2024-03-19 12:16 م

فى ذكرى مرور 100 عام على ميلاد عبد الناصر.. أحلام الزعيم..

2018-01-16
ولد جمال عبدالناصر يوم 15 يناير عام 1918، ورحل يوم 28 سبتمبر 1970، أى كان عمره 52 عامًا فقط، وبين الميلاد والموت شغل الدنيا ومازال يشغلها منذ يوم 23 يوليو 1952 حين نجح تنظيم الضباط الأحرار الذى أسسه وقاده فى الانقلاب على حكم الملك فاروق، ثم تحول الانقلاب تدريجيا إلى ثورة شاملة فى كل المجالات.   ولأنها ثورة أحدثت تغييرا جوهريا فى تاريخ مصر والمنطقة، فمن الطبيعى أن يكون لها أنصار وخصوم، محبون وكارهون، أوفياء ومنقلبون، مقلدون ومجددون، مبررون ومتصيدون، غير أن كل هذا ومع ضراوة المعارك بين ممثليه، يؤكد أننا أمام تجربة تاريخية تركت بمشروعها السياسى والاقتصادى والاجتماعى والفكرى آثارها العميقة على مصر، والمنطقة العربية والعالم الثالث والعالم بأسره.  جاء جمال عبدالناصر بمشروعه امتدادًا لمشروع وطنى يحلم باستقلال مصر، وظل يبحث عن نفسه منذ بدايات القرن التاسع عشر مع خروج الحملة الفرنسية من مصر عام «1801»، وبالرغم من الموجات الثورية الهائلة التى شهدها هذا المشروع الوطنى، بدءا من ثورة الجيش والشعب التى قادها أحمد عرابى عام 1882، ثم ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول، وبينهما موجة النضال الوطنى، الذى قاده مصطفى كامل ثم محمد فريد، إلا أن ثورة 23 يوليو 1952 وزعيمها جمال عبدالناصر كانت هى التتويج الثورى الأعمق والأنضج لهذا المشروع الوطنى، وذلك بما أحدثته من تغييرات جوهرية داخلية وخارجية.   كان صلب التغييرات الداخلية وجوهرها هو الانحياز للفقراء، بتوسيع رقعة المجالات الإنتاجية، التى تعود عليهم بالنفع، وكانت حزمة السياسات الداخلية التى قام عليها مشروع عبدالناصر هو خدمة هذا الانحياز، بدءا من مجانية التعليم ومرورًا ببناء المصانع التى زادت على الألف مصنع، وقوانين الإصلاح الزراعى، وتعيين الخريجين، وحتى النهضة الثقافية التى انطلقت وقتئذ فى مجالات الإبداع المختلفة، كان يعنيها فى المقام الأول هذا الإنسان الذى يعيش فى الكفور والنجوع ولم تصل إليه الثقافة من قبل كسلعة تبنى وعيه وتنميه.   أدت هذه السياسات إلى إنشاء طبقة وسطى لم تكن موجودة من قبل، وأصبحت قوية بفعل تزايدها، وحملت فى يديها مشاعل التنوير والنهضة، بعد أن عاشت مصر عبر تاريخها الحديث بطبقتين، طبقة تحكم وتمتلك الثروة، وطبقة محكومة ولا تملك، وتحصل على الفتات وكأن هذا هو قدرها المكتوب عليها.    تفاعل مشروع عبدالناصر الداخلى مع مشروعه الخارجى، الذى مضى طبقا لدوائر حددها هو فى «فلسفة الثورة»، وجميعها تنطلق من ضرورات العوامل التى تؤدى إلى حماية الأمن القومى المصرى، وكانت الدائرة العربية هى الأولى فى ذلك، ولهذا مد «عبدالناصر» يد العون بكل أشكاله إلى كل حركات التحرر العربية، التى كانت تناضل ضد الاستعمار من أجل الاستقلال، وطوال خمسينيات وستينيات القرن الماضى لم توجد دولة عربية واحدة ناضلت ضد الاستعمار ثم حصلت على استقلالها إلا وكانت مدعومة مصريًا وبكل قوة.   ولم يكن هذا الأمر نهجًا يطمح به عبدالناصر أن يكون «إمبراطور» كما روج كارهوه من أمريكا وإسرائيل حتى جماعة الإخوان، وإنما كان ترجمة فعلية لحقائق الجغرافيا والتاريخ، الماثلة أمامنا منذ القدم وحتى الآن، ومن الدائرة العربية إلى الدائرة الإفريقية مضت سياسات عبدالناصر استجابة أيضًا لضرورات الأمن القومى المصرى، فإفريقيا هى الظهير الأمنى لمصر، ومنها تأتى مياه النيل، ولهذا مد يد العون لكل حركات التحرر الإفريقية، التى ناضلت ضد الاستعمار وكان لهذه الحركات مكاتب لها فى القاهرة وإذاعات سرية، وقادة يعيشون فيها يديرون كل منها نضالهم، وطلاب يدرسون فى جامعاتها وأهمها «جامعة الأزهر»، ولما توج كل ذلك بحصول إفريقيا على استقلالها كاملة، ردت «القارة» بالوفاء للزعيم الذى قاد نضالها، فأطلقوا اسمه على جامعات وشوارع وميادين فيها.  
