2024-04-24 09:59 ص

دفاعًا عن "الثورة" كمعنى ومسلك

2017-10-31
بقلم: السيد شبل
أغلب من تناولوا خطاب الرئيس السوري، بتاريخ 20 أغسطس 2017، توقفوا عند ثلاث مسائل، الأولى: تأكيده على عروبة سورية بالمعنى الحضاري، والثانية: تشديده على مركزيّة القضية الفلسطينية وثبوتيّة دعم المقاومة المسلحة ضد العدو الإسرائيلي، مع لفت النظر للفارق بين المقاوٍم والمتاجر باسم المقاومة، والثالثة: وصفه للغرب بالأفعى وإشارته للتوجه اقتصاديا وثقافيا وسياسيا شرقا. وكل من استوقفته هذه التصريحات له تمام الحق في ذلك، لأنها جاءت ردًا على تيار داخلي يريد توظيف الانتصار على المؤامرة في اتجاه إعادة إنتاج أهدافها نفسها (الانسلاخ من الجغرافيا والتاريخ - تهميش الخصومة مع الطرف الصهيوأمريكي - الدوارن في فلك البيت الأبيض). وكما أن للمطالب الشعبية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. والغضب المُؤسس على عدم السعي في تحقيقها، من يستثمر فيها فيخطفها ويحوّلها لمؤامرة متكاملة تطحن، أول ما تطحن، الفقراء أنفسهم، والثائرين الحقيقيين معهم، فإن للانتصار على المؤامرة من يستثمر فيها، أيضًا، وصورة من هذا جرت بعد 30 يونيو في مصر، حيث بدأت بجماهير تحرق صور باراك أوباما وآن باترسون -السفيرة الأمريكية- وعلم الكيان، وتنصرف عن "النخب السياسية" لعمالتها، وتطالب بكسح عقليات قروسطية وطائفية عامت على سطح المشهد السياسي.. وانتهت إلى أن الارتماء في أحضان ترامب والبيت الأبيض والصهيونية والرياض وإفساح المجال للتسلّف الديني هو سبيل التصدي للمؤامرة -المؤامرة ممن؟!-. المهم، أن ثمّة شيء آخر، كان يستحق الوقوف عنده بالخطاب ولفت النظر إليه، وهو الاتزان الذي تميّز به عند تناول مفهوم الثورة، فهو، مثلًا، لم ينتهز فكرة التصاق أشياء مثل: (الطائفية والرجعيّة والعمالة للخارج ومعاداة مصالح الطبقات الشعبية..) بـ"حراكات" تزعم الثورية في الأعوام -أو بالأصح في العقود- الأخيرة، منذ ملوّنات أوروبا الشرقية وآسيا، ليشيطن مفهوم (الثورة) ككل، ويغتاله. لم يتورّط بذلك وراعى التركة، رغم أن قطاعًا معتبرًا من الجمهور المُتلقّي كان على استعداد لقبوله والتعاطي معه. لكنّه، لم ينزلق، فيما انزلق نحوه إعلام رجال الأعمال في أقطار عربية أخرى بالسنوات الأربع الأخيرة، حين انتهز فرصة خصومة الشارع مع "نخب" و"مآلات" -وليس جوهر- ما جرى بمصر وتونس بـ 2010/2011، لينسف أفكار كـ: (الشعب، الثورة، مطالب الفقراء، الحق في الاحتجاج، وإيجابية فعل التمرّد ومعاداة الجمود والركود في تغيير الواقع ودفعه للتطور ونحو الأمام..) من الوجود أصلًا!. ما جاء في الخطاب كان كالآتي: ".. الكثير من الوطنيين في سورية نفر من مصطلح الثورة فقط لأنها استخدمت من قبل هؤلاء. لا، الثورة هي مصطلحنا ونحن ما زلنا نفتخر بهذا المصطلح .. وإذا كان أُطلق أو أُصبغت عليهم