2024-04-25 08:06 ص

يعرب بن قحطان

2018-01-26
بقلم: نبيه البرجي
تسألون: لماذا لم يتناول يعرب بن قحطان (لا نعرف ما اسم زوجته) حبوب منع الحمل؟
هذه التي تركها وراءه أمّة أم أمة (جارية) في حضرة الأباطرة والسلاطين والقياصرة ؟
حتى الثورات تحولت الى ظواهر كاريكاتورية. لا ايديولوجيات، لا قيادات. قصاصات لاهوتية، وببغاءات، وروبوتات، وشيوخ قبائل يقاتلون شيوخ القبائل، وقبضايات أزقة يتصدّون لقبضايات الأزقة.
أخيراً، ثورة الأراكيل. تكنولوجيا الأراكيل. هذا هو الخيار الاستراتيجي. نارة ياولد. لا أحد يكترث بالنيران التي لامست ثيابنا، هياكلنا العظمية .
أربعة ملايين قتيل وجريح في الثورات الجميلة، 14مليون نازح. خراب (دون احتساب الموتى والأزمنة) بتريليوني دولار.  سوريا مثالاً. الذين موّلوا «الثورة» من أجل الديمقراطية والعدالة، ملوك وأمراء. أحدهم  أنفق ملياري دولار خلال اجازة الصيف في ماربيا (صاحب الجلالة مهووس بغانيات جنوب شرق آسيا). آخر، ومعه فنانات الصدور العامرة، يختال في يخته الذي ابتاعه بمليار دولار (صاحب السمو اشترى يختاً بـ550  مليون دولار فقط  ). آخر أيضاً اشترى قصراً يعود الى القرن الثامن عشر من مثرية انكليزية بـ450 مليون دولار.
ما المشـكلة أن يكون هناك سبعون مليون عربي تحت خط الفقر (مع اعتبار أننا كلنا تحت خط الزمن)، وأن يكون هناك في أمة «لاتقرأ» ستون مليون أمي. متى كانت الأمية  فقط في عدم الكتابة والقراءة ؟ لا أحد يعرف كم هو عدد العرب، الأعراب، الذين يعانون من الأمية في الرؤية... 
هل يمكن لمصر أن تقاد بصوت فاتن حمامة بدل الدوي يهز عظام الديناصورات الذين يمسكون بكل مفاصل الزمن (اللازمن) العربي؟ حين نتغنى بالزمن الجميل، ننسى أن أولياء أمرنا كانوا يحتسون الشامبانيا، وما بعد الشامبانيا، في ألف ليلة وليلة، دون أن يشعروا بملايين الحفاة، وبملايين العراة، وبالملايين ينامون على الحصى ولا يرون في القمر سوى رغيف الخبز. 
لماذا يفترض بتونس الخضراء أن تتضوّر جوعاً؟ المثقفون يشتكون «اننا نتسول ثمن فنجان القهوة». السودان؟ ذاك البهلوان بعصا الماريشال الذي حوّل «سلّة غذاء العرب» الى سلة الدم. قتل الألاف في حروب عبثية  قبل أن يوقّع على اقتطاع الجنوب، بكل ثرواته، وبكل قبائله. والآن يقود جيشه الى حدود اريتريا .
اريتريا البلد المعدم والصغير استولى، بالقوة, على جزر يمنية، في حين يتم التعامل كشهيد مع علي عبد الله صالح، بالأربعين أو الستين مليار دولار التي نهبها من عيون الأطفال في بلاده               . 
ذات يوم، حملنا أحزان اريتريا على أنها دولة عربية. المهم أن نكدّس الدول فوق بعضها البعض. في اجتماع لوزراء الخارجية العرب، عشية قمة بغداد عام 1978، سلّم وزير خارجية جيبوتي رئاسة الجلسة الى نظيره العراقي «سعدان حماري»  (سعدون حمادي).
حين كنا نفترش الأرض في مكتب أحد قادة تحرير اريتريا عثمان سبي لنصغي اليه، كونه شقيقنا في القومية العربية. صدمت في أحد المطارات عندما أعطيت مكاني في الصف لسيدة تحمل جوازاً اريترياً، قائلاً «كلنا عرب». ردت بتقزز «لا، لست عربية. أنا اريترية».
لطالما حملت معي مقررات القمم العربية التي غطيتها. في احدى المرات، وقد ضقت ذرعاً بالملهاة، عرضت على أحدهم من أبناء قريتي الذي يمتلك مزرعة للماعزأن يستخدم المقررات علفاً لماشيته. اعتذر لأن الماعز لا تأكل هذه التفاهات.      
التونسيون يتظاهرون من أجل الخبز. السودانيون الذي يتوزع أبناؤهم على كل أبنية المدن في المنطقة، يتظاهرون من أجل الخبز. عمر حسن البشير استدعى رجب طيب أردوغان من أجل اغاظة مصر. ومصر حليفة  (في اليمن) للنظام الذي قتل قي الستينات من القرن الماضي ما بين خمسين وستين ألف جندي مصري ليبقى اليمن رهين العصر الحجري .
لا ثورات. حتى أنهم حولوا الاسلام الى كائن خرافي يفترس الصرخات العارية، ويقطع الرؤوس، ويفقأ العيون . القائلون بالنص القرآني أم القائلون بالنص التوراتي ؟ لا بقاء الا للعروش.
انها المتاهة. لمن يصرخون في تونس؟ ولمن يصرخون في الســودان؟ قالوا لا نريد الكــافيار بل الفلافل. فخامة الماريشال يستورد ملابسه الداخلية من بريطانيا. هذا لكي يستطيع أن يفكر، وأن يقود شعبه بالعصا، وأن يرقص فوق جثث جنوده.
لا تتصوروا أن أحدا من القادة العرب يخــتلف، الا في ما ندر، عن سواه. ذات يوم قد نسابق النوق على ما تبقى من الكلأ...!
(الديار)