هكذا عمل عبدالناصر على تحصين أمن مصر بفهم حدوده ومنطلقاته، التى تنطق بها حقائق الجغرافيا والتاريخ - كما قلنا - وليس بطموح «إمبراطورى»، أو«بعزقة فلوس» أو «عنترية»، كما يزعم الذين يريدون لمصر أن تبقى فى قمقمها، أو الذين يريدون أن يعيدوا عجلة الزمن إلى الوراء فيربطوها بشعار وهمى خادع هو شعار «الخلافة الإسلامية»، هذا الشعار الذى توظفه قوى إقليمية ودولية وتجند له قوى داخلية تكفيرية، تريد لمصر الخراب والدمار، كما يحدث الآن، وحدث منذ عام 1954 فى ميدان المنشية بالإسكندرية، حين حاولت جماعة الإخوان اغتيال جمال عبدالناصر، وفى عام 1965 حين أعاد سيد قطب إحياء الجماعة، بوضع خطة تخريب مصر بعمليات إرهابية تستهدف شل سبل الحياة.    بالطبع فإن السياسات، التى اتبعها عبدالناصر لتنفيذ مشروعه فيها سلبيات، لكن تكمن المأساة فى تعامل البعض مع هذا المشروع، كما لو أنه أخرج مصر من الزمن، وقطع سياقا تاريخيا ناهضا كما يتوهمون، وفى هذا حدث ويحدث تسييد لأكاذيب تزييف حقائق التاريخ، فيها ترويج لـ«مصر الملكية»، وإلى جانبهم يستثمر الإرهابيون الفرصة للترويج لمصر التى يريدونها.    على مستوى التطبيق العملى كان سياسات ابن عصره، بكل ما طرحه هذا العصر من سمات فكرية وسياسية وثقافية واجتماعية وتكنولوجية، غير أننا ونحن نحتفل بمرور مائة عام على مولد هذا الزعيم التاريخى نحتاج إلى النظر من جديد إليه حتى نستخلص منه العبر.  
التصنيع العسكرى حلم عبدالناصر الذى واجهه «الموساد» وأمريكا * «الأستاذ» و«حلوان 200» أول منتجات الدولة الحربية وعبدالناصر فى حوار نادر: إسرائيل تمارس ضدنا حربا قذرة     كتب - زكى القاضى     لعبت مصر شوطا كبيرا فى مجال التصنيع العسكرى، بدأ مع ثورة 1952، ورغم حداثة دولة إسرائيل، إلا أنها كانت حاضرة فى التصدى بقوة لما تفعله مصر، وتراقب جيدا كل ما يدور داخل ذلك القطاع جيدا، وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 كان أهم مبادئها إقامة جيش وطنى قوى يعتمد على صناعة حربية وطنية تمد هذا الجيش بالعتاد والسلاح.   وكان لديها طموح كبير حينها ظهر فى صاروخى قاهر وظافر، وأيضا فى مجال تصنيع الطائرة المقاتلة، وكان كل ذلك يتم فى مصانع الدولة للإنتاج العسكرى، أو ما عرف حينها بالهيئة القومية للإنتاج الحربى.   ولصناعة الطائرة المقاتلة تم إنشاء مكتب المشروعات الحربية الخاصة، ووضعت مصر شروط صناعة المحرك للطائرة المقاتلة، وهو انتقاء العلماء والفنيين المصريين القادرين وحشدهم للعمل فى المشروع، وتوفير الاستثمارات المالية دون تأثير على متطلبات الشعب، وتوفير مستلزمات الإنتاج سواء المحلية أو الأجنبية وهى من 500 معدن تلزم لصناعة المحرك، والاستعانة بالخبرة الأجنبية السابق معرفتها فى تصنيع الطائرات لتدريب المصريين مرحليا.   ونتج عن ذلك أنه فى 7 مارس 1967 أصبح لمصر طائرة مقاتلة جديدة بالمحرك المصرى هــ 200، ثم جاء بعدها التطوير بإعلان هـ أ 300 بجسم هندى ومحرك مصرى، ودخل مصنع حلوان ضمن مصانع الطائرات المقاتلة فى العالم.  
لصاروخ ظافر   ونجحت مصر فى بدايات صناعة الطائرة المقاتلة، وظهرت الطائرة حلوان 300 التى تم اختبارها عام 1964 ولأول مرة دولة تمتلك صناعة الطائرة المقاتلة، حيث كانت مصر تبحث عن تطوير التسليح وبدأ التفكير فى صناعة الطائرات الحربية بدلا من شرائها.   وتعاقدت مصر مع شركة مسرشمت، لتصنيع إتش آى 200، وأنتجت مصر القاهرة 200، واشترت مصر تصميم الطائرة المقاتلة من إسبانيا عام 1958، وتم توفير أماكن الوجود بقاعدة حلوان الجنوبية، وتبع المشروع لمكتب وزير الدفاع، وتم البدء فى تطوير التصميمات عام 1959، واعتمد على محرك يتبع لشركة بريطانية، ورأى عبدالناصر أن الاعتماد على محرك بريطانى يهدد مصر، وصدر التوجيه لتصنيع محرك جديد بالكامل فى مصر، فوجهت مصر دعوة لخبير محركات من النمسا لتصميم المحرك الجديد، وتم تصنيع المحرك واختبر عام 1963، وأطلق اسم حلوان على الطائرة الجديدة، وظلت أعمال التطوير، والتجربة خلال السنوات، وتم التفكير فى إنتاج كمى من عام 1966، وواجه المشروع تحديات من الجانب السوفيتى، لوقف المشروع إلى أن تم تجميد المشروع فى ديسمبر 1969.   واتجهت مصر لبرنامج الصواريخ، فبدأت بصاروخ «الأستاذ»، الذى سمى بعد ذلك بالقاهر، وبعده تم تصنيع صاروخ أكثر مدى وسمى الظافر، فى تلك الآونة كان عبدالناصر يرى أن الإعلان عن الصاروخ أمام العالم يحتاج لتجارب كثيرة، لذلك رجع للمشير عبدالحكيم عامر، الذى أكد له جاهزية كل شىء، فقال عبدالناصر لعبدالحكيم عامر: «نحضر الصحفيين لحضور التجربة حتى ينقل التجربة بشكل سليم قبل أن ينقلوها بشكل مشوه».    
