2024-03-28 10:08 م

مشروع ترامب للسلام: رشوة سعودية وعناد فلسطيني

2017-11-30
ريتشارد سيلفرشتاين
تفاخر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» – منذ اليوم الأول لرئاسته – بأنه سيحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. زاعمًا أنه قادر على فعل ما لم يفعله أي رئيس أمريكي. واصفًا إياه بـ «الصفقة النهائية». حتى الآن، عُرِفَ «ترامب» عند أغلب الناس بأنه متبجح فارغ، وأن تفاخره غالبًا لا يمت للواقع بأي صلة.

مشروع غامض

لكن خلال الأسبوع الماضي أو نحو ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» ووسائل الإعلام الإسرائيلية أن مشروع «ترامب» للسلام بدأ بالتشكل بالفعل. وكانت مصادر المحتويات التفصيلية للمشروع غامضة على الرغم من أن هناك سمة واحدة مشتركة بين كل التقارير، وهي أن الولايات المتحدة ستعترف بدولة فلسطينية كجزء من الصفقة كاملة.

في الأسبوع الماضي، عرضت صحيفة «هاداشوت» الإخبارية الإسرائيلية شروط مشروع السلام التي سُرّبت إليها. وأن الصفقة لا تكاد تقدم للفلسطينيين أي شيء عدا الاعتراف بدولة فلسطين. كما لن تُقبل القدس كعاصمة فلسطين الوطنية. لن يضطر أي مستوطن إلى إخلاء مستوطنة واحدة، ناهيك عن كامل المستوطنات. كما ستستهدف إسرائيل يوم إتمام الصفقة الحصول تقريبًا على كل ما فشلت في الحصول عليه من الإدارات الأمريكية السابقة. أضاف التقرير أن الولايات المتحدة ستقرّ معظم المطالب الأمنية الإسرائيلية المعلنة، بما فى ذلك استمرار وجود القوات الإسرائيلية على طول الحدود الأردنية.

وأضاف أن «نتنياهو» من جانبه يسعى للحفاظ على السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كافة الأراضي الفلسطينية. هذا هو الموقف الذي طالب به «نتنياهو» علنًا، والذي إذا ما طُبّق فمن المؤكد أن الفلسطينيين لن يكتسبوا سيادتهم الكاملة.

وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت سابقا أنه بموجب بنود الاتفاق ستبدأ إسرائيل بالتجارة مع العالم العربي وسيُسمح لخطوطها الجوية بالتحليق عبر المجال الجوي الخليجي. وأضافت الصحيفة أن الدول العربية وتحديدًا السعودية ومصر والإمارات والأردن قد تضيف بعض الالتزامات مثل تحليق طائرات الركاب الإسرائيلية وتأشيرات لرجال الأعمال وخطوط وسائل الاتصالات.

سيكون هناك «مبادلات للأراضي»، ولكن بالنظر إلى أنه لن تتم إزالة أي مستوطنات أو مستوطنين، فمن غير الواضح ما هي الأراضي التي ستتم مبادلتها ولماذا. أو أن الحدود على أي حال لن تكون بالضرورة مستندة إلى حدود ما قبل 1967، كما أوجزت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن تقرير «هادشوت».

افتراضات خاطئة

قد تتساءل؛ لماذا قد يوافق أي فلسطيني على مثل هذه الصفقة؟ حسنًا، على ما يبدو أن «ترامب» و«نتنياهو» يعتقدان أن العرب مرتشون لدرجة أنهم سيبيعون حقهم الطبيعي مقابل بضعة مليارات من البترودولارات السعودية.

ذكر التقرير أن الدول العربية السنية وغيرها ستقدم مئات الملايين من الدولارات كمساعدة اقتصادية للفلسطينيين بموجب المشروع؛ للمساعدة فى تشجيع رئيس السلطة الفلسطينية «محمود عباس» على قبول الاتفاق. أود أن أجازف بالقول إنك إذا سألت أي فلسطيني وأتحت له فرصة الاختيار بين إذا ما كان يفضل أن يكون غنيًا على تحقيق الاعتراف الكامل والسيادة لأمته، فإننا نعلم ما هو الجواب.

