2024-04-18 05:16 م

اعتراف ترامب بالقدس الطريق نحو تصفية القضية الفلسطينية

2017-12-09
بقلم: عبدالحميد الهمشري* 
ما أقدم عليه ترامب بالاعتراف في القدس عاصمة للدولة العبرية وإصداره الأوامر لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها ، سابقة خطيرة لم يجرؤ على الإقدام عليها سوى هذا الرجل المقامر والسمسار ، لأنه لا يعلم مكانة هذه المدينة المقدسة لدى الشعب العربي في كل أقطاره ولا المسلمين ، ولم يدرك مخاطر ما أقدم عليه وما يتهدد السلم العالمي جراء تصرفه غير المسؤول هذا .. من الممكن انفجار الأوضاه وخروجها عن السيطرة حتى وإن كانت ظروف ما تعيشه المنطقة تخدم توجهاته بفعل الغزل من بعض الرسميين العرب في الكيان الصهيوني لرغبة لديهم في التحالف معه أي العدو الصهيوني وتناسوا مطامعه في خيبر وما وراء خيبر .. خاصة وأننا نعيش في الزمن العربي الرديء والذي أسهم في تجرؤ ترامب على ما فعل ومن قبله شارون فنتنياهو من أفعالٍ ينبو عنها العقل ويرفضها كل من لديه ذرة من ضمير حي ، وأمام هذا الواقع المرير أود الكشف هنا عن حقيقة الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لما ياتعلق في قضايا المنطقة وبالأخص القضية الفلسطينية التي كانت ومنذ العام 1948 تعتبر قضية العرب الأولى ، فمعروف عن الولايات المتحدة أنها راعية الصهيونية وهادرة الحق الفلسطيني وداعمة الإرهاب العالمي .. فإنني أود أن تناول استراتيجيتها الشرق أوسطية ، واضعاً فيها هنا النقاط على الحروف حتى لا يعول كثيراً على هذه الدولة المنحازة بالكامل من حقد عنصري للكيان الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية . فالمتتبع والباحث في الاستراتيجية الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط عموماً وفلسطين خصوصاً يرى أنها تنطلق من مبادئ ثلاثة أولاها اتخاذ القرار المناسب الذي يخدم مصالحها بعد دراسة مستفيضة وبحث متأنٍ وتجربة لجميع الخيارات والبدائل قبل فعل أي شيء بالنسبة للقضايا التي تهمها بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية ، وهذا ما أثنى عليه رئيس الوزراء البريطاني في الحرب العالمية الثانية الغني عن التعريف ونستون تشرشل حيث قال بهذا الشأن: «الأمركيون يفعلون الشيء الصحيح بعد تجريب كل البدائل الأخرى «.وثانيها يتمثل في الاعتماد على دور المؤسسات الأمنية والاستخبارية ومراكز الفكر التي ترعاها القوة العسكرية فيما لو كانت هناك مخاطر على دور تلك المؤسسات ، بطبيعة الحال ما تقوم به تلك المؤسسات تهدف أولاً وأخيراً على خدمة المصالح الأمريكية دون مصالح دول المنطقة ، وبدون أدنى شك جميع رؤساء أمريكا يسيرون على هذا النهج . وثالثها حماية مصالح الحركة الصهيونية المتمثلة في الكيان العبري في فلسطين والحرص على أن تكون هذه الحركة ذات دور مؤثر في أحداث دول المنطقة عموماً وهذا ينطلق من مفهوم عنصري بحت داعم للكيان الصهيوني الغاصب للأرض الفلسطينية ، كون المنطقة العربية فيها من المقومات ما يمكنها فيما لو أدارت شؤونها بنفسها أن يكون لها دور مؤثر في السياسة الدولية من مختلف النواحي الاقتصادية والثقافية والأمنية وحتى القوة العسكرية والسياسية ، وهذا يجعلها تقف هذه المواقف لكبح جماح أي كيان عربي ومنعه