مجلس قيادة الثورة   واعتمدت الصناعة الحربية فى مصر على العامل الفنى الذى كان له الدور الأساسى فى الصناعة الوطنية المميز، فكان العامل فى مصانع الإنتاج الحربى يتدرج من مساعد عامل إلى عامل ثم عامل فنى وعامل فنى ممتاز، وكان التقييم حينها دقيقا للغاية فى التدرج من مرتبة لأخرى.   فى حوار للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، مع جريدة المحرر اللبنانية، أكد أن إسرائيل تمارس ضده حربا قذرة، حيث أرسلت طردا به متفجرات تسبب فى مقتل 5 فنيين فى أحد المصانع الحربية المصرية فى مجال الصواريخ.   بينما أكد الكاتب الصحفى محمود مراد فى كتابه «الحرب الخفيةقصة العلماء الألمان فى مصر»، أن وزارة الخارجية الأمريكية طلبت من السفير فى القاهرة أن يحذر جمال عبدالناصر من المضى فى برنامج تطوير الصواريخ، ولكن بعد إعطاء التعليمات للسفير، عادت فى برقية عاجلة تطالبه بالتزام الحذر خشية أن تكون يقابل جمال عبدالناصر اللهجة الشديدة بإجراء حاد، مطالبة بأن يخاطبه بأن المضى قدما يدفع الأمور لمستويات أخطر، وحينما قرأ السفير التهديد الذى تحمله الرسالة خاف من مواجهة عبدالناصر، ولم يجد فى نفسه الجرأة لقولها، فقام بتسريب مضمونها لبعض المقربين من «ناصر». وقال محمود مراد: «كانت النصائح السوفييتية متواصلة لماذا تصنعون السلاح ونحن نقدمه لكم جاهزا»، واستطاعت مصر التعاقد مع علماء ألمان للبدء فى برنامج الصاروخ المصرى، وكانت الحرب الدعائية ضد مصر بأن العالم الألمانى وولفجانج بيلز نازيا، فماكان من عبدالناصر إلا أن رد عليهم بأن فون براون الألمانى المسؤول عن برنامج الصواريخ الأمريكى أكثر نازية، كما أن بيلز يهتم بعلمه فقط، فلماذا يتم الحديث فقط عن مصر».  
ناصر وعبد الحكيم عامر   وطبقا للمصادر الإسرائيلية فإنه فى هذا الوقت بالذات أصبحت عمليات اغتيال الشخصيات مشروعا عسكريا متكاملا، ووضعت قائمة طويلة عرفت باسم «البنك» توضع لاغتيال الشخصيات، وتم إرسال خمسين خطاب تهديد لهؤلاء العلماء، حيث بدأت شحنات الطرود الناسفة تنفجر ليس فقط فى العلماء الألمان فقط، فقد قتلت الرسائل الملغمة ستة علماء مصريين، وانفجرت إحدى الرسائل الملغمة فى سكرتيرة رئيس فريق العلماء الألمان، وأصابتها بجروح فى وجهها ويديها وأصيبت بالعمى الكلى ولم يصب الألمان يومذاك بأذى الرسائل الإسرائيلية الملغومة.   فى تصريحات من الدكتور محمد العصار، وزير الإنتاج الحربى، لـ«اليوم السابع»، أكد أن مصر فى مرحلة مهمة للغاية من التصنيع المشترك والتصنيع المحلى فى مجال المعدات والأسلحة العسكرية، وأن دور مصر تخطى بكثير مراحل سابقة من العمل، حيث تضاعف حجم الشراكة مع مؤسسات الدولة العامة والخاصة، وأيضا التعاون المشترك المتزايد مع الدول العربية والأجنبية، وأن نتائج ذلك ستظهر قريبا جدا فى منتجات مصرية على أرض مصرية وبأيادى وعقول مصرية.   وكشف العصار، أن مصر مقبلة على إنتاج معدة عسكرية ستكون مفاجأة للجميع، وستظهر للنور قريبا، متوقعا أن يكون ذلك خلال عام 2018، خلال معرض السلاح والصناعات الدفاعية «أيدكس 2018»، الذى يقام لأول مرة فى مصر خلال ديسمبر من العام الجارى.   ويؤكد العصار أن الوزارة تصنع دبابة إم وان آى وأن ودبابة النجدة ومركبات القتال المدرعة والمدفعيات بمختلف الأحجام والطبنجات والقنابل والسلاح الآلى ولنشات بحرية وكبارى عائمة، فضلا على إنتاج السلاح وتوفير قطع غياره، مشيرا إلى أن أول طلقة مصرية أنتجت فى مصنع 27 الحربى يوم 23 أكتوبر 1954 الذى اتخذ عيداً للإنتاج الحربى.    
