2024-04-20 04:00 م

الوطني والديني

2017-11-24
بقلم: حاتم استانبولي 
الدين هو منظومة من المفاهيم الأخلاقية والأجتماعية والأرشادية حاكت المجتمعات الأنسانية في منطقتنا لتنظيم وتحديد العلاقات المجتمعية بين افراده وقبائله. الدين يعطي السلطة قوة روحية غيبية تمكنها من التحكم في المجتماعت البشرية لكي تبرر حروبها وغزواتها تحت رايات الحق الألهي . حيث ظهر الدين قبل ظهور الدولة الحديثة كانت الحروب والغزوات ترسل عبر القارات للسيطرة واخضاع التجمعات البشرية لسيطرة القوى الكبرى ونشات الأمبراطوريات و شنت الحروب فقط من اجل السيطرة وكانت دائما حروب مكلفة للغازي وللمغزو . ان كل الحروب والنزاعات قائمة على احتكار السلطة وتطويع المجتمعات لسلطة راس المال . متطلبات تدوير راس المال تستلزم قوى بشرية لتحويل السلعة لنقد واعادة تدويره في السوق . فقد استلزم ان يحصن راس المال واصحابه بقوة روحية تبرر سلوكهم وحروبهم وقتلهم وسبيهم واخضاعهم للشعوب , هنا نشات الظروف الموضوعية لنشوء الفكرة الدينية التي من خلالها يستطيع راس المال ان يسيطر على مجتمعاته الضيقة المحيطة ويبرر غزواته للمجتمعات الأخرى تحت عنوان الدين والأستحققات الغيبية ما بعد الممات وكانت دائما مادته الفئآت الأكثر فقرا في المجتمعات . مع تطور المجتمعات البشرية وتنامي راس المال وتمركزه اصبح هنالك ضرورة لتحديد طابع واطار وطني له مرتبط بالمكان , واصبح حدود المكان له اهمية ملموسة ونشأت الثقافات والحضارات التي ارتبطت بالمكان (السوق), ( اليونانية والرومانية والفارسية والهندية والصينية واليابانية والمصرية وبلاد ما بين النهرين و و و). بدأ التعرف والتعارف على مفهوم الحدود وكانت تاخذ من العوائق الطبيعية محددا لها , واثناء تطور المجتمعات البشرية وتشكل الأمبراطوريات بدات تتلبور نزعة الهوية وبدأت حروب اخرى ليست ذات طابع ديني وانما قومي ,ومع تفكك الأمبراطوريات نشات الحاجة لمفهوم الوطن المرتبط في المكان والزمان من حيث النشئة التاريخية لهذه المجتمعات. لكي تنظم المجتمعات برزت الحاجة لنشوء الدولة وسلطتها وكانت الدولة ضرورة لراس المال وتمركزه ,الذي كان العامل الحاسم والمحرك لنشوئها, وانحسر دور الفكرة الدينية وتراجع لصالح فكرة الوطن (والدولة) .كان لنابليون دور حاسم في اخضاع السلطة الدينية الى سلطة الدولة في اوروبا واخراجها من دورها الشمولي وحصرها في الدور الروحي . حينها انطلقت اوروبا في مسيرة التقدم الفكري والثقافي والأقتصادي والأجتماعي والسياسي ومن خلال الحرب والحوار اتفقت ان الأقتصاد هو المحرك للقوة وفعاليته وتبادل منتجاته هو الذي يحدد خريطة تعارض الدول وتحالفها ونقلت صراعها لخارج حدودها الأقليمية. كانت دائما ما تصل الى مساومات فيما بينها على حساب مصالح شعوب المستعمرات . أما في منطقتنا فلم تقم الدولة العربية بناء على متطلبات تطور وحاجة المجتمعات ,وانما بناء على متطلبات وحاجات المستعمر (سايكس - بيكو ) ومع مرور الزمن كان الصراع قائما ما بين مصالح المجتمعات وبين شكل الدولة القائم المرتبط بمصالح المستعمر المباش او الغير مباشر ومع تعاظم اهمية منطقتنا بعد اكتشاف الطاقة واهميتها لدول الغرب والشرق كان لا بد من انشاء قوى داخلية مرتبطة بمصالحه وخارجية لأستمرار سيطرة راس المال (الغربي) . لذلك فان الموافقة على انشاء دولة اسرائيل هو حاجة راسمالية استحضرت الفكرة الدينية لتجميع يهود العالم لأنشائها. اما العامل الداخلي فكان باعادة انتاج الفكرة الدينية لمواجهة قوى التحرر الوطني على قاعدة انها قوى ملحدة تغيب الدين لصالح القومية والأشتراكية . حيث كان تناقضها الأساسي مع القوى وبعض الأنظمة التي استقلت نسبيا عن السياسات الأستعمارية كان تحالفها عميقا مع الأنظمة التابعة مع مركز رأس المال وتنتقل معه حين ينتقل مركزه .