من السير في ركب الحضارة والتطور والنمو الاقتصادي مثلما فعلت في مصر عبدالناصر وعراق صدام حسين لأنه من الممكن أن هذا يعرقل سطوتها ويمنع من استمرارها في نهب ثروات المنطقة دون رقيب أو حسيب ، لهذا تحرص كذلك على رعاية الفساد في العالمين العربي والإسلامي .. والأنكى من ذلك أن الولايات المتحدة ليس لديها وفاء لمن ينفذون أجندتها ممن يمسكون بزمام الأمور في أي دولة ، فمن السهولة عليها التخلي عن أي واحد منهم فيما لو تعرض لظروف صعبة داخلية في بلده تسهم هي ذاتها في غالب الأحيان واهتزت صورته فيها وفقد ولاء شعبه كما حصل مع شاه إيران والسادات ومبارك وزين العابدين بن علي وغيرهم الكثير . فالثابت لدى واشنطن أنها تتبع نهجاً يقوم على وجوب المحافظة على مصالحها والمصالح الصهيونية أولاً وآخراً والتعامل مع من يستطيع الالتزام بها والميكافيلية هي التي تحكمها في ذلك دون أي اعتبارات أخلاقية، إلى جانب الحفاظ على المصالح الصهيونية في الشرق الأوسط والمقدمة حتى ليس فقط على مصالح كل أصدقاء أمريكا بل حتى على مصالح واشنطن ذاتها . والأخطر في السياسة الأميركية تجاه دول الشرق الأوسط أنها تحاول دائماً الإمساك بكافة خيوط اللعبة مع كافة الأطراف المتصارعة ، وهي في الوقت الذي تتعامل فيه مع الحكومات والأنظمة الشرعية التي تعتبرها صديقة لها فإنها في المقابل تتعامل مع جماعات خارجة يطلق عليها تنظيمات الإسلام السياسي أو ترعى جماعات تمارس الإرهاب في المنطقة كما هو الحال مع القاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات التي تتخذ من الإرهاب نهجاً تمارسه في سبيل زعزعة استقرار دول الشرق الأوسط وتدمير بناه التحتية ، ولا ترى واشنطن غضاضة في ذلك، بل تعتبره إحدى أدواتها السياسية التقليدية التي تجيد فيها إدارة المتناقضات وتتعامل مع الشيء وضده، ، بطبيعة الحال فإن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تعمل من خلال ذلك على تكريس التبعية لواشنطن، وخلق بيئة سياسية غير مستقرة، مع بث النعرات الطائفية، والحروب الأهلية ، والصراعات الإقليمية على أسس عرقية أو قومية أو مذهبية ، واستخدام التطرف كورقة تلعب بها في الوقت المناسب وبتكتيك استخباراتي دقيق.. والأهداف الأمريكية المرسومة من وراء ذلك ينطلق من حرصها على عدم وجود زعامات قوية في المنطقة العربية ، وهدم أي زعامة عربية قد تكون وفق تقديراتها تقف حجر عثرة في وجه مصالحها ومصالح الكيان العبري المصطنع في فلسطين قلب الأمة العربية النابض ، لأنها ترى في الزعامات العربية القوية معرقلاً للمخططات الأميركية وخطراً يتهدد الكيان العبري. كما أن واشنطن تعمل على زيادة حدة الصراع المسلح بين الجماعات الإسلامية المختلفة، وتسلحها سرًا حتى تصفي تلك الجماعات بعضها البعض، وتظل في حالة حرب دائمة بما يوفر على أمريكا تكلفة وتبعات الحرب المباشرة على هذه الجماعات، وبما يشوه صورة الإسلام. والهدف من وراء ذلك إضعاف القدرات العسكرية للدول العربية وفكفكة المجتمع العربي للحيلولة دون تمكنها من امتلاك قدرات قتالية عالية أو أسلحة متطورة، معتمدة على القدرات الاستخباراتية دون القوة العسكرية المباشرة لها . وتسعى كذلك لإيقاف الاستثمار في مجال النفط مرتفع التكاليف، وإلى عدم التوسع في استخراج