبراطورية طبية» كما تعرف بالولايات المتحدة الأمريكية، وحضر إلى قطاع غزة الذي أُعلن قبل أيام عن اعتباره «منطقة منكوبة إنسانيًا».

وبالرغم من أن جولة الرجل كانت علمية خيرية، إلا أن وصوله للقطاع جاء بسماح إسرائيلي – إقليمي – دولي وصم الزيارة بـ«السياسية»، وقد أثار استدعاؤه من حقل طبي علمي الكثير من التساؤلات حول تلك الشخصية التي اقتصرت اهتماماتها قبل ذلك على مجال الاختراعات والبحث العلمي، ولم تكن ذات اهتمام مسبق بإدارة ملفات سياسية شائكة.

 ومع ظهور العديد من الصفحات الممولة التي تروج لمجلّي خلال الأيام القليلة الماضية  طرح اسم الرجل بقوة في الساحة السياسة الفلسطينية برغبة دولية إقليمية فيما يبدو، خاصة من الرياض وواشنطن.

من هو «عدنان مخيبر مجلّي»؟

ولد الكيمائي عدنان مجلي في مدينة طوباس في الضفة الغربية عام 1963م، وبعدما أنهى مرحلة البكالوريوس انتقل إلى الأردن للعمل كأكاديمي، لكنه سرعان ما قرر السفر إلى بريطانيا لمواصلة دراساته العليا، وبالفعل حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من جامعتي سالفورد وإكستر.

وكان مجلّي قد ربط وجوده في بريطانيا بالدراسة، فحين انتهى عاد إلى بلدته، إلا أنه لم يجد ما يحقق طموحه العلمي في فلسطين، لذلك استجاب لعرض قدّم له للعمل وتطوير أبحاثه، فسافر هذه المرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث عمل هناك في شركة «ميرك» للأدوية، ثم شركة «أنتوجين» التي ترأس البحوث الطبية فيها، لكن أبرز نجاح لمجلّي تحقق عندما أسس شركة «ترانزتك فارما» التي وصفت بـ«إمبراطورية طبية»، فقد أبدعت الشركة تحت إدارته في مجال الأبحاث الطبية التي تستهدف القضاء على الأمراض المزمنة.

وقد ساهم مجلّي بابتكار أدوية عديدة، منها دواء ضد السكري؛ إذ اكتشف عقارًا جديدًا يساعد على علاج السكري من الدرجة الثانية، وهو نجاح علمي يساعد على إنهاء معاناة الملايين مع الأدوية التي تتسبب في بعض الحالات بالغيبوبة، كما اخترع دواء ضد مرض «ألزهايمر» في عام 2006، واسمه «تي.تي.بي 488»، وهو دواء يعمل على تحقيق التوازن للجين المسبب للمرض.

ونظير هذا الجهد نال مجلّي عدة جوائر منها جوائز «فاست 50» التي تتعلق بالشركات الأسرع نموًا، وجائزة مؤسسة «هيليوس» للتميز في الإبداع والابتكار، وكذلك حصل مجلّي، الذي سجل قرابة 600 براءة اختراع، على جائزة «كارولينا الشمالية للتنمية الاقتصادية» التي يمنحها «المركز الأمريكي للتكنولوجيا الحيويّة»، و«آرنست أند يونغ» و«التميّز في الإبداع والابتكار» من مؤسسة «هيليوس» وغيرها.

ويسعى مجلّي إلى تحقيق هدفين كبيرين، حيث قال: «يتمثّل أولهما في أن تتوصّل شركاتي إلى تفكيك الشيفرات الجينية وترجمتها إلى أدوية تعالج أمراضًا مستعصية، كالسرطان والسمنة والفيروسات وغيرها. ويتمثّل الثاني في دعوة الحكومات العربية إلى تحديث قوانين تحمي العلماء والبحث العلمي، وتوفر الكوادر المختصّة لإجراء بحوث علمية ودراسات سريرية، وتحمي الملكية الفكرية، وتبني اقتصاد معرفة عربيًا يمتلك التكنولوجيا والابتكار، فلا يكتفي بكونه مستوردًا لهما».

زيارة لغزة تثير التساؤلات

عبر معبر بيت حانون، وصل «مجلّي» قبل أيام إلى قطاع غزة، في وقت يصعب فيه على الكثير من الشخصيات الوصول إلى هذه المنطقة الجغرافية المحاصرة، دون إرادة إسرائيلية أو إرادة إقليمية، وقد احتفى القطاع بزائره الذي جال مقابلًا الفصائل الفلسطينية، والشخصيات العامة والعشائرية، ويزور المؤسسات الخيرية والعلمية.


