2024-03-28 01:28 م

الانتصار على «داعش».. يمهّد لمعركة أوسع

2017-11-22
بقلم: السيد شبل
شيوع اسم «داعش» في الإعلام، أنسى كثيرين أن للكلمة أصلاً مكّوناً من أربع كلمات «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، وأن هذا التنظيم لم يهبط من السماء، وإنما خرج من رحم تنظيم القاعدة (تحديداً فرع العراق) ثم اندمج مع فرعه في سورية، وأعلن عن نفسه، ثم طرح مشروعه لـ«الخلافة» وبدأ في استقبال «الولاءات» من التنظيمات «القاعديّة» المنتشرة في الوطن العربي وخارجه. حيث رأت تلك التنظيمات فيه وجهاً أكثر دوغمائية ونشاطاً من «القاعدة»، وآمنت أنه العملة الرائجة في هذه الأيام، وأنه المؤهّل لحمل راية «السلفية الجهادية».. لذا اتبّعته. أهمية التذكير بأن «داعش» هو ابن القاعدة وأفكار السلفيّة الجهادية، يرجع إلى ضرورة تحديد الخطوات المستقبلية بعد اندحار التنظيم «الداعشي» الإرهابي في كثير من المواقع، أهمها العراق وسورية، حيث سطّرت في الفترة الماضية قوات الجيشين السوري والعراقي وحلفاؤهما انتصارات في عدد من المواقع أدت إلى انزواء هذا التنظيم وخسارته مساحات كان يسيطر عليها ويؤكد حضوره على الساحة بفضلها. صحيح أن خلافات وقعت بين المولود «الداعشي» والأم «القاعديّة»، وتبارى منظّرو كل فريق على «المنابر الجهادية» المنثورة بكثافة على الشبكة العنكبوتية، محاولين توظيف التفسيرات و«الفتاوى» لتصب في مصلحة جماعتهم.. لكنْ ما هو صحيح، لا ينفي أن ثمّة أصولاً ومرجعيّات «سلفية جهادية» توحّدهم، وأن الكتب التي يعود إليها جميع هؤلاء المنظّرين (بداية من ابن تيمية وأبي الأعلى المودودي وحتى عبد الله عزّام وعبد السلام فرج مروراً بسيّد قطب) في النهاية تظل واحدة. أنصار «داعش» لم يكونوا في الأساس إلّا أولاد «القاعدة» وأفكار «السلفيّة الجهادية»، «ولاية غرب إفريقيا الداعشية»، مثلاً، ما هي إلا «بوكو حرام» النيجرية سابقاً ، وفي الصومال أيضاً وقع شيء قريب مع مبايعة قسم من شباب المجاهدين «القاعدية» لـ«داعش»، وفي سيناء المصرية، فإن تنظيم «ولاية سيناء»، هو في الأصل، تنظيم «أنصار بيت المقدس» (القاعدي/الإخواني)، أما شركاؤه في تنفيذ العمليات الإرهابية هناك، فهم ليسوا إلا تشكيلة من «السلفيين الجهاديين» المنتمين إلى مجموعة من الحركات التي تنتقل بين غزّة وسيناء وليبيا، من أمثال: (التوحيد والجهاد، وجيش الإسلام، وجند الإسلام، وأنصار جند الله، ومجلس شورى المجاهدين، وأنصار الشريعة.. وإلخ)، وجميع هذه التشكيلات إما تابعة «للقاعدة» مباشرة، وإما هي تابعة فكرياً وولائياً لها، وقد دخل بعضها في اشتباكات مع حركة حماس ذاتها بعد سيطرتها على القطاع، وقامت الأخيرة، أحياناً باعتقال بعضهم وتصفية آخرين بعد اشتباكات مسلحة وصلت إلى داخل المساجد، غير أن المرجعية الدينية للحركة (المتقاطعة، ولا بد، مع هؤلاء السلفيين) تجعل «أجهزتها الأمنية» مكبّلة أثناء مقاومتهم مكسورة العين وشاعرة بالحرج، كما تسمح وحدة