2024-04-20 03:11 م

هكذا «اجهض» المخطط السعودي «للفوضى» في لبنان...

2018-01-05
ابراهيم ناصرالدين
في الوقت الذي وصلت فيه «رسائل» الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى من يعينهم الامر في الداخل والخارج، وفيما تم الاتفاق داخليا على اتاحة الفرصة لرئيس الحكومة سعد الحريري بإيجاد مخرج لأزمة «المرسوم» بين الرئاستين الاولى والثانية، تعود الى الواجهة من جديد تقاصيل ما كان يخطط للبنان في الاشهر القليلة الماضية في ظل معطى جديد تمثل بإقرار العميل محمد الضابط بتكليفه من قبل «الموساد»  اغتيال النائبة بهية الحريري بعيد احتجاز رئيس الحكومة في السعودية، بعد ساعات على اعلان السيد نصرالله ان ما كانت تعد له السعودية للساحة اللبنانية هو فوضى تؤدي الى حرب اهلية...
ما لم يشرح تفاصيله السيد نصرالله، تكشف عنه مصادر وثيقة الصلة بهذه التطورات، وهي تشير الى انها سمعت قبيل الازمة كلاما خطيرا من ديبلوماسي غربي في بيروت، ذكّرها من خارج السياق بما حصل في 2004/4/14 حين اخبر رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك ارييل شارون الرئيس الاميركي جورج بوش بأنه لم يعد ملزما اكثر بالوعد الذي قطعه له في العام2001 بعدم المس بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات جسديا، فرد عليه بوش قائلا من الافضل ان نترك مصير الرجل في يد الله، فقال له شارون «رب السماء» يحتاج في بعض الوقت الى مساعدة... هذا الكلام التحذيري جاء على خلفية اطلاع هذا الديبلوماسي على اجواء شديدة التوتر تسود في السعودية ازاء التطورات في لبنان، وقال لمحدثه يوم ذاك هؤلاء «المجانين» لا اعرف ماذا يخططون؟

 اسباب «التوتر» السعودي


وفي شرحها لاسباب «التوتر» السعودي، تقول تلك الاوساط ان القيادة السعودية كانت قد اتخذت قراراً بإحداث تغيير في لبنان قبل عدة اشهر من «احتجاز» الحريري وكانت تعول على ثلاثة بؤر اثنتان جاهزتان للتحرك، وواحدة منها كامنة، مستعدة للالتحاق في الفوضى في وقت لاحق... ووفقا للسيناريوهات المفترضة كان التعويل بشكل اساسي على خاصرة لبنان الرخوة على الحدود الشرقية، وكان المخطط المفترض يقضي بتحرك تلك الجبهة بشكل متواز من قبل «داعش» «والنصرة» باتجاه العمق اللبناني لارباك حزب الله في عمق خزانه «البشري» في البقاع، وكان التعويل هنا على نحو اساسي على «ثغرة» المخيمات المنتشرة على نقاط التماس في الجرود وعلى كتلة لبنانية وازنة كان يفترض ان تتحرك انطلاقا من بلدة عرسال باتجاه الجوار، لكن ما اربك حسابات «الخطة» لاحقا الخلاف مع قطر الذي ادى الى انقطاع في التنسيق والتواصل الميداني، بعد تراجع الدوحة عن المساهمة في اي تحرك عبر مجموعات «النصرة» المرتبطة بها ماليا واستخباراتيا...
هذه الانتكاسة حاولت الولايات المتحدة تداركها من خلال محاولة فصل الخلاف السياسي الخليجي عن الوقائع الميدانية، ولكن جهودها لم تنجح، ولذلك تدخلت بشكل فظ وغير ديبلوماسي لمنع اتخاذ الحكومة اللبنانية قراراً بالحسم في الجرود، فكان التدخل لتأجيل المعركة نحو عام لعدم خسارة هذه، «الورقة» المركزية التي بدونها ثمة مخاطر كثيرة بأن يفشل السيناريو المعد... ووفقا لتلك الاوساط فان السفارة الاميركية في بيروت فوجئت بالتدخل المباشر من قبل البيت الابيض المدعوم من قبل الاستخبارات المركزية «السي اي ايه» ، على الرغم من ان الخارجية والبنتاغون لم يكونا على اطلاع على اسباب التأجيل، لكن ما بينته المعلومات في وقت لاحق ان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان قد تفاهم على استخدام هذه «الورقة» مع صهر الرئيس الاميركي جاريد كوشنر، في سياق سيناريو متكامل لتقليم «اظافر» اذرع ايران في لبنان...