اخذت عدة تعبيرات حزب التحرير الأسلامي والأخوان المسلمين والوهابية وجميع هذه الأتجاهات تاخذ من المذهب السني مرجعية وتتنافس على احقية تمثيله . اما عن المذاهب الأخرى فقد بقيت لمئات السنين منطوية تحت رايات الأسلام ولم ياخذ التعارض بينها حيزا الا عندما اصبح لها موقف من عملية التحرر الوطني وانخراطها بها. فمثلا ان ايران كانت تلتزم بالمذهب الشيعي على مدار مئات السنين وفي عهد الشاه السعودية ودول الخليج كانت تقيم معها افضل العلاقات وكانت ايران وكيل راس المال الحصري في المنطقة وعندما تغير دورها كدولة ووقفت ضد مركز راس المال تحولت الصداقة الى عداوة في ليلة وضحاها .(هذا على سبيل المثال وليس الحصر) . نستطيع ان نسجل ان دور الأتجاهات الدينية السياسية والمدعومة راسماليا تدخل في صراع تناحري مع الدولة الوطنية , ودائما تنحى منحى مسالما مع الدولة الكمبرادورية (التابعة) .ودعنا ندقق بسلوك راس المال حيث ياخذ موقف حاسم من تدخل الدين في الدول الغربية نراه يدعمهم ويغذيهم في منطقتنا . بحكم تعدد الثقافات والقوميات والأديان والمذاهب فان الفكر السياسي القائم على اساس الفكرة الدينية يكون اقصائيا في حده الأدنى والغائيا في حده الأقصى والفرق بين الأخوان والوهابية وبين النصرة وداعش والقاعدة بكل تفرعاتها هو فرق بين اتجاهيي الأقصاء والألغاء واللذين ياخذان اشكال عديدة من التهجير وعدم السماح للأفكار الأخرى بالمشاركة او حتى الوجود , الى سياسة الذبح والقتل والتهجير والتشريد .اما عن سياسة راس المال فقد وظف الفكرة الدينية لمحاربة كل ما هو تقدمي ووطني وقومي . واخرج من رحمهم التيارات التكفيرية والألغائية والتدميرية لينقض على المجتمعات من اجل تفتيتها والغاء شكل الدولة القائم . ويقطع الطريق لأنتقالها للدولة الوطنية المستقلة, وتدمير كافة المكتسبات الأنسانية لشعوبها من تعليم وصحة وثقافة وتاريخ وموارد طبيعية وسرقة ثروات شعوبها. هذا ما يحدث في ليبيا والعراق وسوريا ومصر. والباقي على الطريق حتى دول الخليج التي تظن نفسها انها محمية فالأيام القادمة ستثبت ان تغول راس المال لا يهمه شكل او اسم هذا الملك او ذاك وانما تهمه مصالحه وتراكم ثرواته ولحل مشاكله وازماته فانه ياكل لحم اخيه واولاده فكيف عندما يخص الأمر استمراريته . ان الفكر السياسي الديني يتعارض مع الهوية الوطنية والقومية ويفتح الباب امام التعارض والتناقض على اساس احقية الفكرة الدينية ومن يملك الحق في التعبير الصحيح عنها ويدخل في تناقض وتناحر مع اتجاهات في مذهبه والمذاهب الأخرى, والغاء للطوائف والأديان الأخرى .أما عن انخراط الأتجاهات الدينية في حركة التحرر الوطني فانه يخرجها من ثوبها الديني ويضعها في الثوب الوطني التحرري ويجعلها تتعارض مع منشئها الفكري ويضعها امام مفترق طرق بين الوطني والديني ويحكم شرط نجاح استمراريتها ,وعي قيادتها من حيث امساكها للتوازن ما بين الديني والوطني التحرري بحيث يحسم التعارض بينهما لمصلحة الوطني التحرري .هذا يضعنا امام الموقف من المشهد في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا .ان الموقف ضد القتل والأقصاء والتهجير على اساس الفكر والدين والمذهب والقومية هو موقف ضد الأنسانية وتنوع ثقافاتها وحضاراتها ولنتذكر ان الأنسانية هي موجودة قبل الأديان . الدين هو فكرة وحيز فعلها الطوعي يشكل جزء من الفكر الأنساني وفي بعض المحطات الأنسانية ساهم الفكر الديني في تدمير ثقافات وحضارات واخضع شعوب وخيرها بين ترك ثقافتها وحضارتها او تشريدها والغائها . وفي سياق آخر وقبل اندماج الفكر الديني بحركة رأس المال فقد ساهم ايجابا في التخلص من البربرية وتعميم المفاهيم الأخلاقية التسامحية ووقف الى جانب المظلومين امام سلطة الأقطاع وبعض المحطات تحالف مع الأقطاع. ان الأنحياز الى الوطن والتعايش والأحترام بين جميع مكوناته هي الصيغة الأكثر انسانية وتفتح الآفاق للتطور والتقدم الأنساني .اما عن الألتزام بالفكرة الدينية فان مفاعيلها وظهور نتائجها ليس في حياتنا وانما بعد بعثنا مرة اخرى ولهذا فان معيار الأحقية الألهية ليست انسانية ولا تملك اي مجموعة استخدام السلطة والحق الألهي لمحاسبة الآخرين كون الجميع سيخضع للحساب من قبله ( حسب الرواية الدينية) واذا فعل فانه يخضع السلطة الألهية الى السلطة البشرية ويعطي نفسه الصفة الألهية في الحساب بين العقاب والثواب .