ناصر ونيكيتا خروشوف فى افتتاح السد العالى   هكذا كانت تصريحات وزير الإنتاج الحربى، تؤكد أن مسار مصر فى التصنيع العسكرى، مازال مفتوحا أمام كثير من التطورات، ومتماشيا مع الإرادة الجادة للدولة المصرية، فى مختلف المجالات، خاصة أن لمصر استثمارات ضخمة فى الأسلحة والمعدات لعسكرية، حيث تعتبر الصناعة العسكرية فى مصر من أكبر قوى فى الشرق الأوسط، ويغطى الإنتاج جميع الاتجاهات، منها أسلحة المشاة الخفيفة، والذخائر، دبابات والصواريخ الجوية. وبالنسبة لصناعة الأسلحة المرخصة فإن مصر تتعاون مع عدد من دول العالم فى مجال التصنيع العسكرى وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنجلترا والصين وجنوب أفريقيا وفرنسا وبريطانيا وفنلندا وغيرها، لإنتاج دافع الدبابات ومدافع الهاوتزر، بالإضافة إلى تطوير وإنتاج قذائف الهاون المضادة للطائرات ومعدات الاتصالات وأنظمة مكافحة الحريق وإنتاج المعدات العسكرية والبصريات.  كتب وشهادات الإخوان تفضح أكاذيبهم ضد الزعيم   * زعموا أنه كان من الجماعة لكنه رد: لم أكن عضواً ولا أرضى بأن تحكم بلادى طائفة متعصبة   *سيد قطب فى «لماذا أعدمونى؟»: ناقشنا تدمير القناطر الخيرية واتفقنا على تدمير منشآت حيوية بالقاهرة   كتب - محمد إسماعيل     علاقة جماعة الإخوان بثورة يوليو بدأت عبر علاقتها بجمال عبدالناصر، وجاء هذا فى إطار سعى عبدالناصر كما قال هو لاحقا للتواصل مع جميع القوى السياسية المتواجدة على الساحة، فكون صداقات شخصية مع عدد من قيادات الجماعة بينهم حسن العشماوى، أحد أبرز قيادات الجماعة.   يبرز هنا السؤال الذى يتخذ جدلا إعلاميا لا يعبر عن قيمة تاريخية وهو: هل أقسم جمال عبدالناصر على السمع والطاعة لحسن البنا مؤسس الجماعة؟    الإجابة عن هذا السؤال تستدعى التفتيش فى مذكرات عدد ممن عايشوا هذه المرحلة، وأرخوا لها، وتستدعى قبل هذا إثبات حقيقة سبق ذكرها بأن عبدالناصر كان يحاول مد جسور التواصل مع القوى السياسية، التى كانت موجودة خلال هذه المرحلة.   الشهادة الأوثق، والأدق عن عن هذه الواقعة وردت فى مذكرات خالد محيى الدين «الآن أتكلم» - حيث يقول: «حاول حسن البنا أن يشدنا إلى الجماعة برباط وثيق، وتقرر ضمّنا أنا وجمال عبدالناصر إلى الجهاز السرى للجماعة ربما لأننا الأكثر فعالية وتأثيرا فى المجموعة، ومن ثم فإن كسبنا - بشكل نهائى - يعنى كسب المجموعة بأكملها وربما لأننا كنا نتحدث كثيرا عن الوطن والقضية الوطنية، ومن ثم فقد تصور حسن البنا أن ضمنا للجهاز السرى، حيث التدريب على السلاح والعمل المسلح يمكنه أن يرضى اندفاعنا الوطنى ويكفل ارتباطا وثيقا بالجماعة».    
ويضيف: «المهم اتصل بنا صلاح خليفة وأخذنا أنا وجمال عبدالناصر إلى بيت قديم فى حى الدرب الأحمر باتجاه السيدة زينب، وهناك قابلنا عبدالرحمن السندى، المسؤول الأول للجهاز السرى للإخوان فى ذلك الحين، وأدخلونا إلى غرفة مظلمة تمامًا واستمعنا إلى صوت أعتقد أنه صوت صالح عشماوى ووضعنا يدنا على مصحف ومسدس، ورددنا خلف هذا الصوت يمين الطاعة للمرشد العام فى المنشط والمكره «الخير والشر» وأعلنا بيعتنا التامة الكاملة والشاملة له على كتاب الله وسنة رسوله».   ويستكمل قائلا: «كانت الأحداث السياسية تتسارع وكشفت جماعة الإخوان عن وجهها السياسى وتصرفت كجماعة سياسية وتخلت عن دعاوى النقاء الدينى، ولما كانت بحاجة إلى صحيفة يومية وورق صحف فى ظل أزمة شديدة فى الورق تقاربت من إسماعيل صدقى وحصلت فى مقابل تقاربها هذا على ما أرادت من دعم».    ويضيف: «كذلك وقفت الجماعة ضد اللجنة الوطنية للطلبة والعمال وحاولت أن تشكل جماعة أخرى بالتعاون مع إسماعيل صدقى وبدأنا نحس أنهم مثل أى سياسيين آخرين يفضلون مصلحتهم ومصلحة جماعتهم على ما ينادون به من مبادئ وعلى مصلحة الوطن وتحادثت طويلا مع جمال عبدالناصر حول علاقتنا بالجماعة، وأفضى جمال لى بمخاوفه من أن الجماعة تستخدمنا كضباط لمصالحها الذاتية وليس لمصلحة الوطن، وأفضيت له بمشاعرى واتفقنا أننا قد تورطنا أكثر مما يجب مع هذه الجماعة وأنه يجب أن ننسحب منها».   