المرجعية لهذه الحركات بإيجاد القماشة اللازمة للمزايدة.. وهذا يمثّل عوامل مساعدة على انتشارها، كما حدث تلاق جزئي -بصرف النظر عن تبني مشروع التلاقي صراحة على مستوى القيادة- بين بعض عناصر هذا الفصيل، وهذه الجماعات السلفيّة وكذلك شباب إخوانيون قرروا الانخراط في الأنشطة المسلّحة بعد عزل جماعة الإخوان عن الحكم في مصر في تموز 2013، لتنفيذ أعمال «انتقاميّة» و«ثأريّة»، وكان العامل الأساس الذي هيأ الأرضية لما سبق هو انهيار الأمن في ليبيا، عقب تدخّل طائرات حلف الـ«ناتو» باستدعاء خليجي، لدك البلاد، وتعويم الجماعات الجهادية / القاعديّة على سطح المشهد هناك، وكذلك الدعم الغربي/الخليجي/التركي/الصهيوني للعناصر المتطرفة «الجهادية» في سورية. عندما تبحث كيف تأسس «داعش»، لا بد من أن يتركّز النظر على تنظيم «القاعدة» في العراق، ومنه إلى أفغانستان، هذه هي الحاضنة التي تخمّرت فيها «السلفيّة الجهادية»، وتأطّرت، وتعززت قوّتها، وحظيت بالأموال.. ومن كابول أعادت انتشارها، مرة أخرى، إلى الوطن العربي وإفريقيا السمراء وشمالاً حتى الشيشان والبوسنة والهرسك وكوسوفو، وشرقاً نحو آسيا (الفلبين وبورما وغرب الصين). وعندما تضع اليد على أفغانستان، لا بد من أن تُمسك بالدور الأمريكي شديد السوء في هذا الملف، وكيف أن تسمين أجساد «المجاهدين» وتسليحهم تم بوساطة رجال البيت الأبيض (زيغنيو برجينسكي)، وعن طريق الدائرين في فلكه من النظم العربية مثل: (آل سعود، وأنور السادات)، وهنا يصح لفت الأنظار إلى أن الدور الأمريكي التخريبي في أفغانستان، لم يبدأ من زمن جيمي كارتر كما هو شائع، وإنما سبق ذلك بعقود، وقد اشتكى منه «داود خان» رئيس وزراء أفغانستان من 1953 وحتى 1963 (ورئيسها فيما بعد)، وكان هذا التدخّل الداعم للقوى القبليّة الرجعيّة هناك يتم عبر بوابة باكستان، وهي كانت شريكاً أصلياً بالأحلاف «الإسلامية» التي رعتها أمريكا في الخمسينيات (بعهد الرئيس داويت آيزنهاور، وبقيادة الأخوين جون وآلين دالاس، ووالدهما وجدّهما لأبيهما كانا "قسيسين تبشيرين" تقلّدا مناصب كبيرة ضمن النظام المشيخي البروتستانتي، وجدّهما لأمهما، وكذلك زوج خالتهما كانا وزيرين سابقين للخارجية.. وهذه التشكيلة العائلية أوحت، على الأغلب، لهما بعقلية ترى الدين كورقة في عالم السياسة)، ثم بالستينيات، وكان البيت الأبيض يستهدف من وراء ذلك تحويل أفغانستان إلى بوابة للعبور للجمهوريات الجنوبية للاتحاد السوفييتي وقتها. الدور الأمريكي والغربي في تصنيع «داعش» لا يقتصر على سجن «بوكا»، وما قيل عن توفير ظروف لقاء الإرهابي أبي بكر البغدادي «برجاله» هناك، بل هو أبعد من ذلك، يصل إلى أحداث أفغانستان في الثمانينيات، وإلى احتضان بريطانيا لـ«كوكبة» من منظّري «السلفيّة الجهادية» من أمثال: (أبي بصير الطرطوسي، هاني السباعي، أبي قتادة الفلسطيني، أبي مصعب السوري.. وإلخ)، إلى جانب عدد آخر من السلفيين المتعصبين، صحيح تقع بينهم احتكاكات، ويقبض