ترتكز هذه الاستراتيجية على افتراض خاطئ من جانب إسرائيل والولايات المتحدة بأن المشكلة الفلسطينية هي في أساسها قضية اقتصادية وليست سياسية. لذا رغب وزراء خارجية الولايات المتحدة ورئيس وزراء إسرائيل في دعم الاقتصاد الفلسطينى كطريق لحل الصراع الشامل المستمر لسنوات عديدة. هذا الافتراض خاطئ ومهين. ولكن في حال ما إن كنت تتساءل كيف أو لماذا سُرّب المشروع الآن. تذكر أن «نتنياهو» يواجه أربع فضائح فساد مختلفة. وقد استجوبته الشرطة الإسرائيلية للمرة السادسة هذا الأسبوع.

يبدو «نتنياهو» يائسًا لتغيير الموضوع. وأي طريقة أفضل لتحقيق ذلك غير تسريب المشروع للشعب الإسرائيلي لإقناعهم أنه قد يحقق ما لم يحققه أي زعيم إسرائيلي آخر. وهو سلام دائم مع جيران إسرائيل العرب. ووصفت صحيفة «الجزيرة» العرض المقدم للفلسطينيين بأنه ليس مهينًا فحسب بل إنه يبطل مشروع السلام الخاص بالسعوديين لعام 2002 كذلك.

لن تحقق صفقة «كوشنر» الحد الأدنى من العدالة للمشروع القومي الفلسطيني. فبينما تقدم الصفقة مكاسب استراتيجية لإسرائيل، مثل إنهاء مقاطعة المملكة العربية السعودية، فإنها تقدم فقط مكاسب تكتيكية للفلسطينيين، مثل المساعدات المالية والإفراج عن السجناء والتجميد الجزئي الهادئ للأنشطة الاستيطانية خارج التجمعات الاستيطانية الكبيرة. هذه الصفقة ستحطم خطة السلام العربي 2002 التي ترعاها السعودية والتي عرضت التطبيع الإسرائيلي الكامل مقابل الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967. من خلال الضغط على «عباس» لقبول الصفقة، تقوض القيادة السعودية مبادرتها الخاصة، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل جزئيًا مقابل تحالف ضد إيران.

رسالة سعودية إلى عباس

على الرغم من أن الولايات المتحدة قد اقترحت أحد الأساليب التي يختلف نهجها عن سابقاتها في مشاريع السلام؛ وهي أنه لن يتم الضغط على أي طرف للموافقة على الصفقة، كما أنه لن يكون هناك أي تهديدات. غير أن هذا الادعاء ثبت زيفه بالفعل بواسطة تقريريّن إعلاميين مختلفين عن التهديدات الموجهة ضد الفلسطينيين في حال ما إذا رفضوا الاتفاق.


في البداية، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه عندما استدعى الملك «سلمان» «عباس» إلى الرياض الشهر الماضي لإجراء محادثات، بدا أن الزعيم الفلسطيني يلمح إلى أن الصفقة المعروضة أقل من أن يقبل بها أي فلسطيني. ولا يملك السعوديون أي شيء سوى أن يخبروه أنه إذا رفض الصفقة فسيجعلون حياته جحيمًا حيًا. وفي هذه الحالة يجب أن يستقيل.

ومن المفترض أن ذلك سيمكن السعوديين من إدخال شخصية أكثر اتزانًا مثل «محمد دحلان»، الذي توارى الآن براحةٍ في دبي، والذي سيزايد عليهم. وفي الواقع، وفقًا لمقال للجزيرة، لم يكن هناك سوى «دحلان» الذي «صادفت» دعوته إلى الرياض في نفس الوقت الذي كان فيه «عباس» هناك. كانت الرسالة السعودية إلى «عباس» واضحة «إذا لم نتمكن من جعلك طوع أمرنا، فسنجد من سيفعل».