ويتابع: «لكنه لا يمكن أن نقول إننا فى يوم كذا انسحبنا من الجماعة فقط أصبحت الشكوك تملؤنا وأصبحنا على غير وفاق وغير متحمسين وبدأنا نتباعد أنا وجمال وربما بدأت الجماعة هى أيضًا تستشعر أننا لا نمتلك الولاء الكافى فبدأت تتباعد عنا وتدريجيا وفى 1947 كانت علاقتنا، جمال وأنا، قد أصبحت باهتة تماما مع جماعة الإخوان».    وتتفق هذه الشهادة مع تلك التى أوردها محمد حامد أبو النصر المرشد الرابع لجماعة الإخوان فى كتابه «حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمون وعبدالناصر» مع اختلاف بعض التفاصيل، حيث كان قد ذكر أن جمال عبدالناصر وعددا آخر من قيادات الضباط الأحرار بينهم خالد محيى الدين قد جرى ضمهم لأسرة إخوانية من ضباط القوات المسلحة بقيادة عبدالمنعم عبدالرءوف، عضو مجلس قيادة الثورة الإخوانى، لكنه أكد معلومة أن البيعة تمت فى منزل صالح عشماوى. فى مقابل هذه الروايات فإن ما ورد على لسان جمال عبدالناصر نفسه فى أكثر من موضع كان ينفى عضويته داخل الإخوان، ومن ذلك ما ذكره لمندوب الصنداى تايمز عام 1962 حيث قال: «كانت لى اتصالات متعددة بالإخوان المسلمين؛ رغم أنى لم أكن قط عضوًا فى هذه الجماعة، وأحسست بقوة زعيمهم المرشد العام حسن البنا، وهنا أيضًا وجدت أمامى صعوبات دينية؛ فقد كان تصرف الإخوان المسلمين ضربًا من التعصب الدينى، وما كنت أرضى لا بإنكار عقيدتى ولا بأن تحكم بلادى طائفة متعصبة كنت واثقًا من أن التسامح الدينى لابد أن يكون ركنًا أساسيًا من أركان المجتمع الجديد، الذى كنت أرجو أن أراه قائمًا فى بلادى». واعترفوا بمحاولة اغتياله 1954 ولم يتم قطع أرزاقهم «القرضاوى» أعترف بمسؤولية «هنداوى دوير» عن حادث المنشية كان يعتقد أن رصاصة فى صدر عبدالناصر ستسقط النظام «حسن دوح» اعترف بتعيينه موظفا فى الحكومة بعد خروجه من السجن   «الحق هو ما شهد به الأعداء»، وكثير من شهادات قيادات الإخوان تكشف عن تورط الجماعة بالفعل فى الجرائم، التى نسبت إليها خلال عهد جمال عبدالناصر، وحوكموا بموجبها ووصلت العقوبات فى بعضها إلى حد الإعدام، وتأتى هذه الشهادات مناقضة للروايات، التى صدرتها الجماعة للرأى العام ودستها على التاريخ لأكثر من 50 عاما حتى صار البعض يرددها كما لو كانت حقائق واقعة.   بعض الوقائع فى عهد جمال عبدالناصر تحتاج إلى هذه النوعية من الشهادات، التى تكتسب أهميتها كونها صدرت عن أشخاص لهم مكانتهم داخل التنظيم، وليسوا محل شك من الإخوان أنفسهم، بل هم طوال الوقت محل تقدير وتوقير، كما أنهم عايشوا هذه الأحداث بأنفسهم وفى بعض الأحيان كانوا هم صناعها.   حادث المنشية  ظلت جماعة الإخوان لأكثر من 60 عامًا تصف حادث محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى 26 أكتوبر 1954 بميدان المنشية فى الإسكندرية بأنه مسرحية، من إعداد عبدالناصر نفسه حتى يتمكن من التنكيل بالجماعة وتعليق قياداتها على أعواد المشانق، أو الزج بهم على غيابات السجون، والغريب أن هذا التفسير على سذاجته وجد رواجا بين قطاعات من الشعب المصرى.    تأتى هنا مجموعة شهادات من داخل الإخوان على النقيض تمامًا من هذه الرواية، إحداها ليوسف القرضاوى، الذى تعتبره الجماعة أهم رموزها الدينية على الإطلاق منذ تأسيس الجماعة وحتى اليوم، فماذا قال القرضاوى عن حادث المنشية؟   وبعد فض اعتصام أنصار الإخوان ومحمد مرسى فى ميدان رابعة، حدث أن استضافت قناة الجزيرة القرضاوى فى لقاء كان عنوانه «هل الإخوان إرهابيون؟»، وحاول وقتها القرضاوى أن ينفى تهمة الإرهاب عن الجماعة مستعرضًا تاريخها، وكان من الطبيعى أن يتوقف أمام حادث المنشية فنفى فى البداية علاقة الجماعة به، ثم استدرك قائلا رأيه حول هذه الواقعة، فقال القرضاوى: «الذى أراه أن هذا الأمر مسؤول عنه هنداوى دوير ومجموعته وهم 4 أو 5 فقط».  