عليهم الأمن، أحياناً، لكن تظل حكاية قبولهم كلاجئين، ثم إعادة تصديرهم إلينا في أوقات الخطر.. قائمة كاتهام صريح.. لكن هناك ما هو أبعد، وهو يتعلّق بكل طلقة رصاص غربيّة تم توجيهها، مباشرة أو عبر الكيان الصهيوني، نحو أي مشروع تقدّمي تنويري صاعد في الوطن العربي، وهزيمة أو إرباك هذه التجارب كان معناه على الفور تعويم الأفكار السلفيّة والماضويّة وإخلاء الساحة أمام حامليها، ويندرج ضمن هذا الأمر تدمير كل المراكز الحضارية في الوطن العربي لتبقى الرياض مهيمنة على الساحة، والحقيقة أنه لولا الإسناد الخارجي/الغربي لملوك الرياض في الخمسينيات والستينيات (زمن المد الثوري في الوطن العربي) لما صمدوا على كراسيهم مطلقاً . تأسيساً على ما سبق، فإن التركيز على الدور الغربي في تسليح «الجهاديين»، لا يجب أن يُفقدنا وعينا، أن الهزيمة آتية مما هو أبعد من ذلك، وقدراً معتبراً منها يرتبط بغياب (المشروع)، وهذه كلمة كبيرة تصلح عنواناً لنهضة شاملة، تبدأ من إدارة الاقتصاد لمصلحة الأغلبية الكادحة وإعادة الاعتبار لمفهوم التنمية المستقلة، وتمتد حتى قصر الثقافة والمسرح ودار السينما، والسير في تلك المسارات، حتماً سيتناقض مع مشاريع النيوليبرالية الجديدة التي تتزعم الدعوة إليها واشنطن، ويهندس لها البنك والصندوق الدوليين، وهي كلها تحجّم من نشاط السلطة المحليّة، لمصلحة تسييل الأوضاع في الداخل، وإبقاء الأسئلة المهمة والحساسة بلا إجابات، لتأتي الإجابة وإدارة المشهد من السلطة العالمية فتكيّف الداخل كيفما تريد. كذلك فإن كل تقاعس عن دعم حركات المقاومة للعدو الصهيوني، يعني، قبل كل شيء تخلّياً عن واجب قومي وإنساني، وترك فرصة أمام الكيان حتى تتعزز قوّته، والكيان بحكم وجوده عدواً وضاراً ومشروع دمار، لكنه يعني شيئاً آخر، وهو أن راية المقاومة قد أسقطتها اليد النظيفة الصالحة لحملها، وهذا يعني أن أيادي أخرى ملوّثة قد تأتي لحملها، وهذه الأيادي لن تقاوم تماماً ، ولن تطرح مشروعاً عملياً متكاملاً .. لكنها ستتخذها وسيلة لحشد الأنصار المتحمّسين للقضية خلفها.. ثم ستقوم بتعبئتهم بأفكارها فتتحول نياتهم السليمة من مشروع مقاومة للعدو إلى مشروع خدمة له. وهذا يؤكد أن تبنّي خيار المقاومة، هو قضية أمن قومي، من عشرات الأوجه. مناسبة هذا الحديث، أن الانتصارات التي تحققت على «داعش»، والتي تمّ إنجازها بدماء غالية، من الضروري ألا تغيّب حقيقة أن «أباء وأمهات» «داعش» لا يزالون أحياء، وأنّ هناك حاجة اليوم لعمل بحثي واسع، يعيد تحليل (والنفوس هادئة بعد اندحار كثير من الخطر) خلفيّات «داعش»؟، وما التربة التي غذّته؟، وما هي الأيديولوجيا؟، وما الثغرات التي تحتاج إلى سدّ حتى لا يتكرر المرور منها؟، وما الجهات الداعمة، وكيف تدعم بصور مختلفة؟.. كل هذا حتى يتطور النصر على «داعش» إلى مشروع تجفيف منابع، لأن «السلفيّة الجهادية» لا يصلح معها الانتصار في ميدان واحد.. بل يتطلب الأمر مطاردة فلولها في كل الميادين.