 تحرك سريع... ومعطيات «منقوصة» 


طبعا حزب الله لم يكن مطلعا على خلفيات هذا السيناريو كونه جزءاً من عملية انقلابية ستجري في بيروت لاحقا، لكن ما تقاطع لديه من معلومات كان يشير الى ان شيئاً ما بدأ يتحضر على الجبهة الشرقية بالتوازي مع تحركات مريبة في مخيم عين الحلوة، حيث ازداد تحرك مجموعات «فتحاوية» محسوبة على القيادي محمد دحلان الذي ترعاه الاستخبارات الاماراتية ويؤدي دوراً مهما في التنسيق مع الاستخبارات السعودية والاميركية... هذا السيناريو المقلق كانت تنقصه «قطعة» «البازل» المتعلقة بمسألة كيفية ادخال البلاد في الفوضى لكي تستفيد تلك المجوعات من تحركها...
وكان السيناريو المفترض بطبيعة الحال هو العودة الى مسلسل الاغتيالات الذي يعد المفتاح الرئيسي لاطلاق شرارة العنف في البلاد... او «الطلب» الى الرئيس سعد الحريري الاستقالة، وهو امر لم تكن تشير اليه المعطيات بفعل الاتصالات المباشرة «وبالواسطة» مع رئيس الحكومة الذي كان حاسما بتمسكه بمعادلة «ربط النزاع»، وهو ما طمأن اليه ايضا رئيس الجمهورية ميشال عون الذي شجع حزب الله ودعمه في قراره بضرورة الحسم في الجرود، واكد انه سيسعى الى تأمين التغطية السياسية اللازمة للجيش لحماية الانجاز والمشاركة بالقدر الذي يراه مناسبا سياسيا وميدانيا، فحددت ساعة الصفر وانطلقت المواجهة في جرود عرسال...

 الحسم السريع في الجرود


 وجاء الحسم السريع مفاجئا للسعوديين والاميركيين الذين ظنوا للوهلة الاولى ان الحزب قدم لهم خدمة جليلة من خلال جر «جبهة النصرة» الى مواجهة كانت تتمنع عنها بقرار قطري، وراهنوا على معركة طويلة تستنزف الحزب لوقت طويل يسمح لهم بإطلاق العنان لخطة «الانقلاب» في بيروت، لكن المفاجأة كانت في سرعة الحسم والانتقال الى الاستعداد اللوجستي للانقضاض على «داعش» فيما تبقى من جرود، وكانت ملاقاة رئيس الجمهورية للحزب عبر اتخاذ القرار باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة بدخول الجيش في معركة حسم جرود راس بعلبك والقاع... هنا برز الارباك الاميركي، فزيادة الضغط على الجيش والدولة اللبنانية لمنع التدخل يعني تفرد حزب الله «بالانتصار»، والسماح بالحسم يعني انهيار جزء مهم من السيناريو الموضوع، وبعد رفض الرئيس عون للضغوط لجأ الاميركيون الى السعودية لاقناع الرئيس الحريري بعرقلة الامر، لكن المفاجئة كانت برفض رئيس الحكومة التراجع عما اتفق عليه مع رئيس الجمهورية «المصّر» على الحسم، وهنا كانت، في رأي تلك الاوساط، نقطة التحول في تعامل السعوديين مع الرئيس الحريري، الذي تجاوز في رأيهم «الخطوط الحمراء» المقبولة بعد قراره تغطية معركة حزب الله في توقيت خاطىء ادى الى «تبعثر اوراقهم» وعرقلة خططهم.