وأضاف: «أنا أعرف هنداوى دوير وجلست معه مرارًا، وهذا هو تفكيره أن النظام كله قائم على عبدالناصر وإذا زال عبدالناصر انتهى النظام، وأن عبدالناصر يحتاج إلى رصاصة يضربها شخص يجيد إطلاق الرصاص ووقتها ينتهى النظام ويسقط، ثم علق قائلا: «هذا تفكير هنداوى دوير وهو المسؤول عن هذا، أما الإخوان فليس لهم علاقة بهذا الأمر».   إعادة دمج الإخوان فى المجتمع  حسن دوح هو واحد من الإخوان القلائل، الذين امتلكوا شجاعة الاعتراف بأنه كتب رسائل تأييد لعبدالناصر حتى يتمكن من الخروج من السجن، بحسب ما ذكر فى كتابه 25 عاما مع الإخوان، إذ يشير إلى أنه ظل يكتب خطابات تأييد لعبدالناصر لنحو عام ونصف، ثم توسط له أحمد فراج طايع أول وزير خارجية لمصر بعد الثورة حتى خرج من السجن.   ويتحدث «دوح» عن حياته بعد السجن فيكشف أنه تم تعيينه فى الاتحاد القومى، التابع للحكومة براتب 30 جنيهًا من جنيهات تلك الأيام، رغم كونه إخوانيا خارجا من السجن ولم تجد الدولة أى غضاضة فى ذلك.   ويقول حسن دوح: «كان قرارى الأول هو العمل المفتوح للإسلام وكان قرارى الثانى الاندماج ما أمكن فى تجمعات الحكومة السياسية كالاتحاد الاشتراكى والاتحاد القومى، ولكن هذه القرارات لم يكن من السهل تنفيذها ولقد صدمت من أول الطريق بالأجهزة الخلفية وكانت القصة كالآتى: فبحكم صلتى السابقة والقديمة بكمال الدين حسين طلبت منه أن يلحقنى بوظيفة فى شركة أو مؤسسة من المؤسسات، التى كان يرأسها ولكن الرجل لم يجبنى إلى طلبى وظللت ستة أشهر لا أجد عملا ومع أننى كنت قد افتتحت مكتبا للمحاماة إلا أن الزبائن كانوا يفرون من مجرد الاقتراب من باب المكتب فأعدت الكرة على كمال الدين حسين، الذى أخبرنى عن طريق مدير مكتبه أنه عيننى فى وظيفة قانونية بالاتحاد القومى بثلاثين جنيهًا فترددت فى قبول الوظيفة إلا أننى قبلتها».   فيما بعد التحق حسن دوح بجريدة أخبار اليوم، وعمل إلى جوار خالد محيى الدين، وحتى بعد أن تعرض للسجن للمرة الثانية فى 1965 خرج ووجد وظيفته فى أخبار اليوم كما هى، وما حدث معه حدث مع كثيرين غيره، وبالتالى فإن حديث الإخوان عن قطع أرزاقهم فى عهد عبدالناصر هو غير دقيق ويتناقض مع كثير من الوقائع.    تنظيم 1965  من بين كثير مما كُتِب عن سيد قطب، تكتسب الوثيقة المسماة بـ«لماذا أعدمونى؟» أهمية خاصة، فهى تنسب إلى قطب نفسه، رغم أن عددًا قليلاً من قيادات الإخوان شكك فى صحة نسبتها إليه، لكن أسرته الأكثر علمًا بمؤلفاته سمحت بتداول هذا الكتاب ولم تعترض على إعادة طبعه أكثر من مرة، مما يقطع بصحة أن كل ما ورد فيها خطه قطب بيده.    وكما تشير مقدمة الكتاب، فإن هذه الوثيقة هى الإفادة التى قدمها سيد قطب للمحققين فى قضية تنظيم 1965 التى انتهت أحكام القضاء فيها إلى إعدامه، وهذا مما يضاعف من أهميتها، لكن ما يضعها دائمًا فى بؤرة الضوء ويجعلها جديرة بالقراءة اليوم أنها تقطع الصلة بحقيقة اعتقاده بضرورة اللجوء إلى العنف فى مواجهة السلطة، وسعيه بالفعل إلى تكوين خلايا مسلحة تتصدى للدولة، ولا مانع لديه من تدمير المنشآت والمصالح الحيوية «لشل حركة الأجهزة الحكومية عن متابعة الجماعة» –كما ورد نصًا فى الكتاب - وهو سياق لا يختلف عن محاولات التنظيمات المسلحة المنسوبة للإخوان اليوم لتدمير أبراج الكهرباء وغيرها من المرافق المهمة.  