وباعتبار أنهم نجحوا في إجبار رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» على الاستقالة، اعتقد السعوديون أن ذلك سيهدد «عباس». لكن زعيم السلطة الفلسطينية يدرك أنه إذا تخلى عن الفلسطينيين فسيجعله التاريخ محطًا للسخرية.

في الأسبوع الماضي، كشفت وزارة الخارجية الأميركية الغموض عن قانون عام 1994، الذي ينص على أنه إذا ما دعا الفلسطينيون المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية ستلغي الولايات المتحدة بعثة «منظمة التحرير الفلسطينية» في واشنطن. لاحظت الولايات المتحدة أن «عباس» قام بذلك في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الخريف الماضي؛ فقد دعا المحكمة الجنائية الدولية، التي تضم الآن فلسطين بين أعضائها، إلى محاسبة إسرائيل على الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين في غزة خلال عملية «الجرف الصامد».


صفقة ترامب: الخدعة

لم يذكر أحد في هذه التقارير بشكل واضح ما إن كان إلغاء البعثة جاء ردًا على رفض السلطة الفلسطينية لمشروع «ترامب» للسلام أم لا؟ على الرغم من أن عباس لا يُعرف بأن له ظهيرا سياسيا قويا، إلا أن كبير المفاوضين السابقين لمنظمة التحرير الفلسطينية «صائب عريقات» لم يفوت فرصة الرد بأنه إذا ما أغلقت الولايات المتحدة المرفق الدبلوماسي الفلسطيني، فإن السلطة الفلسطينية ستقطع كل المحادثات مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد أن ذلك سيضع عقبة في مشروع «ترامب» للسلام.

من خلال كل هذا توصلنا لرؤية الخطوط العريضة لما ستنطوي عليه صفقة «ترامب». فستكون الشروط مناسبة لإسرائيل للغاية كما ستكون مجحفة للفلسطينيين. وقد يخفف من إصرار هذا الأخير على رفض الصفقة ببساطة الضغط القوي من الملك السعودي عليه لقبولها.

بصراحة، على الرغم من الإجماع العالمي الملموس من إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على أن هذه الصفقة جيدة. وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي يمكن أن تمارس على الفلسطينيين لقبولها لا أرى طريقة تمكنهم من إنجاحها. قد تكون الولايات المتحدة تعوّل على الإشادة التي يتوقعونها من العالم حين يرى أخيرًا خطة سلام جادة لحل النزاع مقبولة تقريبًا من جميع الأطراف. لكني أراهن على أن العالم سيرى هذا الاتفاق المقترح على أنه جريمة ترتكب بحق الفلسطينيين. كما قال لي «ستيفن والت»، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد:



العامل الإيراني

مراقبون للشرق الأوسط أشاروا لعاملٍ آخر على المدى البعيد يحفزهم لإنجاز الاتفاق وهو «إيران». فكلٍ من إسرائيل والسعوديين يرون في إيران عقبة هائلة أكثر صعوبة من الفلسطينيين. ويعتقدون أنه إذا ما تمكنوا من حل المشكلة الأصغر (فلسطين)، فإن العالم سينظر بإيجابية أكثر إلى نهجهم العدواني في مواجهة إيران وحزب الله.

وعلّق دبلوماسي غربي – طلب عدم ذكر اسمه – قائلًا إن «العرب والإسرائيليين يواجهون عدوّين هما إيران والإرهاب، ويجب أن يتحالفوا لمواجهتهما». وأضاف «لكن هذا التحالف لا يمكن أن ينشأ دون حل القضية الفلسطينية، حيث لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تعمل بشكل علني مع إسرائيل في مواجهة إيران قبل حل القضية الفلسطينية وأن يكون الفلسطينيون أنفسهم متورطين مباشرة في هذا التحالف». 

وعلى الرغم من أن مفاوضي ترامب أعلنوا أنهم لن يحاولوا إجبار الأطراف على الالتزام بجدول زمني أو موعد نهائي لحل المسألة، إلا أن تقريرا إعلاميا إسرائيليا أشار إلى أن «ترامب» يخطط لإعلان المشروع في بداية يناير/كانون الثاني المنتظر.
(اضاءات)