وتزامن مع هذه الزيارة حديث فلسطيني وإقليمي عن ترشيح «مجلّي» لدخول المعترك السياسي الفلسطيني، وهو حديث ليس جديدًا، ففي الأسبوع الأول من فبراير (شباط) 2017، نشرت بعض وسائل الإعلام الفلسطينية أخبارًا تتحدث أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يفكر في تعيين «عدنان مجلّي» رئيسًا للحكومة الفلسطينية الجديدة، حيث يعد صديقًا مقربًا من نجل عباس، وله علاقات مع الحزب الجمهوري الأمريكي.

 وتشير المعلومات المتوفرة أنه عمل خلال السنوات الماضية كوسيط سري بين السلطة والولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي قد يفيد الآن في الوساطة بين رام الله وواشنطن حيث العلاقات المتأزمة، وهنا يقول الباحث الأول في مركز «الشرق للسياسات»، جلال سلمي: «إن صح سعي الولايات المتحدة لتوظيف مجلّي، فذلك يأتي من باب الحاجة إلى رجل يُعتمد عليه في تمرير بعض النقاط بدون عوائق»، ويضيف لـ«ساسة بوست» : «علميًا الشعوب بحاجة إلى قيادة جديدة، بـ(كاريزما) جديدة كل فترة؛ لأن استمرار وجود زعيم دائم يخلق نوعًا من الضجر، وهذا واضح على صعيد الشعب الفلسطيني».

وقد طرحت الخطوات الأخيرة لمجلّي على الساحة الفلسطينية عشرات علامات الاستفهام حول توقيت زيارته لقطاع غزة والواقع السياسي المتزامن مع الحديث المتكرر عن وجود مؤشرات لصناعة قيادات جديدة في الخارج، ومخططات التسوية وانهاء القضية الفلسطينية، إلا أن  مجلّي نفى أمام الصحافيين ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة؛ فقد قال: «لا يوجد انتخابات حتى أرشح نفسي، وأتمني اليوم الذي يكون فيه انتخابات حرة، وكل فلسطيني له الخيار في ترشيح نفسه، ونحن مع الديمقراطية والانتخابات».

 ويعقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة بغزة، عدنان أبو عامر بالقول: «يُسأل عدنان مجلي عن طموحاته الزعامية؛ فرد نافيًا: «كلام جرايد.. مع أن كلام الجرايد تسعة أعشاره صحيح وحقيقي.. فهل كان نفيه تأكيدًا؟».

وإضافة إلى زيارته لغزة، أثار اهتمام الرجل بالـ«سوشيال ميديا»، وظهور صفحات ممولة كثيرة تروج له خلال الأيام الماضية، الكثير من التساؤلات، لكن من يقف وراء قرار وجود قيادة جديدة؟

يجيب على هذا التساؤل رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، فيقول: «هناك مؤشر يحمل دلالات على أن محمد دحلان أو البدائل التقليدية لمحمود عباس لم تعد هي الوحيدة المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية، يعني في الوقت الذي كانت فيه المعادلة الفلسطينية تضعنا بين خيارين، إما دحلان أو محمود عباس، الآن هناك أطروحات جديدة، وكأن بعض القوى الإقليمية والدولية اقتنعت مؤخرًا بأنه ليس من الضروري أن يؤتي بقيادة تقليدية لإدارة الملف الفلسطيني».

ويتابع القول لـ«ساسة بوست»: «لديهم تجربة في هذا الأمر، وهي تجربة استدعاء سلام فياض من البنك الدولي خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية لإدارة مؤسسات السلطة الفلسطينية، وأظن بنفس المنطق الآن يؤتى بمجلّي من مؤسسة أمريكية، بالرغم من أنه من خارج المجال السياسي والاقتصادي».

أما فيما يتعلق بـ«حركة المقاومة الإسلامية (حماس)»، التي زار مجلّي رئيس المكتب السياسي لها، إسماعيل هنية؛ بغية التعريف بشخصه وقدراته الاقتصادية والعملية والسياسية، فقد ذكرت في بيان لها أنه «جرى البحث خلال اللقاء في كيفية مواجهة المشكلات اليومية التي يعاني منها المواطن الفلسطيني، وآفاق الاستثمار في الإنسان الفلسطيني في كل المواقع لتعزيز صموده وتثبيته في وطنه، وجرى التطرق إلى بعض المشروعات الاستراتيجية لحل مشاكل البنية التحتية في قطاع غزة، كالكهرباء والماء ووفرة الدواء».