ويتحدث قطب عن بعض المناقشات، التى جرت بينه وبين أفراد تنظيم 1965 فيقول: «كنا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة كوسيلة لتغيير نظام الحكم أو إقامة النظام الإسلامى، وفى الوقت نفسه قررنا استخدامها فى حالة الاعتداء على هذا التنظيم، الذى سيسير على منهج تعليم العقيدة وتربية الخلق وإنشاء قاعدة للإسلام فى المجتمع وكان معنى ذلك البحث فى موضوع تدريب المجموعات، التى تقوم برد الاعتداء وحماية التنظيم منه، وموضوع الأسلحة اللازمة لهذا الغرض، وموضوع المال اللازم كذلك.   واعترف سيد قطب فى هذه الوثيقة، بأن مناقشات جرت بين أفراد مجموعة تنظيم 1965، تطرقت إلى فكرة تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكبارى كعملية تعويق، وأنهم استبعدوا الفكرة، وتم الاتفاق على تدمير بعض المنشآت فى القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية ويقول: «وكانت تعليماتى لهم ألا يقدموا على أى شىء، إلا إذا كانت لديهم الإمكانات الواسعة».     الزعيم والقديس عبدالناصر والبابا كيرلس جمعتهما الصداقة وحب الوطن فتخلى كل منهما عن البروتوكول وتقابلا فى المنزل كصديقين «جمال» أهدى الأقباط كاتدرائية العباسية فودعه البابا برثاء لا ينساه التاريخ   كتبت سارة علام     تحتفل الكنيسة باليوبيل الذهبى لكاتدرائية العباسية، هذا البناء الضخم الذى مر عليه خمسون عاما، ويحتضن بين جنباته التاريخ كما ترتفع فيه الأكف للصلاة. خمسون عامًا مرت على بناء الكاتدرائية، التى كانت كتب التاريخ تلقبها بكاتدرائية عبدالناصر، حيث تبرع لبنائها سخيا ومرحبًا.   وكان الأنبا كيرلس السادس، رجلًا فريدًا يلقبه الأقباط برجل الصلاة، راهبًا يرتدى عباءته السوداء، ويطلق شاله فوق رأسه، دون أى بهرجة تليق ببابا الكنيسة الكبيرة، ولكنه ككل الزهاد كان لا يطلب من الدنيا شيئًا.   ويروى محمد حسنين هيكل فى كتابه «خريف الغضب» قطوفا من العلاقة بين الزعيم والبابا، قائلا: «كانت العلاقات بين جمال عبدالناصر وكيرلس السادس علاقات ممتازة، وكان بينهما إعجاب متبادل، وكان معروفا أن البطريرك يستطيع مقابلة عبدالناصر فى أى وقت يشاء، وكان كيرلس حريصا على تجنب المشاكل، وقد استفاد كثيرا من علاقته الخاصة بعبدالناصر فى حل مشاكل عديدة».    أما الكاتدرائية، فقد كان مقدرًا لها أن تبنى فى هذا المكان، مهما عطلت إرادة البشر ذلك،، حيث كانت أرض الأنبا رويس بالعباسية مقرًا لمدافن الأقباط، وأرادت الدولة أن تستردها وتبنى فوقها مدرسة ثانوية رغم أن الكنيسة بنت فوقها بالفعل كنيسة الأنبا رويس الأثرية التى مازالت قائمة حتى اليوم، إلا أن الراهب مكاريوس السريانى رأى مقاولًا بدأ فى وضع مواد بنائه فى الأرض.   تمنى البابا كيرلس أن يبنى كاتدرائية تليق باسم القديس مارمرقس حامل بشارة المسيحية إلى مصر.   وأوضح هيكل فى كتابه الشهير «خريف الغضب»: «كانت هناك مشكلة أخرى واجهت البطريرك كيرلس السادس، فقد كان تواقا إلى بناء كاتدرائية جديدة تليق بمكانة الكنيسة القبطية، كان بناء كاتدرائية جديدة مشروعا محببا إلى قلب البطريرك، لكنه لم يكن يريد أن يلجأ إلى موارد من خارج مصر يبنى بها الكاتدرائية الجديدة، وفى نفس الوقت فإن موارد التبرعات المحتملة من داخل مصر كانت قليلة، لأن القرارات الاشتراكية أثرت على أغنياء الأقباط، كما أثرت على أغنياء المسلمين، ممن كانوا فى العادة قادرين على إعانة الكنيسة بتبرعاتهم، إلى جانب أن المهاجرين الأقباط الجدد لم يكونوا بعد فى موقف يسمح لهم بمد يد المساعدة السخية، ثم إن أوقاف الأديرة القبطية أثرت فيها قوانين إلغاء الأوقاف، وهكذا وجد البطريرك نفسه فى مأزق، ولم ير مناسبا أن يفاتح جمال عبدالناصر مباشرة فى مسألة بناء الكاتدرائية، فلقد تصور فى الموضوع أسبابا للحرج».  
