2024-04-19 10:45 م

حق العودة إلى فلسطين ونهاية وعد بلفور

2017-10-31
بقلم: زهير الخويلدي
" ان القوة على الغفران والقوة على الوعد تستندان إلى تجارب لا يستطيع أحد أن يقوم بها في عزلته وتتأسسان بالكامل على حضور الغير"1 مضى قرن كامل على إعلان اللورد بلفور وزير الخارجية الإنجليزي آنذاك في أكتوبر 1917 وعده المزعوم بإقامة وطن قومي لليهود، الذين ظلوا لفترة طويلة مجرد أقليات مضطهدة وجماعات مشردة في جميع أنحاء العالم وتعيش على الهامش،على أرض فلسطين التي كانت في ذلك الزمن تابعة للإمبراطورية العثمانية التي لم تعد تعتبر الباب العالي كما جرت العادة لقرون طويلة بل صارت تسمى بالرجل المريض. لقد كانت الهزيمة التي منيت بها الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى بعد تحالفها مع ألمانيا والنمسا السبب المباشر الذي أفضى إلى حلول الانتداب البريطاني في المشرق العربي وتزايد الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي وتقاسم الدول الأوروبية الولايات العربية التي كانت تحت الحماية العثمانية. والحق أن الروح العربية غادرت بيت المقدس وكنيسة القيامة منذ ذلك التاريخ المشؤوم وتهات عن ديارها وعاشت الغربة والشقاء في سفرها وترحالها واغترابها عن ذاتها ومعاناتها من التهجير القسري واستحالة التوطين في دول الشتات وامتناع العودة وتأبيد صفة لاجئ على كل مغادر للديار وفار من جحيم التهويد. لم يطلق بلفور مجرد وعد كلامي وإنما رسم سياسة مستقبلية للمنطقة العربية يكون فيها الكيان الغاصب القوة المهيمنة ولقد أثبت التاريخ بعد ذلك بكثير صحة كلامه وعجز كل الأنظمة العربية القائمة آنذاك وكل حركات التحرر الوطني وجميع الدول المحبة للحق والعدل في العالم عن تفادي هذا القدر المحتوم والذي قام على مغالطة كبرى وهي منح أرض بلا شعب إلى شعب بلا أرض والسكوت المر عن جريمة الانتزاع وفظاعة التهجير ومآل الانقطاع عن الأهل وتقطيع الأوصال وعملية التشريد للشعب الفلسطيني ومصادرة الأرض المتبقية عبر آلية الاستيطان ومحاصرة من صمد من السكان الأصليين في مدنهم وقراهم وعزلهم عن العالم في مخيمات مكتظة وحجزهم في محتشدات عنصرية وفرض رقابة صارمة ومعاقبتهم بشدة. لقد كانت نتائج وعد بلفور على الفلسطينيين بدرجة أولى وعلى العرب والمسلمين والدول النامية بدرجة ثانية كارثية ومخيبة للآمال للتأخر الذي أصيبت به هذه الدول وحالة الضعف والانقسام التي آلت إليها. على خلاف ماهو معتاد لم يقدم الغرب حداثته وتنويره ومنتجاته التقنية وثورته العلمية على طبق من ذهب للشعوب العربية التائقة نحو التنمية والحرية بل زرع فيهم القنابل الموقوتة وصدّر لهم الحروب والدمار. لن ينتهي وعد بلفور بالاعتراف بالدولة اليهودية ولن تزول تبعاته المهينة للعرب والمسلمين بالتطبيع والاعتدال في الموقف وقبول الأمر الواقع ولن تربح القوى المقاومة الحرب العادلة بالتنازل والاستلام، وإنما يقتضي الأمر اطلاع وعد من العالم للفلسطينيين بحتمية العودة وشرعية التحرير وحرمة الأرض. لن تعود الروح ترفرف ثانية فوق قبة الصخرة وداخل أروقة كنيسة القيامة الا اذا تحررت فلسطين من كل الغاصبين وعادت الأرض إلى مالكيها الحقيقيين ولن تفتح أبواب القدس بصورة مشرعة الا اذا تنفس السكان الأصليون هواء الكرامة والعزة واستمع كل سكان العالم أجراس العودة ومآذن الحياة والمساواة. ألم يصرح بول ريكور" يعارض الوعد هذا التقلب المزدوج للشؤون البشرية بالمقدرة على التحكم في المستقبل كما لو كان الأمر يختص بالحاضر... الوعد ذاكرة الإرادة المنتصرة على كسل النسيان" 2؟ الاحالات والهوامش: [1] ريكور (بول)، الذاكرة، التاريخ ، النسيان، ترجمة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2009، ص702-703. [2] ريكور (بول)، الذاكرة، التاريخ ، النسيان،مرجع مذكور، ص704. المرجع: ريكور (بول)، الذاكرة، التاريخ ، النسيان، ترجمة جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، طبعة 2009، كاتب فلسفي