يقول مدير «مركز الدراسات الإقليمية-فلسطين»، أيمن الرفاتي: «باعتقادي أن حماس لديها إيمان بأن مثل هذه الشخصيات لا يمكنها أن تنجح في ظل الوعي الفلسطيني للمخططات الأمريكية الساعية لإنهاء القضية الفلسطينية».

لكنه يستدرك القول: «لكن باعتقادي أن عودة مثل هذه الرؤية من جديد لدى الجهات الأمريكية والأوروبية تأتي بعد اختلاف الواقع، وتشكل رأي لدى بعض الفلسطينيين ضد الفصائل الفلسطينية، وخاصة حماس وفتح، وذلك بعد عشر سنوات من التضييق المعيشي والاقتصادي في قطاع غزة، وبعد انعدام الأفق السياسي في الضفة المحتلة، والضغط الكبير عليها هناك، وجعل أجهزة السلطة كأدوات تنفذ رؤية الاحتلال». مضيفًا: « باعتقادي أن حركة حماس واعية لمثل هذه المخططات، لكنها تتعامل ببراجماتية عالية، فهي لا تريد أن تبني مواقف مسبقة مع أي شخصيات قبل حدوث وقائع أو تحركات على الأرض».

«سلام فياض 2».. هل ينجح مجلّي في اللعب على المتناقضات؟

هكذا أجاب «مجلّي» على سؤال صحيفة «الأهرام» المصرية. مضيفًا رأيه في المقاطعة الفلسطينية لأمريكا بالقول: «لا.. المقاطعة ليست في صالحنا.. يجب علينا أن نركز على الطاقة الإيجابية، وليست السلبية. والمقاطعة عمل سلبي».
بل ذهب الرجل لأكثر من ذلك حين أبدى رأيًا غير واضح بخصوص «صفقة القرن»، فقال: «إن الصفقة – أي صفقة – تكون دائمًا بين طرفين، ويجب أن يكون الطرفان على وفاق تام لتتم الصفقة.. أليس كذلك؟ وكون ترامب قد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارته إليها، فإنه يكون بالتالي قد استبعد الطرف الفلسطيني.. فبين من ومن تتم الصفقة إذًا؟ بدون الفلسطينيين ليست هناك صفقة قرن.. ولا يمكن لأى إنسان فلسطيني أن يقبل باستبعاد الشعب الفلسطيني من المعادلة.. فمع من تتم الصفقة إذًا، إذا كان المعنيون بالأمر مستبعدين».

إذًا قال «مجلّي» بوضوح إنه ضد المقاومة المسلحة، وأنه يرى التفاهم مع الإسرائيليين يحقق فرصة للنمو الاقتصادي، وإعادة تأهيل الحياة المدنية في غزة مقابل تحييد السلاح، ويذهب مدير مركز الدراسات الإقليمية_ فلسطين، أيمن الرفاتي إلى القول: إن «الإجماع الأوروبي والأمريكي على شخصية مجلّي في هذا الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فرض وقائع على الأرض لتسوية القضية الفلسطينية، يدفعنا للتفكير بأن هذا الرجل مدفوع ليكون وريثًا للقيادة الفلسطينية».

ويعتقد «الرفاتي» أن «هذا الرجل لا يؤمن بالنضال المسلح للشعب الفلسطيني مثل الرئيس أبي مازن، لكنه ليس على عداوة مع أي من الأطراف الفلسطينية؛ ما قد يؤهله – بحسب الرؤية الأمريكية – ليكون خليفة لرئيس السلطة، وبقبول جميع الأطراف الفلسطينية، وبما أنه لا يوجد لديه قاعدة جماهيرية حقيقية يستند عليها، فإن رؤيته قد تكون اللعب على المتناقضات، كما حاول مسبقًا سلام فياض عام 2006 باستحداث تيار – فشل في مهده – أسماه التيار الثالث، وهو تيار مخالف لجميع الفصائل».