صفة الثوار فلا يعني بأنهم ثوار، الاسم لا يغير من حقيقة الإنسان، كم من شخص اسمه الأول هو على اسم أحد الأنبياء .. ولكن ليس فيه شيء من الإيمان، نفس الشيء بالنسبة لهم، أن يكون اسمهم ثواراً لا يعني بأنهم كذلك، ونحن نقول لهم الآن بأن الثوار الحقيقيين هم النخبة الوطنية، هم النخبة الإنسانية، هم النخبة الأخلاقية..". حتى عند الرغبة في الإشادة بمجهود الجيش العربي في مواجهة المؤامرة تم وصف الفعل بالثوري: ".. الحقيقة الثورة لم تفشل وإنما كانت نموذجًا في النجاح ونحن نفتخر بها، ولا أقصد ثورتهم وإنما أقصد ثورة الجيش على الإرهابين وثورة الشعب على العملاء والخونة..". نلحّ هنا، بالمناسبة، على ضرورة، بل وجوب، أن تثوّر دمشق من أدائها، فعلًا، باتجاه مصالح الناس الحقيقيّة -معاشيًا-، وهو مشروع ضخم ينطلق بداية من التمسّك بالسيادة الاقتصادية والقطع مع أجندات البنك والصندوق الدوليين، ويدفع نحو توجيه الموارد لخدمة الداخل بعدالة، وتوجيه عمليتي الانتاج والاستهلاك، وأن يتم بحث هموم الناس الاقتصاديّة فيتم علاجها، وأن تمتد الثورة التي قضت على المتطرفين والدواعش المدعومين غربيًا، إلى ثورة داخلية، أيضًا، تبحث عن مواطن الفساد وتهشّمها، وأن تتكثف المساعي نحو مشروع مواطنة وحداثة أكثر جذرية، وأن تتم هندسة إصلاح سياسي صادق وبإشراك النخب الوطنية فيه وتوسيع مساحة المشاركة الشعبية في الحكم، وأن تثوّر دمشق العواصم العربية معها، وأن لا يظل الأمر في إطار المصطلح. لكن "المصطلح"، ليس أمرًا هينًا، ويضع أسسًا لازمة، وكان ردًا مطلوبًا على حالة الهوس في رفض الثوراوية وحزمة الموبقات التي التصقت بها والحيلولة دون أن تمتد إلى التجنّي على مفهوم الثورة نفسه، وهذا يُثمر في النهاية تقديسًا -وليس احترامًا- للنظاميّة بما يجر الشخص نحو التصالح مع الجمود والرتابة والخطأ -بكل صوره- ..، وهنا لا يكون الشخص نظامي بل نظاماوي -ينتمي للأشياء شكليًا وسطحيًا وشعوريًا بمعنى أنه ليس انتماءًا عميقًا وعضويًا وعقلانيًا- (والمصطلحات للمفكر الراحل/ ياسين الحافظ). وهذا "النظاماوي" هو المرادف الموضوعي لـ"الثوراوي"، رغم تباينهما الصوري، حيث يلتقيان على نفس الأهداف حتى لو تباعدت السبل. لقد أثبتت التجارب، فعلًا، أن أقبح "المثقفين" على وجه الأرض، هم من يصنعون المتضادات بين أشياء لا يوجد في جوهرها وفي مفهوهما البسيط تناقض -على الأقل- من حيث مآلاتها الإيجابية التي تتلخّص في البحث عن تحسين أحوال الناس بدنياهم، وهذا يتطلّب، مثلًا، مرة ثورة على النظام تؤدي لآخر أكثر شعورًا بأوجاع الناس وقدرة على التحدي في سبيل التخفيف عنهم وأقل سلطوية عليهم، ومرة دفاع عن نظام -رغم التناقضات معه- ضد مؤامرة بثياب ثورية، ومرة تثويرًا له وهو في محلّه.. وإلخ.. كل هذا لأننا ثبتّنا مصلحة البشر ونظرنا للواقع بعينين مفتوحتين وطلّقنا الطوباويّة.