 تطويق الحالة «الدحلانية» 


في هذا الوقت، كانت الاجراءات تجري على قدم وساق لتطويق «الحالة الدحلانية» في مخيم عين الحلوة، وتم عزلها بالتعاون مع حركة فتح والفصائل الفلسطينية الاخرى، واذا كانت تلك الاوساط تتكتم على ماهية تلك الاجراءات، فإنها تؤكد انه بعد هزيمة الجرود تم فتح عن سابق تصور وتصميم «قناة» تواصل امنية من قبل الاجهزة اللبنانية المختصة لتفريغ المخيم من العناصر الارهابية الخطرة بعد اقناعهم انهم وصلوا الى حائط مسدود، وكان لخروج قطر من «المعادلة» دور كبير في الاخلاء بسبب «مونتها» على معظم تلك العناصر التي تتوجه تباعا الى ادلب...
في هذا الوقت، ادرك السعوديون بعد كل هذه التطورات انه لم يعد بالامكان الانتظار كثيرا في ظل السقوط المتتالي لعناصر قوتهم على الساحة اللبنانية، فتم استدعاء قيادات 14 آذار تباعا، وكان الغضب من الرئيس الحريري قد بلغ ذروته بعد رفضه الخروج من «التسوية». وعلى ذمة تلك المصادر، وحده رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع ابدى استعداده لمواكبة «الفوضى»، ولكن في وقت لاحق، وابلغ السعوديين انه لا يمكنه ان يبقى مكتوف الايدي اذا ما «فرطت الامور»، وهو سيكون مستعدا للتحرك، لكن بقي سؤاله الملح: ماذا عن الرئيس الحريري؟ 

 «الارتجال»... والفشل


بحسب تلك الاوساط، كان «الارتجال» هو سيد الموقف في هذه المرحلة، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يتسلم من وزير شؤون الخليج تامر السبهان اي تقرير «ذي قيمة»، وكان مستعجلا لتحقيق «انتصار» على ايران بعد «سلسلة» من «النكسات»، كانت الخسائر تتراكم على الساحة اللبنانية، لم يعد من حل متاح لإجبار الحريري على الاستقالة، لكن كان السؤال كيف؟ فاتخذ القرار بـ«تأديبه»، حصل على تغطية من البيت الابيض لاتخاذ اجراء بحقه، على ان تأخذ الفوضى مجراها في بيروت بعد «مبايعة» بهاء، لكن التعامل على الساحة اللبنانية جاء مخالفا للتوقعات، وبعد ساعات من موقف الرئيس عون «المتريث»، وصلت برقية امنية فرنسية مفادها « اذا لم تتداركوا الوضع على نحو سريع فان «الاحتمالات مفتوحة على مفاجآت غير سارة»... تصاعدت الضغوط الدولية والاقليمية، جاء موقف حزب الله وموقف آل الحريري وتيار «المستقبل» متناغما، «ورقة» مخيم عين الحلوة جرى تطويقها، جرت محاولة اقناع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بدخول حركة فتح في مواجهة حزب الله، فرفض، وتعمد ابلاغ الجهات اللبنانية بالامر، الحاجة الى دماء دفع «الموساد» الى تحريك خلية صيدا لاغتيال النائبة بهية الحريري، وسقط المخطط... وانتهت «القصة» بتدخل فرنسي منسق مع الخارجية الاميركية لإنزال السعودية عن «الشجرة» بعد انهيار «مشروعها» وهكذا كان...

 ازمة المرسوم 
على صعيد آخر تراوح «ازمة المرسوم» بين الرئاستين الاولى والثانية مكانها، والجديد في هذا الملف «تهدئة» اعلامية للسماح لرئيس الحكومة سعد الحريري بإيجاد المخرج المناسب، في ظل ترجيحات بترك  مجلس الشورى يحسم الموقف وبعدها «يبنى على الشيء مقتضاه». وفي هذا السياق التقى الرئيس ميشال عون رئيس الحكومة مرتين قبل جلسة مجلس الوزراء وبعدها، وقال «ان البحث تناول عدة مواضيع، منها معالجة موضوع المراسيم وهناك جهد يبذل في هذا الإطار. وكان مجلس الوزراء قد وافق في جلسته الاولى لهذا العام على تخصيص اعتماد بقيمة خمسين مليار ليرة لوزارة الداخلية لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة، وأقر جدول اعماله. وطلب عون من الوزارات المختصة والمعنيين مواكبة التحضيرات وتقديم الطروحات اللازمة لمؤتمر روما الخاص بدعم الجيش والقوى الامنية ومؤتمر باريس، وشدد على أن «ليس هناك أي مؤسسة اعلامية مستهدفة حتى يقال إن الحريات الاعلامية في خطر، وكل ما في الأمر أن القضاء تحرك للتحقيق في قضية معينة ولا يتعدى الأمر ذلك...
الديار اللبنانية