ويعقب رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، بالقول: «مجلي يطرح هذا الأطروحات بشكل واضح وصريح، وهو يروج نفسه للقوى الإقليمية والدولية، وأظن أنه لا يوجد أية قيادة فلسطينية، سواء عدنان مجلّي، أو محمود عباس، أو غيرهما، قادرة على إخراج الفلسطينيين من أزمتهم؛ لأن المسألة ليست مسألة أشخاص، بل مرتبطة ببيئة الاحتلال الإسرائيلي، وبنية المؤسسة الفلسطينية التي أنشئت بعد أوسلو، فقيادة السلطة الفلسطينية ستواجه نفس المأزق بأنه ليس لديها أرضية شعبية يمكن تقبل أي انحدار في المواقف السياسية بشكل غير مقبول، وكذلك ستواجه ضغوطات دولية؛ كون البنية المؤسساتية التي تديرها مدعومة ماليًا من الخارج، ولا تعتمد على قوة ذاتية، وهذا ما يجعلها دائمًا غير مستقرة من ناحية القرار السياسي».

السعودية تفضل مجلّي و«دحلان» لا يعجبه

في ديسمبر (كانون الأول) الماضي نشر موقع «إيلاف» السعودي تصريحًا خاصًا لمصدر أوروبي أكد أن الاتحاد الأوروبي طرح اسم مجلّي ضمن عدة أسماء فلسطينية تقترح لشغل مناصب هامة خلال الفترة المقبلة لقيادة الفلسطينيين بعد عباس.

وينقل المصدر – حسب إيلاف – أن شخصيات أوروبية رفيعة المستوى تحدثت مع مجلّي حول إمكانية انخراطه في العمل السياسي، فلم يعارض، ولكنه لم يبدِ حماسًا للفكرة، وفيما يظهر اهتمام الاتحاد الأوروبي – الذي يعتبر الداعم والراعي الأكبر للفلسطينيين سياسيًا واقتصاديًا – بالبحث عن قياديين محتملين من خارج الدوائر السياسية المعروفة، يظهر موقف سعودي مؤيد لشخصية مجلّي أيضًا.

يقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، وعضو شبكة السياسات الفلسطينية، بلال الشوبكي: «إن الإعلام السعودي روج لمجلي بشكل غير مباشر حين أشار إلى أن اسمه بات مطروحًا في الأروقة السياسية لخلافة محمود عباس».

وفيما يتعلق بموقف القيادي المفصول من «فتح»، محمد دحلان، الذي عجلت المواقع الإعلامية المقربة منه بمهاجمة مجلّي وإثارة الشكوك حوله، يبدو أن الرجل متخوف من موافقة الإدارة الأمريكية والرباعية العربية على جعل مجلّي بديلًا عنه كخليفة لعباس.

 وهنا يعقب «الشوبكي» بالقول: «ربما أدرك دحلان والمقربون منه أن مجلّي يطرح من نفس القوى التي تعنيهم، فحتى المحور السعودي الإماراتي-المصري متباين في وجهات النظر، فتبني دحلان من الإمارات لا يعني بالضرورة أن السعودية راضية عن شخص دحلان، وبالتالي هناك طرح لمجلّي وكأنه رجل السعودية في فلسطين، كما للإمارات رجلها، وهذا الأمر الذي قرأه دحلان والمقربون منه، ولذلك ربما هم يحاولون الآن التصدي لمجلّي».

من جانبه يقول مدير مركز الدراسات الإقليمية، أيمن الرفاتي: إن «دحلان بلا شك يرى أن مجلّي منافس له في إمكانية وراثة الرئيس محمود عباس، وهذا الأمر انعكس بشكل أساسي في جميع وسائل الإعلام التابعة له؛ حيث هاجمته منذ البداية؛ لأن عدنان مجلّي ليس لديه الإشكالات التي يعاني منها دحلان، والمتمثلة في الرفض الشعبي له لدى الكثير من سكان القطاع – القريبين من حماس – الذين يرونه شريكًا في أحداث الانقسام عام 2006 و2007».

ويتابع القول لـ«ساسة بوست»: «أيضًا مجلّي هو ابن الضفة المحتلة، وقد يجد قبولًا هناك أكثر من دحلان الذي سيجد صعوبات في تسويق نفسه على الأرض في الضفة، باعتقادي أن الأطراف العربية والدولية باتت تنظر لدحلان بأن فرصته ضعيفة في الوصول للسلطة، وبالتالي فكرت في البديل، وتأهيله خلال الفترة المقبلة بات أمرًا ملحًا في ظل الرغبة الأمريكية والإسرائيلية بالتخلص من رئيس السلطة محمود عباس».
ساسة بوست