 وأضاف هيكل فى كتابه: «وهكذا فقد تلقيت شخصيا دعوة من البطريرك لزيارته وذهبت فعلاً للقائه بصحبة الأنبا صموئيل الذى كان أسقفا بدار البطريركية، وفى هذا اللقاء حدثنى البطريرك عن المشكلة وأظهر تحرجه من مفاتحة جمال عبدالناصر مباشرة فى الأمر حتى لا يكون سببا فى إثارة أى حساسيات، ثم سألنى ما إذا كنت أستطيع مفاتحة الرئيس فى الموضوع دون حرج للبطريرك ولا حرج على الرئيس نفسه».   يواصل هيكل قصة بناء الكاتدرائية فى كتابه قائلا: «وعندما تحدثت مع الرئيس عبدالناصر فى هذا الموضوع كان تفهمه كاملاً، وكان يرى أهمية وحقوق أقباط مصر فى التركيب الإنسانى والاجتماعى لشعبها الواحد، ثم إنه كان يدرك المركز الممتاز للكنيسة القبطية ودورها الأساسى فى التاريخ المصرى، ثم إنه كان واعيا بمحاولات الاستقطاب التى نشط لها مجلس الكنائس العالمى، وهكذا فإنه قرر على الفور أن تساهم الدولة بنصف مليون جنيه فى بناء الكاتدرائية الجديدة، نصفها يدفع نقدا ونصفها الآخر يقدم عينا بواسطة شركات المقاولات التابعة للقطاع العام والتى يمكن أن يعهد إليها بعملية البناء».   وتابع هيكل: «وطلب الرئيس إبلاغ البطريرك بقراره، وكان الرجل شديد السعادة عندما قمت بإبلاغه إلى درجة أنه طلب إلى اثنين من الأساقفة أحدهما الأنبا صموئيل أن يقيما قداسا فى بيتى، وكان بالغ الرقة حين قال: إن بركات الرب تشمل الكل أقباطا ومسلمين».    أما الراهب أفامينا فيقص رواية أخرى عن تلك الكاتدرائية، ويؤكد أن أبناء عبدالناصر تبرعوا بمدخراتهم للأنبا كيرلس لبناء تلك الكاتدرائية، لأن الرئيس أراد أن يعلمهم ذلك، وقد تلقى البابا تلك التبرعات فى منزل الرئيس بسعادة بالغة.   وأضاف الراهب أفامينا، أنه فى حفل افتتاح الكاتدرائية، كان الرئيس عبدالناصر يشعر بآلام فى ساقه، ولاحظ البابا كيرلس ذلك، فمال على أذن الرئيس وسأله لماذا لم تطلب منا أن نؤجل حفل الافتتاح؟».   ورد الرئيس جمال عبدالناصر: «لا أنا مسرور هكذا».   وحضر الرئيس جمال عبدالناصر حفل افتتاح الكاتدرائية، ودعا له إمبراطور الحبشة هيلاسيلاسى، حيث كان الرئيس يؤمن بأن امتداد الكنيسة المصرية فى أفريقيا وإشرافها على الكنيسة الإثيوبية يعزز من البعد الأفريقى لمصر الذى تحدث عنه عبدالناصر فى كتابه فلسفة الثورة.   وشارك إمبراطور إثيوبيا البابا الرئيس عبدالناصر فى إزاحة الستار عن اللوح التذكارى لبناء الكاتدرائية.   وذكر البابا شنودة الثالث مواقف عبدالناصر، قائلا: «لا ننسى أن الرئيس جمال عبدالناصر أعطى تصريحا لبناء الكاتدرائية الكبرى، وحضر حفل وضع الأساس فيها، ثم حضر حفل افتتاحها وألقى كلمة طيبة جدا وتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه فى 1967، وكان المبلغ أيامها كبيرا، وكلف الرئيس عبدالناصر إحدى شركات القطاع العام بأن تقوم بعمليات بناء الكنيسة الكبرى».   وفى لقاء من اللقاءات العديدة التى تمت بين البابا والرئيس فى سنة 1959 قال البابا: «إنى بعون الرب سأعمل على تعليم أبنائى معرفة الرب وحب الوطن ومعنى الأخوة الحق، ليشب أبناء الوطن وحدة قوية لديها الإيمان بالرب والحب للوطن»، الأمر الذى لاقى إعجاب عبدالناصر الذى كان محبًا لوطنية البابا.    يذكر التاريخ، أن البابا كيرلس أول من أمر الأقباط بمقاطعة زيارة القدس فور وقوع أراضيها فى قبضة الاحتلال الإسرائيلى عام 1967، وبعدها بثلاثة أعوام سيكون على البابا كيرلس أن يودع الرئيس الذى أحبه باكيًا فيقول: «إن النبأ الأليم هز مشاعرنا ومشاعر الناس فى الشرق والغرب بصورة لم يسبق لها مثيل، ونحن لا نصدق أن هذا الرجل الذى تجسدت فيه آمال المصريين وكل العرب يمكن أن يموت، إن جمال لم يمت ولن يموت، إنه صنع فى مدى عشرين سنة من تاريخنا ما لم يصنعه أحد من قبله فى قرون، وسيظل تاريخ مصر وتاريخ الأمة العربية إلى عشرات الأجيال مرتبطا باسم البطل المناضل الشجاع الذى أجبر الأعداء قبل الأصدقاء على أن يحترموه ويهابوه ويشهدوا بأنه الزعيم الذى لا يملك أن ينكر عليه عظمته وحكمته وبعد نظره وسماحته ومحبته وقوة إيمانه بمبادئ الحق والعدل والسلام.»   وأضاف البابا كيرلس، فى كلمته عن وفاة ناصر، قائلا: «إن الأسى فى قلوبنا أعمق من كل كلام يقال، ولكن إيماننا بالخلود وإيماننا بالمبادئ السامية التى عاش جمال عبدالناصر من أجلها وبذل عنها دمه وأعصابه وحياته إلى آخر رمق فيها يملأ قلبنا بالرجاء، إننا نشيعه إلى عالم الخلود محفوظاً بالكرامة التى تليق باسمه العظيم وعزاء الأمة كلها ولأمة العرب بأسرها، بل عزاء للعالم فى رجل من أعظم الرجال الذين عرفتهم البشرية فى كل عصورها».   كانت كلمات رثاء البابا كيرلس فى وداع عبدالناصر، أكبر من كل ما صكه الناصريون من بعده من مدائح تتغنى بحبه، وأعمق من كل ما كتبه الدراويش الذين سحرهم الزعيم بتلك السيرة الممتدة والكاريزما الهائلة والتاريخ الذى لا يمل من تكرار سيرته، حتى إن الكنيسة أعادت نشر صورته مع البابا كيرلس حين أهداها الرئيس عبدالفتاح السيسى كاتدرائية جديدة، وكأن الحاضر امتداد لما تركه عبدالناصر بعطائه الهائل ورؤيته الثاقبة.