النفط الصخري، والاعتماد على النفط الخليجي والعربي المنخفض القيمة والتكاليف في استخراجه، بعد أن تدفع بانخفاض أسعاره إلى مستويات متدنية مع محاولة إغراق سوق النفط بالكثير من المعروض، مما يترتب عليه انخفاض مداخيل الدول النفطية الخليجية منها خاصة والعربية عامة ، وبما يترتب عليه تقليل الإنفاق في هذه الدول وتقليص حجم الموازنات الخليجية بصفة خاصة، وإيجاد حالة من الركود الاقتصادي وتعطيل المشاريع التنموية ومن ثم إضعاف هذه الدول. أما فيما يتعلق بترتيب الأوضاع الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة تسعى للتوصل إلى حالات من الوفاق السري غير المعلن مع بعض الأطراف التي تجاهر بالعداء معها بغرض ضمان وجود حالة مستمرة من الصراع وعدم الاستقرار في المنطقة ، وبما يزيد الحاجة إلى الدور الأميركي بعد أن بدأت واشنطن تشعر بتناقص وضعف هذا الدور، بل وتجسير الهوة ما بين الكيان العبري وعدد لا بأس به من الدول العربية والإسلامية خاصة الخليجية منها لإقامة تحالف فيما بينها لمواجهة إيران أو ما أطلق عليه المد الشيعي في المنطقة . ولما رأت أن هناك إمكانية لنجاحها في هذا الصدد وعدم معارضة من تغازل العدو الصهيوني لأي تحرك ضد القدس وفلسطين ، فقد تجرأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الاعتراف بالقدس العاصمة الأبدية للكيان العبري واتخاذ الترتيبات لنقل سفارة بلاده من تل أبيب.. وفي الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى إقامة مثل هذا التحالف العربي العبري فإنها تنفذ سياسة مضادة لذلك تجاه طهران ، مفادها رفع الحصار الاقتصادي عنها، مع استمرارها في تنفيذ سياسة خنقها اقتصاديا، لتظل تتحكم فيها أو تبقى في حكم الوصي الاقتصادي عليها، مقابل إعطائها دوراً أكبر في المنطقة .أما بالنسبة للعراق فإنها تعمل على ترتيب الوضع الأمني فيه والاتخاذ من «داعش» ذريعة لإعادة انتشار قواتها على أراضيه ، بدليل أنها بعد قدومها للعراق لمحاربة تنظيم داعش أعادت نشر ثلاثة آلاف عسكري أمريكي في العراق تحت مسمى مستشارين عسكريين، وهذا الوجود العسكري هدفه الضغط على بعض دول مجلس التعاون الخليجي، الذي يزداد في ظل التنسيق الأميركي – الإيراني . وعليه فإن الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط لا تكترث ولا تعطي أهمية لاحتياجات دول المنطقة ، ولا تهتم بشعوبها وقضاياهم واحتياجاتهم، أو حتى النخب الحاكمة، التي تتعامل معها تكتيكياً وفقاً لمتطلبات كل مرحلة وظرف سياسي أو تاريخي، وطبقاً لما يحمي مصالح واشنطن والدولة العبرية فقط. لذا فإنه يتوجب على دول المنطقة بناء استراتيجياتها وتحالفاتها وفقاً لظروفها ومصالحها واحتياجاتها والمخاطر والتحديات القائمة والمحتملة دون التعويل على الدور الأميركي الذي يعبث بأمنها واستقرارها ويسعى بكل السبل لفرض وصايته عليها ونهب ثرواتها. كلمة أخيرة أقولها هنا أن ما أقدم عليه ترامب يوم الأربعاء الماضي ليس بالغريب ولا المستهجن كما أن ما سبق ذلك الإعلان من تناغم في مواقف بعض الدول مع الكيان العبري والهجوم المنظم والمدروس على شعب فلسطين يعطي دلالة على أن من يهاجمون فلسطين لديهم ضوء أخضر في ذلك لنشر الكراهية للفلسطينيين وحب إسرائيل . 
 Abuzaher_2006@yahoo.com